يشهد اليمن تصاعدا متسارعا للأحداث في استهداف السفن الإسرائيلية وتلك المتعاملة مع الاحتلال نتيجة الحرب على غزة، ما انعكس اضطراباً في ممرات التجارة الدولية اليمنية في باب المندب، الذي يستحوذ على اهتمام دول العالم وسط مخاوف واسعة على الشحن التجاري البحري والأسواق الدولية التي تعيش حالة من الارتباك لما آلت إليه الأوضاع في أحد أهم الممرات المائية في العالم.
وقفز "باب المندب" المنفذ الاستراتيجي على البحر الأحمر، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2023 إلى واجهة الأحداث في المنطقة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد إعلان الحوثيين استهداف جميع أنواع السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، داعين جميع دول العالم إلى سحب مواطنيها العاملين عليها وتجنب التعامل معها. ويوم الخميس، قالت البحرية الأميركية إن زورقا مسيّرا للحوثيين محملا بالمواد الناسفة انفجر في البحر الأحمر لكنه لم يتسبب في وقوع أي أضرار أو إصابات.
ووقع الهجوم غداة إصدار 12 دولة من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان بيانا مشتركا يحذر الحوثيين من "عواقب" لم يذكرها إذا لم يوقفوا هجماتهم، وهو ما وصفه مسؤول أميركي بأنه تحذير أخير. وأكدت مصادر مسؤولة في صنعاء لـ "العربي الجديد" أن الولايات المتحدة فشلت في عسكرة البحر الأحمر في محاولة للسيطرة على الممر المائي اليمني باب المندب، الذي تلتزم بحمايته الدول المشاطئة على البحر الأحمر وفي مقدمِها اليمن المخولة له قانوناً حماية أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب.
حماية السفن الإسرائيلية
وأضافت أن الملاحة في البحرين الأحمر والعربي آمنة إلى كل الوجهات باستثناء الكيان الإسرائيلي وأن العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية في البحرين الأحمر والعربي موجهة فقط ضد سفن إسرائيل وتلك المتوجهة إلى موانئها. من جانبه، اتهم الناطق باسم جماعة الحوثي محمد عبدالسلام في منشور كتبه على موقع إكس أميركا وشركاءها بتهديد الملاحة الدولية بسبب محاولتها عسكرة البحر الأحمر لتوفير خدمة الأمان اتجاه السفن الإسرائيلية.
الخبير في الملاحة البحرية علي هزاع أشار في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى خطورة الأحداث المتصاعدة في باب المندب والاضطراب الحاصل في أهم الممرات التجارية الدولية في البحر الأحمر، لافتاً إلى تأثر التجارة الدولية واقتصادات الدول ليس فقط في إسرائيل بل والدول والشركات التي تسهل مهامها في التجارة الدولية والنقل البحري.
وقال هزاع إن تبعات ما يحصل في باب المندب والبحر الأحمر تمثل حدثا مفصليا في تطورات الأوضاع والصراع الدولي في المنطقة حيث ستستمر انعكاسات ذلك بالتصاعد الخطير والواسع حتى بعد توقف الحرب الإسرائيلية على غزة، إذ قد يشهد العالم صراعا واسعا بين الأقطاب الدولية الكبرى التي ستدفع بالمزيد من الحشود العسكرية والقوات والقطع البحرية، مع ما يرافق ذلك من تحالفات واستقطابات متعددة، الأمر الذي سيؤدي إلى تغير جذري في التجارة الدولية والاتفاقيات البحرية وارتفاع قياسي في تكاليف التأمين والشحن التجاري والذي سينعكس على الأسواق المحلية في كل دولة.
الباحث الاقتصادي عصام مقبل أوضح لـ"العربي الجديد"، أن واشنطن التي عطلت مشروع القرار العربي الأخير في مجلس الأمن لإيقاف الحرب في غزة، وضعت باب المندب والبحر الأحمر في طليعة اهتمامها في ظل تربص دول منافسة أخرى مثل الصين وروسيا بمسار الأحداث المتصاعدة في أهم الممرات المائية الدولية.
ولفت مقبل إلى قيام الولايات المتحدة بإرسال مبعوثها الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينغ في إطار مساعيها لتشكيل تحالف دولي في البحر الأحمر، حيث تتركز مهمة ليندركينغ على حشد جهود الحكومة اليمنية في عدن ضمن إطار هذا التحالف الدولي الذي أعلنت واشنطن عن تشكيله حيث لم تجد أي تجاوب من دول عديدة من ضمنها المملكة العربية السعودية.
في السياق، يؤكد خبراء اقتصاد ومراقبون أن الجغرافية اليمنية هي المطمع الأول لعدد من الدول في المنطقة ولكثير من القوى الاستعمارية بشكل عام لتأمين مصالحها وتجارتها. الباحث الاقتصادي والأكاديمي في جامعة الحديدة اليمنية سفيان جامل، شدد في هذا الصدد لـ"العربي الجديد"، على تبعية باب المندب لليمن، لكن هناك العديد من الدول التي استغلت الحرب والصراع في اليمن لتكثيف وجودها بالقرب من هذا الممر المائي الاستراتيجي الذي تمر عبره عشرات السفن التجارية بشكل يومي، إذ استهدف هذا الوجود نزع يد الدولة التي يتبعها المنفذ والتحكم الكلي به بحجة وضعية البلاد والحرب التي تشهدها وتسببها بتفكك مؤسسات الدولة وانقسامها بين أطراف الصراع.