أقدمت الحكومة الجزائرية على تنويع البنوك الدولية المودع فيها احتياطي النقد الأجنبي للدولة، تجنباً للأزمات المفاجئة وكذلك الاستفادة من العائد على هذه الأموال، لا سيما بعدما شهدت تآكلا في السنوات الأخيرة بفعل تراجع عائدات النفط مع هبوط أسعار الخام.
وكشفت مصادر في بنك الجزائر المركزي عن اعتماد المركزي "سياسة تنويع البنوك حتى تكون عملية تسيير الاحتياطي النقدي حذرة للغاية، في ظل تزايد المخاوف من الأزمات المالية، وتعدد الأزمات السياسية والعسكرية دولياً، وذلك من خلال استهداف بنوك عالمية كبرى ومؤثرة في المشهد المالي الدولي".
وأشارت المصادر إلى أن "البنوك التي جرى توزيع الاحتياطي النقدي عليها تتضمن "سيتي بنك" في نيويورك بالولايات المتحدة والذي تربطه علاقة تاريخية مع بنك الجزائر الذي فُتح فيه حساب لتوطين عائدات البلاد، كما أن شركة سونطراك النفطية هي الأخرى فتحت حساباً في البنك ذاته في العاصمة البريطانية لندن وهو المعتمد في الصفقات الكبرى التي تبرمها الشركة".
كما وضعت الجزائر جزءاً من احتياطي النقد الأجنبي الذي يلامس 50 مليار دولار في بنوك "دويتشه بنك" الألماني في فرانكفورت، حيث يحوز بنك الجزائر حسابين أحدهما جارٍ بالعملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، وكذلك "ستاندرد تشارتدر" البريطاني، حيث جرى فتح حسابين أحدهما في لندن والثاني في هونغ كونغ، بجانب إيداعات في "أتش أس بي سي" في لندن وباركليز البريطاني، و"بي أن بي باريبا" في باريس وفق المصادر.
كما يحوز العديد من البنوك الآسيوية حصة في احتياطي الجزائر من العملة الصعبة، من بينها البنك الياباني "ميزوهو" الذي فتح فيه بنك الجزائر حسابا قبل 16 سنة.
وقال مسؤول في البنك المركزي الجزائري لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمات المتتالية والفضائح التي مست عدة بنوك عالمية، وحتى أنظمة مالية عالمية، دفعتنا لتنويع أماكن وضع احتياطي الصرف، حتى لا نغامر بعائدات النفط، وذلك لتقليص هامش الخطر".
وأضاف المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه أن "اختيار البنوك التي يجري إيداع احتياطي النقد فيها يجري وفق انتقاء دقيق يعتمد على سلّم معايير يأخذ بعين الاعتبار هوامش الربح والأخطار المحتملة، ونسب التأمين على المخاطر، وغيرها من المعايير.. لذلك نوجه أموالنا إلى البنوك الأكثر أماناً".
وشهد احتياطي العملة الصعبة للجزائر، تآكلا متسارعا في السنوات الأخيرة، إذ سجل نحو 200 مليار دولار عند بداية الأزمة الاقتصادية منتصف 2014، قبل أن يهوي حاليا إلى نحو 50 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية. ودفع تآكل الاحتياطي الحكومة إلى مراجعة الكثير من بنود الاستيراد لتقليص فاتورة الواردات التي كانت تكلف خزينة الدولة 50 مليار دولار سنويا، حيث عمدت وزارة التجارة إلى اعتماد رخص مسبقة للاستيراد خلال الفترة من 2015 إلى 2017، تبعها إصدار قوائم بالسلع الممنوعة من الاستيراد، بالإضافة إلى فرض رسوم وقائية تتراوح بين 30% و200% على العديد من المنتجات، لا سيما التي لها مثيل محلي.
وأكد الخبير المصرفي ياسين الحاج السعيد أن "ما قامت به الحكومة من تنويع أماكن وضع احتياطي النقد الأجنبي إجراء صائب وتقوم به الدول عادة وقت الأزمات المالية، ولا يقتصر الأمر فقط على الجانب المالي بل يخضع أيضا لحسابات سياسية، وعلاقات الدول المالكة للأموال مع الدول المالكة للبنوك"، مضيفا أن الجزائر تاريخياً كانت تفضل البنوك الأميركية لكن كثرة الأزمات المالية في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة دفعت الجزائر إلى تنويع ما وصفها بـ"مخابئ أموالها".
وأضاف السعيد لـ"العربي الجديد" أن "نسب الفوائد أيضا تعد عاملا حاسما في اختيار البنك، بالإضافة لعلاقة البنك مع الدول التي تستورد منها الجزائر، حتى تجري عملية تغطية الواردات في ظرف قصير، وبالتالي العملية معقدة كثيراً، لكن التنويع يقلل المخاطر".
وسبق أن كشف وزير المالية إبراهيم كسالي خلال عرضه مشروع موازنة العام المقبل 2023، منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنه من المتوقع أن يرتفع احتياطي النقد الأجنبي للدولة إلى 54.6 مليار دولار بنهاية هذا العام. وتوقع الوزير أن يتطور مستوى الاحتياطات إلى 59.7 مليار دولار في نهاية 2023، ما يعادل 16.3 شهراً من واردات السلع والخدمات.
وتربط الحكومة التفاؤل بمعاودة احتياطي النقد الأجنبي الارتفاع، مع استمرار أسعار النفط عند مستويات صاعدة. وأثر هبوط أسعار النفط العالمية خلال الأعوام الماضية بشدة على الجزائر، العضو بمنظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، حيث تمثل صادرات النفط والغاز 60% من ميزانية الدولة و94% من مجمل إيرادات التصدير والمصدر الأساسي لاحتياطي النقد الأجنبي.
وتستخدم الجزائر احتياطياتها من النقد الأجنبي لشراء واردات السلع والخدمات. وفي السياق، رأى الخبير المالي، جمال نور الدين، أن احتياطي النقد الأجنبي معرّض للتآكل حتى لو زادت قيمته مع الوقت بسبب ضعف مردودية استثماره، فضلا عن تقلبات أسعار الصرف بعد تدهور الدينار.