الدولار في قلب الانتخابات الأميركية: ثلاثة سيناريوهات لمساره

24 أكتوبر 2024
رهانات محمومة على الدولار قبل الانتخابات (Getty)
+ الخط -

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، ستلعب معنويات السوق دورًا حاسمًا في تحديد كيفية وضع المتداولين رهاناتهم، في ما يتعلق بتداولات الدولار مقابل العملات الرئيسية. وبمجرد إعلان نتائج الانتخابات، سيكون ردّ فعل المتداولين بناءً على ما إذا كانت النتائج تتوافق مع توقعات ما قبل الانتخابات أو لا. وقد يؤدي فوز دونالد ترامب إلى تعزيز فوري للدولار، ولكن إذا فازت المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس، كما هو متوقع في بعض استطلاعات الرأي، فقد يكون هناك ضعف أولي للدولار، يتبعه استقرار عندما تصبح سياساتها أكثر وضوحًا.

وهنالك سيناريوهات مختلفة في ما يتعلق بكيفية تأثير فوز كل مرشح في مسار سعر صرف الدولار مقابل اليورو والعملات الأخرى، لأن ردود فعل السوق ستعتمد كثيرًا على تحديد المواقع قبل الانتخابات والوضوح بعد الانتخابات. وتتأثر قيمة الدولار كثيرًا بالانتخابات الرئاسية، ومن الممكن أن تؤدي نتائج الانتخابات في 5 نوفمبر/تشرين الثاني إلى تقلبات كبيرة في قيمة الدولار، بناءً على النتائج المحتملة وتداعياتها على السياسة الاقتصادية والمالية.
ووفق تحليل لموقع "فوركس" يوم الثلاثاء الماضي، هناك ثلاثة سيناريوهات لمسار الدولار: الأول احتمال فوز كاسح لترامب وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس ومجلس الشيوخ. والثاني فوز ترامب، ولكن سيكون هناك انقسام في الكونغرس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أي عدم حصول أي من الحزبين على أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ. والثالث فوز هاريس، ولكن دون أغلبية للحزب الديمقراطي في الكونغرس.
وإلى جانب الانتخابات الرئاسية، من المقرر إجراء منافسة على 468 مقعدًا في الكونغرس، 33 مقعداً من أصل 100 مقعد في مجلس الشيوخ و435 مقعدًا في مجلس النواب. وتشكل نتائج انتخابات الكونغرس دوراً رئيسياً في إصدار تشريعات جديدة أو تغيير التشريعات القائمة. وفي الوقت الحاضر، يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب، بينما يتمتع مجلس الشيوخ بأغلبية ديمقراطية، ما يمثل حكومة منقسمة. وتُعَدّ السيطرة الكاملة على مجلسي الكونغرس وضعًا مريحًا للرئيس المنتخب.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وحتى الآن، جرى تداول الدولار بالقرب من أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر مقابل العملات الرئيسية أمس الخميس، مدعومًا بتوقعات تباطؤ وتيرة تخفيضات أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياط الفيدرالي وتزايد الرهانات على رئاسة ثانية محتملة لدونالد ترامب. وبلغ مؤشر سعر الدولار، مقابل ست عملات منافسة، بما في ذلك اليورو والين، 104.38 في التعاملات الصباحية في لندن، وهو مستوى غير بعيد عن أعلى مستوى شهده آخر مرة في نهاية يوليو/تموز الماضي.
ويرى محللون في قناة "سي أن بي سي" الأميركية، أمس الخميس، أن سلسلة من مؤشرات الاقتصاد الكلي القوية وبعض التعليقات المتشددة من مسؤولي بنك الاحتياط الفيدرالي أدت إلى تخفيف الرهانات على التيسير النقدي الكبير خلال الفترة المتبقية من هذا العام، وذلك وفقًا لأداة "فيد ووتش- FedWatch" التابعة لمجموعة CME. وانخفضت التوقعات لأسعار الفائدة إلى خفض بمقدار 50 نقطة أساس، خلال الاجتماعين المتبقيين لعام 2024 بدلاً من تخفيض أصغر. وارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية لمدة 10 سنوات، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ ثلاثة أشهر عند 4.26% أمس الخميس.
على مستوى سيناريوهات الدولار، فإن السيناريو الأول يتمثل بفوز ترامب بشكل كاسح في الانتخابات وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس، وهذا من المرجح أن تكون له تداعيات سلبية على الدولار مقابل العملات الرئيسية، وخصوصاً اليورو. إذ من الممكن أن تؤدي التخفيضات الضريبية التي يقترحها ترامب إلى تحفيز التضخم والنمو الاقتصادي في أميركا، ما يؤدي تلقائياً إلى ارتفاع عائد السندات. وهذا من شأنه أن يضع ضغطاً سلبياً على الدولار، حيث يسعى المستثمرون إلى تحقيق عوائد أعلى من الأصول الأميركية. لكن في المقابل، وبالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي التعريفات التجارية المحتملة على صادرات منطقة اليورو إلى إضعاف العملة الأوروبية بشكل أكبر، ما يعزز قوة الدولار. ويرى تحليل فوركس يوم الثلاثاء، أن ترامب كان صريحًا بشأن خططه لرفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 60% أو أعلى إذا أعيد انتخابه. وإذا تحقق ذلك، فقد يؤدي إلى إشعال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وبالتالي تهديد الاقتصاد الصيني المتعثر بالفعل. ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى تضخيم استجابة الصين على الجبهة التجارية على مستوى العالم، ما يدفع الاقتصادات الكبرى إلى خفض قيمة عملاتها للحد من تأثير الحرب التجارية. وبالتالي من المتوقع أن يرتفع الدولار في هذا السيناريو. كذلك قد تدفع الحرب التجارية المستثمرين إلى الاحتماء بالدولار.
من جانبها، ترى "سيتي غروب" في تحليل في يوليو 2023، أن عودة ترامب إلى السلطة ستثير المخاوف بشأن عدم المسؤولية المالية وزيادة عجز الميزانية. وحذرت المجموعة البنكية من أن مثل هذه السياسات يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الثقة بين المستثمرين في أدوات الدين الأميركية، وبالتالي بيع سندات الخزانة الأميركية وإضعاف مكانة الدولار على مستوى العالم. وشددت سيتي غروب في تحليلها، على أن ردود فعل السوق قد تكون سريعة بعد أي نتيجة انتخابية لصالح ترامب.
في ذات الصدد، يرى مصرف "غولدمان ساكس" في تحليل بأكتوبر الماضي، أنه في حال فوز ترامب بالانتخابات، قد تكون هناك تقلبات كبيرة في أسواق العملات. وأشار المصرف إلى أن إدارة ترامب السابقة اتسمت بسياسات مالية عدوانية وتوترات تجارية، ما قد يؤدي إلى ضعف الدولار بسبب زيادة الإنفاق الحكومي والتعريفات الجمركية المحتملة على الواردات. واقترح البنك على المستثمرين الاستعداد للتقلبات في قيمة الدولار مع تغير معنويات السوق بناءً على التطورات السياسية.

ويذهب مصرف "جيه بي مورغان" في ذات الاتجاه، في تحليل في سبتمبر من العام الماضي، ويقول إن رئاسة ترامب قد تؤدي إلى سياسة اقتصادية أكثر انعزالية، ما قد يؤثر سلبًا في العلاقات التجارية الدولية. وقد تؤدي هذه الانعزالية إلى انخفاض الطلب على الصادرات الأميركية، وبالتالي إلى إضعاف الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى.
أما بنك أوف أميركا، فيعتقد أنه إذا فاز ترامب، فقد تكون هناك ضغوط على بنك الاحتياط الفيدرالي، للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة لفترة أطول لدعم النمو الاقتصادي، وهو ما سيقود إلى ضعف الدولار. وأبرز تحليله أن أسعار الفائدة المنخفضة لفترة طويلة يمكن أن تقلل من جاذبية الاستثمار الأجنبي في أميركا بسبب ضعف العائد، ما يساهم أكثر في انخفاض قيمة الدولار.
السيناريو الثاني: فوز ترامب بالرئاسة، لكن الديمقراطيين يسيطرون على مجلس الشيوخ أو مجلس النواب في هذه الحالة، في حين أن ترامب قد يستمر في الضغط من أجل تخفيض الضرائب وغيرها من السياسات، فإن مجلس شيوخ يسيطر عليه الديمقراطيون من شأنه أن يحدّ من قدرته على تنفيذ تدابير مالية صارمة. ومن الممكن أن يؤدي هذا الانقسام في السيطرة إلى خلق حالة من عدم اليقين في الأسواق. ومع ذلك، قد تستمر المخاوف من التضخم في دعم قوة الدولار، ولكن بمعدلات أقل بسبب توقعات استمرار النمو الاقتصادي على الرغم من الجمود التشريعي.
السيناريو الثالث: فوز هاريس بالرئاسة، وقد يؤدي الفوز، خصوصاً في ظل انقسام الكونغرس، إلى تحفيز مالي أقل قوة مقارنة بإدارة ترامب. وقد يؤدي هذا السيناريو إلى ضعف الدولار في البداية مع تكيف الأسواق مع توقعات انخفاض الإنفاق وزيادة الضرائب. ومع ذلك، إذا نُظر إلى إدارة هاريس على أنها مستقرة وقادرة على إدارة التعافي الاقتصادي بشكل فعال، فقد تتمكن في النهاية من دعم استقرار الدولار أو تعزيزه بمرور الوقت.

المساهمون