الحرب على غزة تفاقم معضلة الأمن الغذائي للاحتلال

07 يوليو 2024
الإسرائيليون يعانون من موجات غلاء كبيرة للسلع الغذائية (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تفاقم أزمة الأمن الغذائي في إسرائيل**: الحرب على غزة والحصار الحوثي على الموانئ الإسرائيلية أديا إلى تراجع الإمدادات الغذائية وارتفاع الأسعار، مع توقف دول مثل تركيا وكولومبيا عن التصدير.
- **سيطرة الشركات الأجنبية على الإنتاج الغذائي**: تسيطر شركات أجنبية مثل "تنوفا" و"أدما هاجروك يميت" الصينية على الإنتاج الغذائي، مما يقلل من قدرة إسرائيل على وضع خطط فعالة للأمن الغذائي.
- **غياب خطط الأمن الغذائي الحكومية**: لم تضع إسرائيل خططاً طويلة أو متوسطة للأمن الغذائي، وتقرير "المجلس الوطني للأمن الغذائي" أشار إلى أن المخصصات الحكومية غير كافية، مما يعمق الأزمة.

تنذر الحرب على غزة التي يشنها جيش الاحتلال بتفاقم أزمة الأمن الغذائي في إسرائيل.ويرصد باحثون ومسؤولون في تل أبيب ثلاثة عوامل أساسية تفاقم المعضلة التي تواجهها دولة الاحتلال في كل ما يتعلق بالأمن الغذائي، وعلى رأسها تراجع حجم الإمدادات الغذائية بسبب توقف دول أجنبية عن تصدير مواد غذائية أساسية احتجاجاً على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها في قطاع غزة.

فضلاً عن الدور الحاسم للحصار الذي تفرضه جماعة "أنصار الله" الحوثية في ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير بسبب ارتفاع كلفة النقل البحري.
من ناحية أخرى تبين، وبإقرار المستويات الرسمية في تل أبيب، أن الاحتلال لم يملك يوماً خطة طويلة أو متوسطة للأمن الغذائي.

وتشير الباحثة مايا شبيطلنيك إلى أنّ دولاً منتجة لمواد غذائية أساسية شرعت في معاقبة إسرائيل بسبب اتهامها بارتكاب حرب إبادة في قطاع غز، مثل تركيا التي أوقفت تصدير المواد الغذائية ومنتجات صناعية، وكذلك كولومبيا. وتحذر شبيطلنيك، في تقرير موسع نشره موقع سيحا مكوميت، من اتساع دائرة العقوبات الاقتصادية الدولية على دولة الاحتلال، إذ لم تستبعد أن تنضم الصين إلى قائمة الدولة التي يمكن أن توقف التصدير إلى إسرائيل.

وتلفت الباحثة الإسرائيلية إلى معضلة أخرى يمكن أن تفاقم معضلة الأمن الغذائي تتمثل في أن دولاً أجنبية "غير معروفة بعلاقتها الدافئة" بإسرائيل تسيطر على شركات المواد الغذائية الضخمة، مثل شركة "تنوفا" التي يسيطر عليها رجال أعمال صينيون مرتبطون بالحكومة في بكين وتعد أكبر شركة مواد غذائية في إسرائيل، وكذلك شركة "أدما هاجروك يميت" من شركات المواد الغذائية الرائدة التي تخضع لسيطرة صينية. 

وحسب شبيطلنيك، فإن سيطرة دول أجنبية على شركات الإنتاج الغذائي الكبرى تقلص من قدرة دولة الاحتلال على وضع خطط للأمن الغذائي. أما صحيفة غلوبس الاقتصادية فتشير إلى أن الحصار الذي يفرضه الحوثيون في اليمن على إسرائيل، وضمن ذلك استهداف السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، أدى إلى ارتفاع كلفة النقل البحري، ما أفضى إلى زيادة كبيرة على أسعار السلع الغذائية. ويشار إلى أنّ 30% من حجم التبادل التجاري لإسرائيل قبل شن الحرب على غزة وشروع الحوثيين في عملياتهم، كان يمر عبر البحر الأحمر.

معضلة الحرب على غزة

لكن الباحثة ميطال لوطوف تشير إلى معضلة أخرى تُفاقم من أزمة الأمن الغذائي ومرتبطة بالحرب على غزة، وتتمثل في أن العمليات الحربية أسهمت في تقليص مساحة الأرض المخصصة للزراعة. وفي تحليل نشرته في "هآرتس" لفتت لوطوف إلى أن المزارعين هجروا المناطق المتاخمة للحدود مع غزة ومع لبنان التي تعد من أجود الأراضي الزراعية في دولة الاحتلال بفعل الخوف من التعرض لمخاطر إطلاق النار.

وإلى جانب تراجع أنشطة ميناء "إيلات" بشكل كبير جداً، بفعل عمليات الحوثيين، فإن لوطوف تتساءل عم ينتظر دولة الاحتلال في حال شن أعداؤها هجمات مباشرة على موانئها الرئيسة. وأضافت: "هناك مخاوف حقيقية من ألا يجد مواطنو الدولة ما يأكلونه في حال تعرضت الموانئ للهجوم، فقد علمتنا هذه الحرب أن السيناريوهات الأكثر تطرفاً يمكن أن تكون واقعية".

وعبّرت لوطوف عن إحباطها، لأن المخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي لا تحظى باهتمام وسائل الإعلام في دولة الاحتلال ولا تؤثر على اتجاهات الجدل العام فيها.
في حين يرى مدير مركز "يسودوت" للأبحاث مئير بن تسور أن ما يفاقم معضلة الأمن الغذائي حقيقة أنه لا يوجد عدد كافٍ من السفن بملكية إسرائيلية لنقل المواد الغذائية والبضائع، ما جعل دولة الاحتلال تعتمد على شركات النقل الأجنبية.
ويوضح بن تسور أن الصناعات التي تقوم على إعادة التدوير في إسرائيل صغيرة وذات أثر محدود. 

وتتمثل أزمة الأمن الغذائي في إسرائيل بعجز الحكومة عن توفير المتطلبات الأساسية من المواد الغذائية للمحتاجين من المستوطنين. فقبل أسبوعين أصدر "المجلس الوطني للامن الغذائي" تقريراً لعام 2023-2024 أكد فيه أن المخصصات التي تستثمرها وزارة "الرفاه والأمن الاجتماعي" لتأمين المواد الغذائية للفئات الضعيفة غير كافية لتغطية الحاجات الأساسية لهذه الفئات.

وحسب التقرير، فإن الموازنات التي تخصصها الحكومة لتوفير المواد الغذائية الأساسية تكفي فقط لـ 26 ألف عائلة، وهو ما يمثل 10% فقط من العوائل المعوزة في دولة الاحتلال. وتكمن المفارقة في أن تعاظم المخاوف من تدهور مستويات الأمن الغذائي يأتي في أعقاب إقرار حكومة الاحتلال بأنه لم يحدث قط أن وضعت خطة للأمن الغذائي، سواء على المدى الطويل وحتى المتوسط.

فعندما تفجرت الأسبوع الماضي موجة سخرية عارمة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل العبرية، إثر قرار وزير الزراعة آفي ديختر تغيير اسم وزارته من وزارة "الزراعة والتطوير القروي" إلى وزارة "الزراعة والأمن الغذائي المحلي"، بسبب التكاليف الباهظة المترتبة على تغيير الاسم، في وقت تعاني فيه إسرائيل من أزمة اقتصادية ناجمة عن نفقات الحرب، أقر ديختر بأنه أقدم على هذه الخطوة لأنه لم يحدث أن وضعت إسرائيل خطة للأمن الغذائي. وتعهد في بيان صادر عن وزارته بأن تضع وزارة خطة للأمن الغذائي لمدة 25 عاماً. 

وفي مؤتمر نظّمه مؤخراً مركز "يسودوت" و"مركز أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب، أقر وكيل وزارة الزراعة يوفال ليبكين بأن اضطرار حكومة الاحتلال لتخفيض الضرائب المفروضة على استيراد بعض المواد الغذائية من أجل تغطية النقص في المواد الغذائية يقلّص من قدرة إسرائيل على توفير بديل محلي لهذه المواد بشكل يسهم في وضع الكثير من العراقيل أمام أية خطة الأمن الغذائي. وأوضح أنه نظراً لأن وزارة المالية ألغت الضرائب على استيراد الثوم، فإن المزارعين باتوا لا يفكرون في الاهتمام بزراعة هذا المحصول في المستقبل.