الجزائر وفرنسا... فتور العلاقات السياسية يعصف بمصالح الاقتصاد

30 ديسمبر 2024
تبون وماكرون على هامش قمة مجموعة السبع في إيطاليا، 14 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا تراجعًا بسبب التوترات السياسية، خاصة بعد تبني فرنسا للطرح المغربي في قضية الصحراء الغربية، مما يعيد للأذهان تعليق الجزائر لمعاهدة الصداقة مع إسبانيا في 2022.
- رغم أن المبادلات التجارية بلغت 11.8 مليار دولار في 2023، إلا أن فرنسا فقدت مكانتها كمورد أول لصالح الصين منذ 2013، واستثماراتها في الجزائر تقدر بـ2.5 مليار دولار لكنها تتراجع.
- تسعى الجزائر لتنويع شركائها الاقتصاديين مع التركيز على الصين وتركيا، بينما قد تواجه فرنسا تحديات في تأمين احتياجاتها من الطاقة.

تعيش العلاقات الاقتصادية الجزائرية - الفرنسية أصعب فتراتها، في ظل إسقاطات فرضها فتور العلاقة السياسية بين البلدين، على خلفية تبني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الطرح المغربي في تسوية القضية الصحراوية، ما جعل سيناريو إسبانيا يعود للأذهان حين علّقت الجزائر معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون معها مطلع عام 2022، بسبب مواقف تبنّتها مدريد من هذه القضية.

وقال الخبير الاقتصادي، سليمان ناصر، إن العلاقات الاقتصادية انعكاس لطبيعة العلاقات السياسية، مشيراً في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن التوترات الأخيرة والتضارب في التوجهات الذي انطلق من الخلافات فيما يعرف بـ"ملف الذاكرة" تجد إسقاطات واضحة لها على الصعيد الاقتصادي، وهو ما تأكد بعد موقف الرئيس الفرنسي في قضية الصحراء الغربية، وتبنيه الطرح المغربي في مسألة الحكم الذاتي.

ورغم تسجيل المبادلات التجارية بين البلدين نحو 11.8 مليار دولار في عام 2023، يشير الخبير الاقتصادي الجزائري إلى أن هذا الرقم مرشح للتراجع، لا سيما في ظل العديد من المتغيرات الأخيرة، لافتاً إلى أن فرنسا كانت تعتبر المورد الأول والأساسي للسوق الجزائرية، لكن الواردات الفرنسية أزيحت من هذه المرتبة منذ سنة 2013 لصالح منافس قوي وهو السلع والمنتجات الصينية.

أما بالنسبة للاستثمارات الفرنسية في الجزائر فتبقى متواضعة حسب ناصر، حيث قدرها بحوالي 2.5 مليار دولار، تتركز أساساً في قطاعات المالية والبنوك، وبعض الفروع الصناعية على غرار إنتاج مواد البناء والأدوية، وكذا قطاع المحروقات من خلال الشركات المتخصصة في التنقيب والإنتاج وغيرها في إطار الشراكات مع المجمع العمومي سوناطراك، مشيراً إلى أنّ حجم الاستثمارات عرف سيناريو المبادلات التجارية نفسه، حيث تتراجع بشكل واضح في السنوات القليلة الماضية.

وتوقع استمرار تراجع مستويات العلاقات الاقتصادية البينية للبلدين، في ظل "إصرار فرنسا على المضي قدماً في رؤيتها للجزائر مستعمرة سابقة، بينما تؤكد الجزائر ضرورة التعامل بالندية الكاملة مع الشركاء، فضلاً عن ملف الذاكرة العالق جراء رفض باريس الاعتراف بجرائمها في الجزائر، والقطرة التي أفاضت الكأس المتمثلة في موقف الإليزيه الأخير من قضية الصحراء الغربية".

وأشار إلى أن التحولات الجارية تأتي بالتزامن مع سعي الجزائر مؤخراً إلى تنويع شركائها الاقتصاديين والتجاريين، مع أقطاب أخرى أبرزها الصين وتركيا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي كإيطاليا وألمانيا في المشاريع الصناعية وقطاعات الطاقة المتجددة.

وعلى الرغم من أنّ الخبير ذهب للاعتقاد بأنّ تدهور العلاقات بهذا الشكل يسبب خسارة للجانبين، خاصة أنّ الجزائر تملك جالية كبيرة في فرنسا تقدر بحوالي 5 ملايين مهاجر، فإنه عاد ليقول إن الطرف الفرنسي يتحمل أكبر قدر منها، فالجزائر تملك خيارات لبدائل أخرى تقدم العروض نفسها أو أفضل منها، بينما قد تعاني الجهة الأخرى في حال تدهور أكثر للعلاقات في تأمين احتياجاتها من أحد أهم المنتجات الاستراتيجية وهي الطاقة، بحكم أنّ إمدادات الغاز الجزائري بقرب المسافة ومصداقية استمرارية التموين أكدت على مدار السنين أنها هي أفضل الخيارات.

ورغم توتر العلاقات، يستبعد الخبير الاقتصادي الجزائري تصعيد حالة التوتر هذه إلى غاية بلوغ قطع العلاقات الثنائية الاقتصادية أو التجارية، لاعتبارات عدة تربط ضفتي المتوسط، وتفرض على الجزائر وباريس التعايش رغم الخلافات، بدليل قوة المواصلات بين البلدين المقدرة بـ 36 رحلة يومية "ففي العلاقات السياسية لا يوجد صديق دائم أو عدو دائم، لكن مصالح دائمة"، وسرعان ما تتغير المواقف إذا تغيّرت بوصلة المصالح الاقتصادية.

سقوط حر للشركات الفرنسية

من جهته، يبرّر الخبير الاقتصادي، أحمد حيدوسي، التراجع الكبير في مستويات العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، بظهور منافسين آخرين للشركات الفرنسية، على رأسها المنتجات الصينية والتركية والإيطالية وغيرها، ما جعل عدد الشركات الفرنسية يتضاءل، مع تركيز نشاطها في مجال الخدمات أو المالية.

ويشير حيدوسي إلى تبني الجزائر، مؤخراً، توجه تنويع مورديها وزبائنها في السوق الدولية، لافتاً إلى أن قطاع السيارات الذي كانت تسيطر عليه الشركات الفرنسية (رينو وبيجو) منذ الاستقلال (عام 1962)، سجّل تراجعاً بداية من سنوات الثمانينيات لصالح علامات مصنعة أخرى، قبل أن ينتهي الأمر بالأزمة التي عرفتها شركة رينو في الجزائر، وتوقيف مصنعها في ولاية وهران، في خضم إعادة النظر كلياً في قطاع تجميع السيارات في الدولة.

ويقول: "فرنسا خبرت منذ الاستقلال أن العلاقات بينها وبين الجزائر لن تطبّع بشكل كامل، لا سيما بعد قرار الجزائر تأميم المحروقات عام 1971، بينما استمرت الشركات الفرنسية المستثمرة في الجزائر في التراجع، بوتيرة تأكدت خلال السنوات القليلة الماضية، نظراً لتذبذب العلاقات، حين شهدت شداً وجذباً، وتوافقاً في المواقف تارة، واختلافاً تارات أخرى".

المساهمون