ظلت الصين خلال أزمات المال العالمية من أهم الاقتصادات التي تنتشل العالم من هاوية الركود الاقتصادي رغم الكلفة الباهظة التي تتكبدها الدول الرأسمالية من الإنقاذ المتمثلة في خسارة الوظائف والتمدد في أسواقها على حساب شركاتها.
ولكن دورة الانتعاش التي بدأت بعد جائحة كورونا خلال الشهور الأخيرة ربما تكون بلاد التنين عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد العالمي وليست منقذاً كما كانت في السابق. إذ يواجه العالم في هذه الدورة ارتفاع مستويات تكلفة السلع المصنعة في الصين التي تهدد بارتفاع معدل التضخم و"تسخين النمو الاقتصادي" بالدول الغربية.
وحسب إحصائيات أميركية، ارتفعت أسعار السلع المصنعة إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاث سنوات ونصف السنة في أميركا بسبب ارتفاع كلف التصنيع في المصانع الصينية. وهو ما رفع مؤشر التضخم في أميركا بنسبة 0.9% في أبريل/ نيسان مقارنة بمستويات الأسعار في نفس الشهر من العام الماضي.
كما ارتفعت أسعار السلع المصنعة في المصانع الصينية بنسبة 6.8% في أبريل/ نيسان الماضي، وهو أعلى مستوى لها منذ أكتوبر/ تشرين الأول في العام 2017. وذلك حسب هيئة الاحصائيات الصينية في بكين.
ويعود ارتفاع السلع الصينية المصدرة لدول العالم إلى ثلاثة عوامل رئيسية، وهي ارتفاع أسعار المواد الأولية المستخدمة في التصنيع مثل معادن الحديد الخام والنحاس والسلع وأسعار المشتقات النفطية والغاز الطبيعي. والعامل الثاني، يعود إلى عرقلة سلاسل الإمداد العالمية بسبب تفشي الموجة الثانية من جائحة كورونا في الهند، وتواصل أزمة الشرائح الإلكترونية.
أما العامل الثالث فهو التحول الاقتصادي ـ الاجتماعي الجاري في الصين، الذي يترجمه ارتفاع حجم الطبقة الوسطى في البلاد ويجبر الشركات على رفع أجور العمال. ويتحول عمال المصانع إلى وظائف "الياقة البيضاء" في الشركات الاستثمارية وتجارة الخدمات في المدن ويهجرون العمل في المصانع بسبب طلب التعليم والرفاه الاجتماعي.
في هذا الصدد، قال الاقتصادي بمصرف "يو بي أس" السويسري في هونغ كونغ ، زانغ نج: "هنالك احتمال أن ترفع أسعار المنتجات الصينية من معدل التضخم العالمي خلال العام الجاري".
وحسب إحصائيات مصلحة العمل الأميركية، ارتفعت أسعار السلع المستوردة من الصين إلى أعلى مستوياتها منذ ديسمبر/ كانون الأول في العام 2018. ويذكر أن الصين كانت قد رفعت من حجم صادراتها من السلع المصنعة خلال النصف الثاني من العام الماضي مستفيدة من خروجها المبكر من جائحة كورونا، ولكن السلع الصناعية ربما تخسر ميزتها التنافسية على السلع المصنعة الشبيهة في أوروبا وأميركا إذا تواصل ارتفاع كلف التضنيع. وهو ما يعني أن دول النمور الآسيوية الصاعدة مثل فييتنام وماليزيا ستزيد من التصنيع للولايات المتحدة على حساب الشركات الصينية.
وكان البنك المركزي الصيني قد طمأن الشركات الصينية من مخاطر ارتفاع كلف التصنيع في تقريره الصادر نشره يوم الثلاثاء، حول السياسة النقدية للربع الأول من العام الجاري. وقال " بنك أوف تشاينا" الصين، البنك المركزي الصيني، في تقريره إن التضخم الحادث، هو تضخم مستورد يمكن السيطرة عليه. في أشارة إلى تداعيات ارتفاع المواد الخام المستوردة على كلف الصناعة.
وحسب نشرة بارونز المالية الأميركية، فإن ارتفاع أسعار المواد الخام المستخدمة في التصنيع يعود إلى عودة الطلب القوي على التصنيع بعد استعداد الشركات لفتح الاقتصادات العالمية الكبرى في أميركا وأوروبا، بينما لاتزال المناجم في دول العالم الثالث في أميركا الجنوبية وأفريقيا تعاني من تداعيات الجائحة على مستويات الإنتاج. وهو ما يعني أن هنالك حالة من الاختناق في الوقت الراهن.
ونسبت نشرة "بارونز" إلى الخبير جون كارتسوناس قوله، إن ارتفاع أسعار الحديد يعود إلى الطلب القوي عليه وسط تضاؤل الإنتاج بسبب جائحة كورونا، خاصة في دول مثل البرازيل وتشيلي. ويرى كارتسوناس، أن العالم لايعاني من نقص في احتياطات المواد الخام الأولية ولكن النظام اللوجستي غير قادر على امتصاص الطلب الضخم من الصين.
يذكر أن أسعار الحديد قد ارتفعت في بورصة لندن للمعادن خلال الأسبوع الجاري إلى 226 دولاراً للطن كما ارتفع سعر النحاس إلى 4.76 دولارات للرطل وارتفع سعر الحديد الصلب إلى 1630 دولاراً للطن وفقاً لبيانات بارونز.
وتدور مخاوف المستثمرين من ارتفاع أسعار السلع على صحة دورة الانتعاش الجارية حالياً، حيث ارتفعت مخاطر تضخم " فقاعة الأصول" في الأسواق الأميركية والبريطانية. ويطالب خبراء مسؤولي السياسات النقدية في الدول الرأسمالية بضرورة رفع أسعار الفائدة المصرفية في وقت أقصر مما أعلنوا عنه في السابق.
وكان مصرف الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي" قد ذكر أنه سيواصل تطبيق السياسات النقدية الميسرة ربما لأكثر من عامين حتى في حال ارتفاع معدل التضخم السنوي فوق 2.0%.
يذكر أن البنوك المركزية قد ضخت أكثر من 18 ترليون دولار في الاقتصاد العالمي خلال العام الماضي. ولايزال البنك المركزي الأميركي يواصل ضخ نحو 120 مليار دولار شهرياً في شراء السندات، كما يحتفظ بمعدل فائدة تراوح بين " صفر و0.25%" على الدولار، كما تواصل الحكومة الأميركية تحفيز الاقتصاد عبر تحديث البنى التحتية التي رصدت لها نحو 2.3 ترليون دولار. ويترجم التراجع في سوق "وول ستريت" وبورصة لندن خلال الأسبوع الجاري مخاوف المستثمرين من تداعيلات التضخم.