دخلت الجزائر مرحلة شد الحزام في ما يتعلق بسياسة الاستيراد، حيث قررت تخفيض وارداتها كما ونقدا. وفي أول خطوة لحكومة عبد العزيز جراد في طريقها لكبح فاتورة الواردات، قررت رفع الدعم عن القمح الموجه لمصانع العجائن، بهدف امتصاص جزء من الملياري دولار التي تدفعها الجزائر سنوياً لاستيراد هذه المادة.
وكشف محمد لمين هناني مسؤول شعبة الحبوب في وزارة الفلاحة الجزائرية لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة قررت رفع الدعم عن القمح اللين الموجه لغير صناعة الخبز، والقمح الصلب الموجه لصناعة العجائن، حيث حدد مرسوم وزاري سعر القنطار الواحد من الدقيق العادي الموضب للخبازين بـ 2000 دينار (15.6 دولارا) بينما تباع للمطاحن التي تستغلها لإنتاج العجائن بالأسعار غير المدعمة، أي بين 4 آلاف و5 آلاف دينار (بين 30 و35 دولارا) حسب تطور الأسعار في البورصات العالمية".
وحسب نفس المتحدث فإن "المطاحن ملزمة أن تمتثل لهذه الأحكام في أجل ثلاثة أشهر من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية، وذلك حتى تحضر المصانع نفسها لهذه الزيادة من الجانب المالي ولا يحدث اختلال في الأسواق، خاصة في الأسعار".
وتمثل واردات الجزائر 15.4 في المائة من السوق الأوروبية للقمح، ومن أصل ما تستورده البلاد من القارة العجوز، تمثل فرنسا حصة الأسد بـ 70 في المائة.
وتعتبر الجزائر ثاني زبون رئيسي للمحصول الفرنسي بعد مصر، ويقدّر معدل الاستيراد بـ 4.6 ملايين طن سنويًا.
وحسب تقارير رسمية، تقدَّر حاجات الجزائر من القمح بأنواعه بنحو 15 مليون طن سنوياً، في حين استوردت قرابة 12 مليون طن في 2019، بقرابة ملياري دولار، ما جعلها من أكبر المستوردين عالمياً. ولسنوات، واجهت الحكومات الجزائرية المتعاقبة انتقادات لأنها وقفت عاجزة عن كبح واردات البلاد من الحبوب، خاصة القمح الصلب واللين، رغم إنتاج البلاد وتوفر المساحات الزراعية.
كما وُجِهت اتهامات للحكومات المتتالية بأنها غضّت الطرف عن واردات الحبوب، كونها موجهة لأشخاص ورجال أعمال نافذين في نظام عبد العزيز بوتفليقة، يستغلونها في نشاط المطاحن بالاستفادة من أسعارها المدعومة.
وقال رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك مصطفى زبدي إن "المنظمة كانت تنادي منذ مدة بمراجعة سياسة الدعم وهدفها وصول المنتج إلى المستهلك بسعر مقنن، لكن من الفراغات التي كانت موجودة في هذه السياسة هو استعمال القمح الصلب في الأنشطة التجارية على غرار صناعة العجائن وبالتالي أصبح الدعم يوجه لغير مستحقيه".
كما شرح زبدي لـ "العربي الجديد" أنه "أصبحت هناك مافيا وتكتلات هدفها امتصاص هذا الدعم لحسابها الشخصي" . أما بخصوص إمكانية ارتفاع أسعار العجائن فأوضح زبدي أن "المصنعين لم يكونوا يأخذون في الحسبان أن القمح المستخدم في الإنتاج مدعم، حيث كانوا يبيعون العجائن على أساس أنها منتوجات غير مدعمة وبالتالي يحتكمون إلى قانون السوق في تحديد أسعارها، فهل من المعقول مصنع عجائن يستعمل القمح المدعم ويصدر منتوجاته؟".
وحذر من أن المصنعين قد يستغلون الظرف لرفع الأسعار. وفي السياق، أكدت المكلفة بالإعلام في مجمع "عمر بن عمر" لصناعة العجائن (أحد أكبر مصانع العجائن في الجزائر) أن "المجمع شرع بمجرد صدور المرسوم الحكومي الخاص برفع الدعم عن القمح الصلب الموجه لصناعة العجائن، في عقد اجتماعات على مستوى القسم التجاري وبحضور خبراء المجمع وذلك بهدف وضع خطة عمل للمرحلة القادمة والتكيف مع الوضع الجديد.
المهم بالنسبة لنا في المجمع هو الزبون الذي سنعمل على تفادي تأثره بالقرار المتخذ من قبل الحكومة".
وأضافت أن "المرسوم فاجأنا ونحتاج وقتا لوضع استراتيجية جديدة، وحاليا لا يمكننا تأكيد أو نفي إن كانت الأسعار سترتفع أو ستبقى كما هي". وكانت الحكومة الجزائرية قد أطلقت حملة ضد المتلاعبين بالقمح وأسعاره، صيف 2019، أفضت إلى إقالة مدير الديوان الجزائري للحبوب السابق محمد بلعبدي، بالإضافة إلى غلق 45 مطحنة خاصة مع متابعتها قضائياً، بتهمة تضخيم الفواتير والتصريح الكاذب، إضافة إلى إقرار متابعات قضائية لباقي المطاحن التي قدمت تصاريح كاذبة في ما يخص قدراتها الإنتاجية الفعلية، وذلك في إطار الحفاظ على احتياطي النقد.
وحسب المراقبين، يكمن الاحتيال في نقطتين: إمّا أن تصرح المطحنة برقم إنتاج مضخم للاستفادة من كمية أكبر من القمح المدعم بتواطؤ من ديوان الحبوب، أو أن تقوم مصانع العجائن بتضخيم فواتير الاستيراد.