يواجه الفلسطينيون في قطاع غزة الذين يعيشون حرباً إسرائيلية متواصلة للشهر الثالث على التوالي أزمة حقيقية نتيجة سياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي معهم منذ بداية الحرب التي انطلقت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع فصائل المقاومة الفلسطينية.
وتفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي وجيشه قيوداً على دخول المساعدات الإنسانية والغذائية الواصلة للقطاع عبر معبر رفح البري مع مصر من خلال التحكم في أعداد الشاحنات وتفتيشها بشكلٍ مسبق في معبر العوجا الذي يربط الأراضي المحتلة بمصر.
وإلى جانب ذلك كله، يحرم الاحتلال مناطق مدينة غزة والشمال دخولَ الغذاء والمياه، باستثناء شاحنات محدودة سمح لها بالمرور خلال فترة الهدنة الإنسانية التي استمرت 7 أيام، وشهدت عملية تبادل أسرى بين حركة حماس والاحتلال، قبل أن يعزز الاحتلال من حصاره للقطاع.
في الوقت ذاته، تخلو أسواق غزة من البضائع والسلع الأساسية، فيما يعتمد الكثيرون منهم على المساعدات التي تُوزَّع في مراكز الإيواء بكميات بسيطة ومحدودة لا تكفي لسدّ رمق العائلات المتوسطة وكبيرة الحجم، فيما تُحرَم مناطق أخرى هذه المساعدات.
وخلال الأيام الماضية، رصدت مؤسسات حقوقية شكاوى عن تعرض بعض السكان للوفاة جراء أزمة الغذاء والمياه، فيما حذرت الأمم المتحدة ومؤسسات دولية أخرى من خطر المجاعة الذي يحدق بقرابة 2.4 مليون نسمة يعيشون في القطاع الذي لا تزيد مساحته على 365 كيلومتراً مربعاً.
ومع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، اتخذ الاحتلال قراراً بقطع الكهرباء، ومنع إدخال الشاحنات للقطاع، قبل أن يسمح بشكلٍ محدود من خلال معبر رفح ويتخذ قراراً في وقت لاحق بفتح معبر كرم أبو سالم التجاري، بفتحه لزيادة عدد الشاحنات الواردة، إلا أن ذلك لم يؤد إلى حلّ الأزمة.
وتحول غذاء الكثير من العوائل الفلسطينية النازحة للمدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أو مراكز الإيواء الأخرى للاعتماد على "المعلبات" وكميات بسيطة جداً من الخبز، فيما لا تجد الكثير من العوائل هذه الوجبات بالذات في مناطق الشمال.
مجاعة حقيقية
إلى ذلك، يؤكد نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان لقطاع غزة جميل سرحان، إن الجهات الحقوقية وثقت حالات لنازحين لم يتذوقوا الطعام لأيام تراوح ما بين يومين إلى أربعة أيام، بالذات في مناطق شمال القطاع ومدينة غزة خلال الفترة الأخيرة.
ويقول سرحان لـ "العربي الجديد" إن قوات الاحتلال تقوم بإجراءات واضحة تتمثل بإطلاق النار على النازحين عند محاولتهم الوصول إلى أي مكان للحصول على الطعام وتركهم ينزفون حتى الموت، وهو ما يؤدي إلى حالة حرمان واضحة لهؤلاء من الأكل والشرب.
ويشدد على أن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان وبقية المؤسسات الحقوقية لا تمتلك إحصائية كاملة عن عدد الوفيات التي سقطت نتيجة العطش والجوع، إلّا أنّ هناك إفادات وُثِّقَت تفيد بوجود حالة "مجاعة" تؤدي إلى الموت، وهو ما يتطلب تدخلاً دولياً سريعاً لإدخال الغذاء والمياه والدواء.
مواد شحيحة
المواطن الفلسطيني عبد الرحمن لبد نزح من شمال القطاع إلى جنوبه، يشتكي من غياب السلع الغذائية وشحّها من الأسواق، فضلاً عن عدم وجود مساعدات غذائية يتم توزيعها في مراكز الإيواء من قبل أونروا أو الجهات الحكومية في القطاع، ما ينعكس بالسلب على أسرته.
ويقول لبد لـ"العربي الجديد" إنه يعتمد بدرجة أساسية على المعلبات التي تُوزَّع من خلال المؤسسات الدولية، والتي تُوزَّع مرة كل 48 ساعة أو 72 ساعة، وهي لا تكفي لتلبية احتياجات الأسر الفلسطينية، في ظل تكدس أعداد النازحين داخل المدارس.
ويشير إلى أن المعلبات والسلع الغذائية الشحيحة المتوافرة في الأسواق لا تتوافق مع الواقع المادي للفلسطينيين في غزة، إذ ارتفعت أسعار بعضها لأكثر من 100%، فيما الجميع شبه عاطلين من العمل نتيجة الحرب، ولا يوجد لهم أي مصدر دخل يمكنهم من توفير احتياجاتهم.
مرحلة خطيرة
في الأثناء، يقول المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، إن قطاع غزة يمرّ بمرحلة خطيرة على المستويات كافة، وخصوصاً المستوى الغذائي والمائي، ما ينذر بوقوع كارثة حقيقية تُفضي إلى تدهور الأوضاع بشكل كامل وغير مسبوق، وبشكل لا يمكن إنقاذه.
ويضيف الثوابتة لـ"العربي الجديد" أن بعض الشاحنات القليلة التي تحمل المساعدات تضم قوافل مثل القماش وفحص كورونا وبعض قوارير المياه؛ وهذا أسلوب يهدف إلى الضغط على الشعب الفلسطيني ويحرم النساء والأطفال الغذاء والدواء ومستلزمات الحياة المهمة والأساسية.
وبحسب المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن "هناك تباطؤاً متعمّداً تمارسه أونروا وكأنها لا تريد أن تنتهي من أزمة توزيع الدقيق. فعلى الرغم من مساحة العمل الكبيرة التي تحظى بها على صعيد إدخال الدقيق إلى قطاع غزة، إلا أن إدارتها للأزمة إدارة مُرتبكة وبطيئة وكأنها تتعمّد إهانة الناس وإذلالهم في توزيع حصص الدقيق على الأسر والعائلات الفلسطينية".
ويشير إلى أن "المساعدات" التي تدخل قطاع غزة لا تلبي 1% من حاجة الفلسطينيين، وهو ما يتطلب فتح معبر رفح بشكل كامل وعلى مدار الساعة، والسماح بإدخال 1000 شاحنة يومياً من المساعدات والإمدادات الحقيقية، إلى جانب إدخال مليون لتر من الوقود يومياً.