استمع إلى الملخص
- رغم بعض التراجع في أسعار المواد الغذائية، لا تزال أسعار المازوت والغاز مرتفعة، مع غياب الرقابة على التجار، مما أدى إلى تفاوت الأسعار بين المحافظات وزيادة الأعباء على المواطنين.
- خلفت الحرب دمارًا اقتصاديًا كبيرًا، حيث بلغت الخسائر نحو 530 مليار دولار، لكن السوريين يأملون في إعادة الإعمار وتحسين الأوضاع الاقتصادية في عام 2025.
عام الرحيل وعام الأمل.. هكذا ودّع السوريون 2024 التاريخي الذي شهد سقوط نظام بشار الأسد وهروبه، ليتقبلوا 2025 بآمال كبيرة لتحقيق الاستقرار وعودة العيش الكريم لهم بعد سنوات طويلة عصيبة تدمر خلالها الاقتصاد، وخارت القوى الشرائية، مع استنزاف ميزانيات الأسر. ولم تمنع الجيوب الفارغة التي استنزفتها سنوات الحرب منذ 2011، الكثيرين من الاحتفال في رأس السنة أملاً في "ميلاد جديد" للدولة.
وبالرغم من تأخر وتأجيل منح الرواتب للعاملين في الدولة، وما حمله هذا من خوف وقلق وحاجة لدى شريحة كبيرة من المواطنين، فإن الآمال المعقودة على الحكومة المؤقتة والنظام الجديد، وأيضاً ما صدر من وعود بزيادة الرواتب، ومنحها في وقت قريب، أبقت للتفاؤل بالمستقبل القريب والأمنيات بالأيام القادمة حيزاً من الفرح، لم يعكره سوى غلاء الأسعار، والعجز المالي الذي يعاني منه معظم السوريين.
مواطنون من العاصمة دمشق تحدثوا لـ"العربي الجديد" عن التحضيرات التي أقدموا عليها لعيد رأس السنة، كأنها حالة استثنائية في تاريخ سورية، حيث أكد الكثيرون أنه لن يتكرر، وإنهم لم يشعروا بهذا الفرح من قبل. قال فراس الحلبي: "أشعر في هذه المناسبة بأنني ولدت من جديد، وأن تاريخ عمري قد بدأ الآن، أو منذ أيام قليلة، لحظة نهاية الكابوس ورحيل نظام الأسد.. يستحق هذا الشعب أن يعيش ويفرح ويجعل من عيده هذا عيدين".
أما محمد الجبان فقال لـ"العربي الجديد":" كنت آمل أن أستلم راتبي الشهري قبل رأس السنة، وأن أفرح وعائلتي كما الكثير من الناس، ولكن غلاء المواد اللازمة وقف حائلاً بين العديد من الناس وبين الاستمتاع بهذا العيد الاستثنائي".
وبالرغم من تراجع الأسعار في بعض المواد الغذائية، والاحتياجات المنزلية، فإن الاحتياجات أكبر من قدرة الكثيرين، وفق مواطنين تحدثوا مع "العربي الجديد"، فمعظم الناس بحاجة ماسة للمازوت من أجل التدفئة وهذا لم يتراجع سعره عن 14 ألف ليرة لليتر الواحد، وما زالت جرة (قنينة) الغاز تتراوح بين 250 ألف ليرة في البطاقة الإلكترونية و600 ألف ليرة لدى البيع الحر.
وأشار كثيرون إلى استمرار غياب الرقابة عن التجار. وفي الجنوب السوري حيث غابت الرقابة التموينية عن تجار المواد الغذائية والخضار والألبسة وغيرها، لأكثر من عشرة سنوات، رصدت "العربي الجديد" اختلافاً كبيراً في أسعار معظم المواد الغذائية، وغلاء يصل إلى ضعف أسعار المادة نفسها عنها في دمشق أو في محافظة أخرى.
وقال عماد الظاهر من أهالي السويداء: "استطاع تجار الجملة في المدينة، فرض الأسعار التي تناسبهم على جميع الواردات من خارج المحافظة وحتى على المنتجات المحلية، وذلك لأسباب غياب الرقابة من جهة، والجشع الذي لازم معظم التجار، ولهذا نجد الفوارق الكبيرة في أسعار جميع المواد بين السويداء والأماكن الأخرى، وكذلك فوارق كبيرة في الجودة، وهذه تبدأ من أكثر المواد استهلاكاً، مثل الألبان والأجبان، مروراً بالخضراوات والفواكه، وصولاً إلى جميع الاحتياجات والمستلزمات المنزلية".
وأضاف الظاهر: "في أقل تقدير، نجد أن التاجر العادي في السويداء يبيع معظم المواد على أسعار الدولار، قبل أن يتراجع ثم يرفع الأسعار مع ارتفاع سعر الدولار، وهذا ينطبق على البندورة (الطماطم) والخيار فيتراوح سعرهما بين 8 و11 ألف ليرة، ضعف السعر في دمشق، كما ينطبق على أسعار المكسرات والموالح التي يزيد الكيلو منها ذو الجودة المتوسطة عن 65 ألف ليرة، وبالرغم من أن جميع أهالي المحافظة ينتظرون أعياد رأس السنة ويحضرون لها، فإن ارتفاع الأسعار يزيد من الأعباء، ويحرم الكثير من الناس من فرحة هذه المناسبة".
بدوره، قال ماهر الحلبي، الذي التقت به "العربي الجديد" أثناء جولة ميدانية في أسواق السويداء: "أعمل موظفاً ولم أستلم راتبي الأخير لذلك لم أشتر شيئاً للاحتفال برأس السنة، ونتمنى أن تفي الحكومة الجديدة بوعودها بتحسين الراتب شرط ألا يحدث تضخم في السوق".
لكن الموارد المالية الشحيحة لدى الكثيرين، كان لها دور في إظهار حالة من الرواج لدى أنشطة عدة في سورية، ومنها المقاهي والمطاعم. وفي اللاذقية، أعرب جورج مستو، عن أمله في حياة أفضل في سورية، متمنياً إعادة إعمار البنية الاقتصادية، وعودة النشاط إلى مختلف الأنشطة الصناعية والإنتاجية.
يحمل السوريون إرثاً بالغ الثقل من الدمار الواسع الذي خلفته حرب النظام على الثورة على مدار 14 عاماً. واقع محبط يلف الاقتصاد بجميع قطاعاته، رغم الآمال الواسعة في إزالة مخلفات هذا الدمار، وإعادة إعمار البلاد، حيث ينظر كثيرون إلى أن 2025 بداية الانطلاقة ونفض الغبار.
وبلغ إجمالي الخسائر التي لحقت بالاقتصاد السوري نحو 530 مليار دولار، وفق "المركز السوري لبحوث السياسات"، بينما تقدره لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) بنحو 400 مليار دولار. وتجلي التدمير الذي لحق بالقطاع الصناعي، في تراجع الإنتاج والصادرات، وأثر في مستوى العرض بالأسواق، بعد تهديم المنشآت الصناعية، خاصة في عاصمة سورية الاقتصادية حلب، لتبلغ الخسائر في الإنتاج نحو 80 مليار دولار. كما تقدر خسائر قطاع النفط بنحو 115 مليار دولار، لتعد الأكبر والأكثر تأثيراً بسورية واقتصادها. وتشير تقارير دولية إلى أن سورية بحاجة إلى أكثر من 800 مليار دولار لإعادة الإعمار.