تأخرت الحكومة الانتقالية عن إعلان برنامج الموازنة السودانية العامة للعام 2023، رغم مضيّ الربع الأول من شهر يناير/كانون الثاني، متجاوزة فرضية إجازتها نهاية العام المنصرم والشروع في تطبيقها أول العام الحالي، كما يحدث سنوياً.
وحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، يأتي عجز الإيرادات كأحد أبرز أسباب تأخير الإعلان عن الموازنة الجديدة.
تبريرات وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، للإعلام المحلي، حول تباطؤ إخراج الموازنة إلى العلن، أنها لا تزال في طور المناقشة داخل أروقة القطاع الاقتصادي الذي يرأسه، بمجلس الوزراء،
ولفت إلى تحديات توفير إيرادات تتجاوز 5 تريليونات جنيه سوداني (الدولار = نحو 570 جنيها) لتمويلها بإمكانية الاستدانة من النظام المصرفي لتغطية العجز المتوقع بنحو 15% وفرض ضرائب ورسوم حكومية.
وحسب مراقبين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، ستؤدي السياسات الحكومية إلى مزيد من الضغط على المواطن، كما حدث في موازنة العام السابق. وقال المحلل الاقتصادي حسن السنوسي لـ"العربي الجديد" إن العجز الكبير المتوقع بـ15% من إجمالي الموازنة من شأنه التأثير سلباً على الاقتصاد، ويؤدي إلى ارتفاع كبير في التضخم وزيادة عرض النقود، حال لجوء المالية للاستدانة من النظام المصرفي. وأشار إلى ضرورة توفير إيرادات للموازنة من دون فرض ضرائب جديدة.
وقال المحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي لـ"العربي الجديد": البلاد تعاني منذ فترة تراجعاً في مؤشرات الاقتصاد الكلي، فهناك أزمة في ميزان المدفوعات، وارتفاع في مستويات البطالة، وتعطل في الصناعات التحويلية، وعدم التوصل إلى معالجات جذرية لمشاكلها العاجلة، خاصة أن الاقتصاد السوداني يعتمد على المعونات والتسهيلات التمويلية الميسرة التي تقدمها البلدان والمنظمات التمويلية والاستثمارية الدولية.
وقال إن موازنة العام الحالي ستتبع ذات المنهج السابق بالمبالغة في تضخيم الإيرادات والمصروفات، ما يقود إلى التدهورالاقتصادي الذي تعيشه البلاد حاليا. وأشار إلى عدم توضيح الحكومة في موازنتها البند الخاص بالحماية الاجتماعية، لأن هناك سياسات قد تزيد من الإضرار بالقدرة الشرائية للسودانيين، ما يقوي التوقعات بأنها ستكون كالموازنات السابقة دون مراعاة لعدم الاستقرار السياسي، حتى لو أعدت وأجيزت.
وأشار إلى أن تواصل الاضطرابات السياسية والأمنية يعني توقف مؤسسات التمويل الدولية عن تقديم مساعدات وقروض للسودان، موضحاً ارتفاع التمويل بالعجز عن متوسط الأعوام الماضية، ما يعني لجوء الحكومة السودانية إلى زيادة طباعة النقود والتسبب في ارتفاع مؤشري التضخم وسعر الصرف.
والسودان يشهد اضطرابات سياسية منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد قيام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بإجراءات تضمنت حل مجلسي الوزراء والسيادة الانتقاليين وإقالة الولاة واعتقال مسؤولين، قبل التراجع عن بعض الإجراءات.
وقال فتحي: "حتى الآن لم يصدر تقرير الأداء الفعلى لمعرفة العجز بين الإيرادات والمصروفات، كما هي الحال في الموازنات العامة المخطط لها والمنفذة للدولة منذ عام 2018، ولا تزال تتسم بالضبابية والغموض وعدم الإفصاح عن تقارير الأداء إلا القليل منها".
السودان يشهد اضطرابات سياسية منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد قيام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بإجراءات تضمنت حل مجلسي الوزراء والسيادة الانتقاليين
وأشار إلى تطابق توجهات موازنة 2023 مع الموازنات السابقة للحكومة الانتقالية، ولم تعطِ أي بارقة أمل في انفراج الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان، خاصة مع عدم الاستقرار السياسي والأمني والإداري لدولاب العمل في الدولة، لذلك لا أستبعد أن تستمر سياسة الاستدانة من النظام المصرفي لتغطية عجز الموازنة، ما سيؤثر على أسواق الصرف وأسعار السلع والخدمات الأساسية، ما يعمق أزمة الاقتصاد السوداني.
ووفق جهاز الإحصاء الحكومي، بلغ التضخم السنوي في البلاد 102.6% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأوضح فتحي أن الوضع السياسي والأمني المضطرب الذي يعيشه السودان يجعلنا غير قادرين على إعطاء أي مؤشرات دقيقة للموازنة، ويقوي المؤشرات السالبة المتعلقة بعدم وجود إنتاج حقيقي وبيئة غير مشجعة للاستثمار واستشراء الفساد المالي والإداري، لافتاً إلى حاجة الحكومة الانتقالية إلى مساعدات كبرى وعاجلة من العالم.