- تركيا تقيد تصدير 54 سلعة إلى إسرائيل كجزء من حصار اقتصادي يهدف للتأثير على الاقتصاد الإسرائيلي، مع محاولات لمنع استقبال السياحة الإسرائيلية وإدخال النفط في نطاق الحصار.
- المجتمع المدني والشعوب العربية والإسلامية يضغطون على الحكومات لتبني مواقف أكثر فعالية ضد إسرائيل من خلال المقاطعة الاقتصادية للشركات الداعمة لإسرائيل، مما يعكس إمكانية تأثير هذه الإجراءات على إسرائيل وداعميها.
حالة من العجز شعرت بها الشعوب العربية والإسلامية، بسبب الموقف السلبي لحكوماتها تجاه ممارسات الكيان الصهيوني في الحرب على غزة، والأمر من ذلك أن بعض الدول العربية مثل الإمارات سارعت لدعم دولة الكيان الصهيوني، وإمدادها بما تحتاجه من سلع ومنتجات، عبر ممر بري يبدأ من الخليج وحتى دولة الاحتلال مرورا بالأردن ودول عربية أخرى، وذلك بعد تضييق الخناق على التجارة البحرية لإسرائيل، بسبب هجمات جماعة الحوثيين اليمنية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.
واللافت أن ممارسات الحوثيين، والتضييق على الاقتصاد الإسرائيلي وتجارته الخارجية، كانت رسالة واضحة للحكومات العربية والإسلامية، ولكن كان مصيرها للأسف التجاهل، ولم تلتفت إليها إلا تركيا في وقت متأخر جدًا، وقبلها ماليزيا التي أعلنت في 20 ديسمبر الماضي أنها ستفرض حظرا على جميع السفن المملوكة لإسرائيل والتي ترفع العلم الإسرائيلي، وكذلك أي سفن متوجهة إلى إسرائيل، ما سيمنعها من الرسو في موانئها.
لقد تأخرت تركيا كثيراً في اتخاذ خطوة معلنة في مواجهة همجية الممارسات العسكرية للكيان الصهيوني ضد أهالي غزة، لكن قبل أيام تحركت وقررت تقييد تصدير نحو 54 سلعة تركية إلى الكيان الصهيوني. وأتت الخطوة التركية بعد ما يزيد عن 6 أشهر من حرب إبادة شنتها دولة الاحتلال على شعب غزة، وكان ينتظر أن تكون هذه الخطوة في الأيام الأولى، بل كان الشارع الإسلامي ينتظر من تركيا على وجه التحديد المزيد من ردود الأفعال، التي يمكنها أن تؤثر على مسار الحرب الإسرائيلية على غزة.
وللتذكير هنا فإن تركيا تحتل المرتبة الأولى من حيث التعاملات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل من بين دول الشرق الأوسط، بنحو 7 مليارات دولار سنويًا. وبلا شك فإن الخطوة التركية سيكون لها تأثيرها على أداء النشاط الاقتصادي في إسرائيل، وبخاصة في ظل التداعيات السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب على غزة، لأنها تأتي في إطار الحصار الاقتصادي.
وهذا النوع من الحصار، كما يقولون أضعف الإيمان، ولكن له تأثير ملموس، وبخاصة أن إسرائيل تعتمد على واردات مهمة ودعم لوجستي من بعض الدول العربية والإسلامية، ففي الوقت الذي تذهب بعض التقديرات إلى أن أذربيجان تمد إسرائيل فيه بنحو 40% من احتياجاتها من النفط، نجد أن مصر قبلت أن تكون محطة عبور لتصدير الغاز الطبيعي الذي تنهبه دولة الاحتلال الإسرائيلي من موارد فلسطين المحتلة إلى أوروبا. فلو شعرت إسرائيل أن امداداتها من النفط الأذربيجاني سوف تتأثر سلبيًا، لجعلها ذلك تعيد حساباتها بشكل كبير، فاطمئنانها لتدفق النفط إليها دون أية مشاكل، سواء من قبل أذربيجان أو تركيا التي يمر نفط أذربيجان عبر أراضيها إلى إسرائيل، يجعلها تتصرف بأريحية في سوق الغاز الطبيعي، وتمتلك أوراق ضغط اقتصادية، تناور بها في المحيطين الإقليمي والدولي.
دور مخزٍ لبعض الحكومات
لوحظ أن الدور الشعبي في المقاطعة الاقتصادية، كان قويًا منذ اللحظات الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة، حيث أُغلقت فروع لشركات عالمية داعمة لإسرائيل، بسبب المقاطعة الشعبية، وأعلنت بعض الشركات العالمية معاناتها من خسائر قدرت بمليارات الدولارات بسبب المقاطعة لمنتجاتها بسبب دعمها لإسرائيل. ولكن للأسف تطوعت بعض الحكومات العربية للوقوف في مواجهة المقاطعة الشعبية، وادعاء أن هذه استثمارات وطنية، وهو أمر يخالف الحقيقة، لأن هذه الاستثمارات الوطنية تابعة للشركات الأم من خلال شراء حق الامتياز.
بقي الدور على الحكومات، في إحكام الحصار الاقتصادي على إسرائيل، وقد وضعت تركيا بخطوتها الأخيرة بمنع تصدير بعض السلع لإسرائيل، جميع الدول العربية والإسلامية أمام مسئولياتها، الإنسانية والتاريخية. فهناك 57 دولة إسلامية، لديها تعاملاتها الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل بشكل مباشر، ومع دول وشركات كبرى داعمة لإسرائيل، ومع تفعيل الحصار الاقتصادي من قبل الدول العربية والإسلامية على إسرائيل وداعميها، سيكون لذلك أثر ملموس بلا شك.
امنعوا استقبال السياحة الإسرائيلية
للأسف الشديد أصبحت السياحة واحدة من أهم الأنشطة الاقتصادية للعديد من الدول العربية والإسلامية، في ظل ضعف الأداء الإنتاجي والعلمي لاقتصاديات هذه الدول، وحسب تصنيفات منظمة السياحة العالمية، فإن دولتين إسلاميتين، ضمن أكبر 10 مقاصد سياحية في العالم، وهما تركيا وماليزيا. وقد استغلت إسرائيل هذه النافذة، لتحقق العديد من مآربها غير الشريفة، من عمليات تجسس وتنفيذ اغتيالات ضد رموز وعلماء فلسطينيين، كما حدث عام 2018 باغتيال عالم الهندسة الكهربائية الدكتور فادي البطش في ماليزيا.
كذلك لم تسلم تركيا من ممارسات إسرائيل الشائنة، من الزج بالعديد من شبكات التجسس في تركيا، سواء على أهداف تركية، أو أهداف عربية وإسلامية مقيمة في تركيا. ولا يعني ذلك أن باقي الدول العربية والإسلامية في مأمن من الممارسات الإسرائيلية القائمة على التجسس والتخريب الاقتصادي، فقد عانت مصر كثيرًا منذ توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل في عام 1979، من الممارسات الإسرائيلية بالتجسس، ونشر المخدرات، ومع ذلك مازالت سيناء مرتعًا للسائحين الإسرائيليين.
لذلك من المناسب جدًا في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، أن تتخذ الدول العربية والإسلامية موقفًا تجاه السياحة الإسرائيلية، فهي شر محض، وسيكون قرار المنع، حتى ولو كان غير رسمي، له تداعياته السلبية على إسرائيل ومواطنيها، لشعورهم بالعزلة، ومن جهة أخرى وقف نشاطهم القائم على التجسس عبر بوابة السياحة.
أدخلوا النفط نطاق الحصار
يمثل النفط في الدول العربية والإسلامية نحو 30% من الإنتاج العالمي، وهي حصة مؤثرة، ويمكنها أن تغير الكثير في موازين الحرب الإسرائيلية على غزة، فمجرد الرد الإيراني المحدود على الكيان الصهويني، ارتجت أسواق النفط العالمية، على الرغم من أن الرد الإيراني كان معلنًا، ومحدودًا، وانتهى خلال ساعات. فما بالنا، لو أديرت عملية الحصار النفطي من قبل الدول العربية والإسلامية، تجاه إسرائيل وداعميها، بصورة تدريجية، ولكن بشكل يؤثر في السوق العالمي، فمن شأن مثل هذا التصرف، أن يجبر إسرائيل وأميركا والغرب الداعم لإسرائيل على أن يعيدوا حساباتهم.
لقد أربكت روسيا حسابات أميركا والغرب، فيما يتعلق بالطاقة، واستغرق الأمر مدة عام، لكي تستعيد أوروبا توازنها فيما يتعلق بإدارة احتياجاتها من الطاقة، ولو قارنا حجم وتأثير روسيا في سوق النفط الدولية بما هو عليه واقع الدول العربية والإسلامية لوجدنا أن الكفة في صالح الدول العربية والإسلامية.
دور قوي للمجتمع المدني
كنا ذكرنا في مقدمة المقال فإن الشعوب أدت دورها، ولا تزال، تجاه المقاطعة للشركات الداعمة للكيان الصهيوني، ولكن ثمة دور إضافي ضروري ومهم، يتعلق بممارسة الضغوط على الحكومات العربية والإسلامية، للمساهمة في الحصار الاقتصادي للكيان الصهيوني، وبخاصة في الدول التي تتمتع بهامش من الديمقراطية. ففي تركيا، ثمة قراءات لنتيجة انتخابات البلديات، والتي لم يوفق فيها الحزب الحاكم، ذهبت بعض التحليلات، إلى أن ضعف رد فعل الحكومة التركية تجاه ممارسات إسرائيل في حربها على غزة، كان سببًا في عزوف المواطنين عن التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية. فخروج المظاهرات المطالبة بالحصار الاقتصادي للكيان الصهيوني، بجانب المقاطعة الشعبية، أو العمل على تقديم البدائل أمام الحكومات لصرفها عن التعامل مع الكيان الصهيوني، سوف يزيد من فاعلية دول المجتمع المدني.
لا بد أن تشعر الحكومات العربية والإسلامية بهويتها وانتمائها، وأن عليها واجبًا تحتمه عليها الظروف الإنسانية والتاريخية، ومما يزيد من الضغوط على تلك الحكومات، ما قامت به منذ اليوم الأول حكومات دول غير عربية أو إسلامية، في أميركا اللاتينية، أدانت الهمجية الإسرائيلية، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية معها، وعلينا ألا نعبأ بواقع حكومات التطبيع، وإن كان ذلك لا يعفي الشعوب من ممارسة المزيد من الضغوط على تلك الحكومات لتفيق مما هي عليه.