تتجه الحكومة المصرية إلى إبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، يرتكز على "تعويم ثالث" للجنيه، ما أشعل قلقا في الأسواق، مع توقع خسائر فادحة بين المصنعين والشركات، ودفع الاستثمارات لمزيد من الهروب بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل الذي أضحى مساوياً لدول الخليج الغنية.
وحذر مديرو شركات من أن التعويم المرتقب للعملة الوطنية سيؤدي إلى موجة جديدة من الغلاء، تصل إلى 35% من الأسعار السائدة، لجميع السلع والخدمات، دفعة واحدة، مؤكدين أن الخفض الذي شهده الجنيه منذ بداية العام بالأساس، والذي وصل إلى نحو 55%، تسبب في صدمات موجعة لجميع الأنشطة الصناعية، ودخولها في حالة من الركود للعام الثاني على التوالي.
قال سامح حسن الرئيس التنفيذي لمجموعة صافولا للأغذية، إن قرارات تعويم الجنيه المتكررة تعيد المستثمرين إلى المربع صفر في كل مرة تقدم فيها الحكومة على هذه الخطوة، لأن الاستثمارات الموجهة داخل مصر تفقد قيمتها.
الرئيس التنفيذي لمجموعة صافولا للأغذية: قرارات تعويم الجنيه المصري المتكررة تعيد المستثمرين إلى المربع صفر
وأكد حسن، على هامش منتدى للأعمال نظمته الجامعة الأميركية في القاهرة، قبل يومين، أن التعويم يخيف المستثمرين ويصيب الاستثمار المباشر في العمق، حيث يبقيهم أمام أمرين كلاهما مر، إما تحميل زيادة الأسعار على المستهلكين أو يفقد المستثمر قدرته على تحقيق عوائد وحماية أصوله من التراجع في قيمة العملة، بما يدفعه إلى خسائر متلاحقة.
وطالب الحكومة بالتوقف عن التعويم المتكرر للعملة، مشيرا إلى أن تراجع قيمة الجنيه بنسبة 25% إضافية كما هو متوقع ستدفع أسعار كافة السلع والخدمات للصعود الفوري بنسبة 35%، وترفع خسائر المستثمرين الصناعيين، بنحو 30% من استثماراتهم المباشرة.
وتوقع استمرار حالة الانكماش في الاستثمارات المحلية والأجنبية، في ظل التراجع المستمر لسعر صرف العملة المحلية، بالإضافة إلى الضغوط التضخمية العالمية والمحلية، وتراجع الأرباح وقيمة الاستثمار بالشركات.
عانت الشركات من انكماش ملحوظ في الأعمال خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفق بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادر عن وكالة ستاندرد آند بورز، يوم الأحد الماضي.
ووفق المؤشر تراجع مؤشر مديري المشتريات على نحو كبير من 47.7 نقطة في أكتوبر/ تشرين الأول إلى 45.4 نقطة في نوفمبر/ تشرين الثاني، لتمتد بذلك سلسلة الانكماش في الاقتصاد غير النفطي إلى عامين. و50 نقطة فرق بين الانكماش والنمو.
ورصدت بيانات المؤشر، أن الشركات تعاني من ارتفاع تكاليف التشغيل المتسارع، وانخفاض الطلبات الجديدة، بما أجبرها على خفض الإنتاج، لأقل معدل منذ يناير/كانون الثاني 2017، وفترة وباء كورونا في 2020. وبينت أن معدل تراجع الطلب يعزى إلى خفض الإنفاق من العملاء بسبب التضخم السريع وارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض الصادرات، في ظل تباطؤ الأوضاع الاقتصادية العالمية.
الشركات تعاني من ارتفاع تكاليف التشغيل المتسارع، وانخفاض الطلبات الجديدة، بما أجبرها على خفض الإنتاج، لأقل معدل منذ يناير
وأشار التقرير إلى أن تراجع الجنيه أدى إلى تسارع حاد وفوري في تضخم أسعار المشتريات وصل إلى أعلى مستوى في 52 شهراً.
وإلى جانب تداعيات هبوط قيمة العملة، يعزو هاني توفيق الخبير الاقتصادي، تراجع الاستثمارات الخاصة المباشرة المحلية والأجنبية، إلى البيروقراطية المصحوبة غالبا ببعض الفساد، وعبء منظومة الضرائب والرسوم المعوقة للاستثمار، ومزاحمة الدولة للقطاع الخاص، وعدم تطبيق مبدأ وحدة الموازنة، وبطء إجراءات التقاضي، وعدم توفر العمالة الفنية المدربة.
وأشار توفيق في دراسة أصدرها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، اطلعت عليها "العربي الجديد" إلى ضرورة أن تلتزم الحكومة برفع العقبات أمام الاستثمار المباشر باعتباره المخرج الوحيد، لمواجهة خطورة الوضع الحالي للجنيه، والتوقف عن توجيه الأموال إلى إنشاء المدن الجديدة والعقارات.
ولفت إلى تقرير أصدره بنك الاستثمار الياباني "نومورا" حول أزمات أسعار الصرف في الأسواق الناشئة، أظهر الجنيه على رأس العملات الأكثر تضرراً من بين 32 دولة، في ظل المتغيرات الدولية الحالية.
وتابع أن تقرير البنك الياباني، اعتبر مصر من أشد الدول مخاطرة، لتجاوزها المعدلات القياسية للمخاطر (100 نقطة) لتبلغ 165 نقطة تليها رومانيا وسيريلانكا وتركيا والتشيك والباكستان والمجر والبرازيل وشيلي والمكسيك والبيرو وروسيا.
عالية المهدي: الحكومة تحمل الشركات تكاليف باهظة، أدت إلى ارتفاع حسابات التشغيل في سعر الطاقة لقطاع الحديد والصلب
بدورها قالت عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد السابق في جامعة القاهرة، إن الحكومة تحمل الشركات تكاليف باهظة، أدت إلى ارتفاع حسابات التشغيل في سعر الطاقة لقطاع الحديد والصلب، بما يعادل 3 أضعاف السائدة في أوروبا، وأصبحت الفائدة على القروض الصناعية والتجارية أعلى من أي مكان في العالم، وتدابير تشغيلية تمنع المصانع من استخدام موانئ قناة السويس.
وأضافت المهدي" لـ "العربي الجديد": "لقد سقطت أسطورة أن مصر دولة رخيصة في تكاليف العمالة والتشغيل، فالسائد حاليا أصبح موازياً لدول الخليج، وأقل من الجزائر والعديد من الدول المنافسة في المنطقة"، داعية إلى "ضرورة حل مشاكل الشركات، ليتولى القطاع الخاص ريادة الأعمال وتوفير فرص العمل، لأنه لم يعد لدينا رفاهية الوقت".