تشهد أسعار السلع الغذائية ارتفاعاً كبيراً في الأسواق السودانية، في ظل الانفلات والفوضى وغياب الأجهزة الرقابية، ما ينعكس مباشرة على معيشة الأسر خاصة من ذوي الدخل المحدود. ورغم أن قوانين حماية المستهلك ومنع الاحتكار قد أودعت في البرلمان منذ العام 2015، إلا أنه لم تتم إجازتها ولا تطبيقها حتى اليوم، ما يؤثر على قدرة الأجهزة الرقابية في ردع المخالفات وحماية المواطنين.
وسبق أن شرعت وزارة التجارة في مراجعة القوانين المنظمة للعمل التجاري في البلاد بالتنسيق مع الولايات والهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس التابعة لمجلس الوزراء. وبدأت التنسيق مع وزارة العدل لمراجعة قانون حماية المستهلك والإغراق ومنع الاحتكار والغش التجاري وإجازته، في إطار دعم جهود حماية المستهلك. ودعا اقتصاديون الى إنشاء هيئة قومية لتنظيم ومراقبة الأسواق تقابلها آليات يتم اعتمادها في كل ولاية، بموازاة تفعيل دور التعاونيات الاستهلاكية ودعمها، بالتنسيق مع اتحاد العمال.
ويطالب الاقتصاديون منذ سنوات بالاستفادة من الأذرع الاقتصادية لاتحاد العمال لضمان توفير السلع، وكذا تعظيم دور مكاتب الوزارة في الولايات لتنظيم التجارة الداخلية وتفعيل القوانين والتشريعات الاتحادية والولائية المتعلقة بحقوق المستهلك. ورأى مسؤول في وزارة التجارة أن ضبط الأسواق يتطلب تعديلات قانونية تتعلق بالتجارة الداخلية والخارجية. وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أنه لا بد أن يكون القانون حذراً في ظل توجه الدول نحو تحرير الأسعار والاقتصاد، داعياً إلى أن يتماشى القانون مع ضمان الأسعار التأشيرية وتشديد الرقابة على الأسواق.
وأشار إلى التنسيق الذي يتم مع الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس وجهاز حماية المستهلك ومجلس المنافسة ومنع الاحتكار. وقال الاقتصادي محمد توم لـ "العربي الجديد" إن فوضى الأسواق وانفلات الأسعار تزايدت بصورة غير منطقية، وسط غياب كلي للجهات المختصة عن المتابعة وضبط التجار.
وعزا السبب إلى انتهاج سياسة تحرير الأسعار وخروج الدولة كليا من السوق. وقال إن دعم القطاع الخاص منطقي، ولكن ما هو غريب هو غياب الرقابة خاصة من قبل الوزارات المعنية. وتتباين أسعار السلع بين الأسواق السودانية، كما تختلف الأسعار من محل تجاري إلى آخر في نفس السوق، من دون وجود أسباب مقنعة، مما يثير سخط المستهلكين.
وأكد توم أن انتهاج الحكومة في السنوات الماضية سياسة التحرير الاقتصادي أدى إلى تمكين فئة قليلة من التجار والنافذين من السيطرة على مفاصل العمل التجاري، وتفشت الممارسات الاحتكارية في السلع الرئيسية مثل السكر والإسمنت ومواد البناء ونسبة لا يستهان بها من قطاعات الاستيراد والتصدير.
وأضاف أنه رغم تحجج الكثيرين بأن الحملات الرقابية تحتاج لتكاليف باهظة من وسائل نقل وكادر بشري مؤهل لتتمكن الوزارة من تغطية مئات الأسواق، وآلاف المتاجر، إلا أن المعنيين في الأجهزة الرقابية مسؤولون عما وصلت إليه حال الأسواق ما داموا لا يزالون على رأس عملهم وارتضوا القيام بالمهام الرقابية.
واعتبر أن وضع حد لهذه الفوضى رهن تكثيف الرقابة وإلزام المحال التجارية بوضع إشارة على السلع تحدد السعر، والتوسع في إنشاء مراكز بيع السلع بأسعار منخفضة، وتنشيط التعاونيات في الأحياء ومواقع العمل لتوفير السلع للمواطنين بسعر المصنع، مع تكفل الحكومة بالتكاليف التشغيلية الإضافية التي تدفعها المصانع مع وإعفائها من الرسوم والجبايات لضمان وصول السلع للمستهلكين بأقل الأسعار.
ولكن الزين بابكر، الخبير في مجال الأسواق، رأى في حديثه مع "العربي الجديد" أن فوضى الأسعار تفاقمت بعد الزيادة العشوائية للأجور، "فالحكومة مدعوة أيضا للقيام بدور فاعل في مراقبة وضبط الأسواق، وحسم الفوضى في التلاعب بالتسعيرة وتخزين السلع واحتكارها، لأن القضاء على ظاهرة الوسطاء سيؤدي إلى نتائج حاسمة في استقرار أسعار السلع". وأكد أنه على الدولة التدخل لوقف الممارسات السالبة التي تضر بالاقتصاد القومي، ومنها فرض تجار السلع أسعاراً وفق مزاجهم ورفع الأسعار من دون مبرر وانتشار المضاربات وتجارة العملات.
وأضاف أن الخطأ الذي وقعت فيه الدولة سابقا هو اعتماد سياسة التحرير الاقتصادي وترك القارب للقطاع الخاص كلياً، فيما الأخير فشل في توفير نقد أجنبي للبلاد وعجز عن إحلال الواردات وتقليل الصادرات، فضلا عن أن الاستثمارات الخارجية لم تعد إلى البلاد بالفائدة المرجوة.