تضرب الهجمات التي تشنها المقاومة الفلسطينية الأمن الغذائي الإسرائيلي في العمق، بعد أن استهدفت بلدات ومستوطنات تمثل السلة الغذائية لدولة الاحتلال، فضلا عن تسبب حالة الهلع التي تسيطر على المجتمع الإسرائيلي واستدعاء الجيش مئات آلاف العاملين للانضمام إلى الحرب في شلل سلاسل التوريد، الأمر الذي يعمق خسائر الاقتصاد.
وباتت الحقول وحظائر الماشية ومصانع تجميع الألبان في المستوطنات والبلدات القريبة من قطاع غزة مهجورة، لتتعرض المحاصيل للتلف والتعفن وتموت الماشية بأعداد كبيرة، وفق مسؤولين في اتحادات زراعية وجمعيات لمربي الماشية ومنتجي الألبان.
وتشعر وزارة الزراعة بالقلق أيضاً لأن العديد من العمال في جميع أنحاء سلسلة التوريد إما جرى استدعاؤهم للخدمة العسكرية أو لم يحضروا إلى العمل، ما يؤثر سلباً على نقل المنتجات الغذائية المختلفة إلى سلاسل المتاجر الكبرى، وفق تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.
وقال ليئور سمحا، المدير العام لاتحاد منتجي الألبان في إسرائيل، إن مزارع تربية الماشية ومصانع الألبان في العديد من المستوطنات من دون عمالة، ونحاول إرسال المساعدة لرعاية الأبقار، لكن الجيش لا يسمح لنا بالاقتراب منها، مشيرا إلى أن مصانع الألبان تتعرض لكارثة.
وأضاف سمحا، وفق يديعوت أحرونوت: " نتحدث عن آلاف الأبقار... لقد مات البعض وسيموت البعض الآخر... إنها كارثة".
باتت الحقول وحظائر الماشية ومصانع تجميع الألبان في المستوطنات والبلدات القريبة من قطاع غزة مهجورة
وفي مستوطنات "ناحال عوز" و"كيسوفيم" و"ألوميم" و"عين هشلوشا" و"نير يتسحاق"، هناك خمسة مصانع ألبان توقفت جميعها عن إرسال الحليب إلى شركة تنوفا للأغذية الإسرائيلية منذ شنت المقاومة الفلسطينية هجمات "طوفان الأقصى" المباغتة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، على العديد من المواقع العسكرية والمستوطنات الواقعة في ما يعرف بغلاف غزة.
ويتوقع أن تتعمق أزمة الإمدادات الغذائية مع الإخلاء الذي يجريه جيش الاحتلال لعشرات المستوطنات، إذ أشارت صحيفة معاريف الإسرائيلية إلى أنه يتوقع إخلاء 24 مستوطنة حول قطاع غزة.
ووفق المديرة التنفيذية لقسم الألبان في شركة تنوفا للأغذية عنات غروس شون، فإنّه "جرى التخلي عن مصانع الألبان ولا أحد يحلب الأبقار... إذا لم يصل أحد إلى هناك اليوم أو غداً لإطعام الأبقار وحلبها، فلن تكون هناك إمدادات للألبان".
وفي السياق، قال إيتسيك شنايدر، الرئيس التنفيذي لمجلس الألبان:"هناك خسائر فادحة، وسوف تتضح أكثر في الأيام المقبلة".
كما تشكل المستوطنات المحيطة بغزة المصدر الرئيسي للعديد من المحاصيل الزراعية.
وتزرع مستوطنات مثل "نيريم" و"كفار عزة" و"بئيري" مساحات شاسعة من الجزر والبطاطس (البطاطا)، سواء بغرض التصدير أو التوريد للأسواق الداخلية. كما تزرع البلدات المحيطة بغزة الطماطم والباذنجان في البيوت البلاستيكية.
لكنّ المزارعين غير قادرين على مغادرة منازلهم للعمل في الحقول بسبب القتال. وإذا استمر الوضع على هذا النحو مدة طويلة، فسيكون من المستحيل زراعة الأرض، وستعاني إسرائيل من نقص في الجزر والبطاطس، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت.
يعاني المزارعون الإسرائيليون من مشكلة مياه ناجمة عن تعرض خط كهرباء للتدمير
كما أن هذه الأوقات تمثل البذر لموسم الشتاء، وإذا لم يكن هناك زرع، فسيكون هناك نقص في المحاصيل الشتوية.
وقال مئير يفراح، سكرتير منظمة مزارعي الخضار الإسرائيلية: "إذا استمر الأمر على هذا النحو، فإن المزارعين في جميع أنحاء المناطق المحيطة بغزة سوف يفلسون".
علاوة على ذلك، يعاني المزارعون الإسرائيليون من مشكلة مياه ناجمة عن تعرض خط كهرباء للتدمير.
وقال رامي غولد، من مستوطنة بئيري: "الخوف هو أنه إذا لم يجرَ التوصل إلى حل قريباً، فسوف تجف المنطقة بالكامل، ما يؤدي إلى نقص في الخضراوات".
وبحسب تقرير أصدره المركز العالمي للدراسات التنموية في لندن، حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، فإن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي تتجاوز 8 مليارات دولار، وذلك بالنظر لحجم القطاعات الاقتصادية الواسعة التي تضررت بسبب الأحداث الجارية، خاصة قطاع الموانئ، الذي تراجع نشاطه بشكل واضح، مع إغلاق ميناء عسقلان وتشديد الإجراءات على السفن الداخلة إلى ميناء أشدود.
وقد رفع هذا الأمر من كلف التأمين على السفن التي اختار بعضها تغيير مسار رحلاته البحرية بعيداً عن مناطق الخطر.
وإذا ما استمرت المعارك أكثر من 10 أيام، فقد تشهد الأسواق المحلية في إسرائيل ارتفاعاً في الأسعار وتراجعاً أكبر في قيمة الشيكل، بحسب التقرير، الذي لفت إلى أن تدخل بنك إسرائيل المركزي حال دون انهيار الشيكل إلى مستويات كانت ستؤدي لخسارة وإفلاس العديد من الشركات، خصوصاً بعد موجات البيع الكبيرة التي شهدتها البورصة الإسرائيلية وتراجع أداء العديد من المصارف، محققة خسائر تقدر بـ10% على أقل تقدير.
كما يقدر المركز العالمي للدراسات التنموية الخسائر المتوقعة للاقتصاد الإسرائيلي في حال ارتفعت وتيرة المقاطعة للسلع والمنتجات الإسرائيلية حول العالم بـ20 مليار دولار سنوياً، فضلا عن خسارة 63 ألف موظف في المصانع والمزارع الإسرائيلية وظائفهم، لافتاً إلى أن خسائر إسرائيل جراء حملات المقاطعة التي جرت خلال الفترة من 2013 إلى 2023 وصلت إلى قرابة 90 مليار دولار.
يقدر المركز العالمي للدراسات التنموية الخسائر المتوقعة لاقتصاد الاحتلال في حال ارتفعت وتيرة المقاطعة للسلع والمنتجات الإسرائيلية بـ20 مليار دولار سنوياً
ويشير التقرير إلى إمكانية تعمق أزمات الاستثمار داخل دولة الاحتلال، إذ تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بالأساس بنسبة 60% في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بنفس الفترة من عامي 2020 و2022، مع انخفاض في عدد المستثمرين الأجانب، حيث تمكن الاقتصاد الإسرائيلي من اجتذاب 6.2 مليارات دولار.
وقال مسؤول في وزارة المالية الإسرائيلية إن الاقتصاد الإسرائيلي سيحتاج إلى سنوات للتعافي من الحرب الحالية، مشيراً وفق ما نقلت "يديعوت أحرونوت" إلى أن خسائر اليوم الأول فقط من الحرب بلغت نحو 3 مليارات شيكل (حوالي 750 مليون دولار) وهي تكلفة تقديرية للأضرار.
ولم تتسبب أي حرب على الإطلاق خاضتها إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة عقود في خُمس الأضرار التي تسببها الحرب الحالية، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
وقال مسؤول كبير آخر إن "العديد من المباني بحاجة إلى إعادة بناء واحترقت مئات السيارات وهناك حقول لن تعاد زراعتها لمدة طويلة، وهذا أمر صعب... خسائر إيرادات الزراعة والسياحة ستستمر مدة طويلة قادمة".
وبالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بالممتلكات الشخصية، أشار مسؤولون في وزارة المالية إلى أنه إذا استمرت الحرب أسابيع، فإن الأضرار التي ستلحق بالناتج المحلي الإجمالي ستكون أكبر مما كانت عليه خلال حرب لبنان الثانية عام 2006، بسبب استدعاء مئات الآلاف من العمال للانضمام إلى الجيش وترك وظائفهم.
والأسبوع الماضي، قدر بنك هبوعليم الإسرائيلي كلفة الخسائر الأولية التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي منذ بدء هجمات "طوفان الأقصى" والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بنحو 27 مليار شيكل (6.8 مليارات دولار)، وفق ما نقلت صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل مساء الثلاثاء الماضي.
وهذه التقديرات لا تشمل كلف خسارة الشيكل الإسرائيلي وقطاع الطيران وتوقف الأعمال التجارية والمصانع وفقدان الشركات العالمية الثقة بالعمل داخل إسرائيل وهروب الاستثمارات، وهي كلف من الصعب حسابها بعد عملية "طوفان الأقصى" التي هزت إسرائيل داخلياً وطرحت علامة استفهام كبيرة حول مستقبلها.
ويأخذ البنك في الاعتبار الاستدعاء الكبير وواسع النطاق لنحو 360 ألف جندي احتياطي الذين يجب عليهم ترك وظائفهم والتوجه إلى ساحة المعركة، وهي أكبر تعبئة منذ حرب عام 1973، عندما استدعت إسرائيل نحو 400 ألف جندي احتياط.