لم يستقبل السودان أي استثمار أجنبي مباشر طوال السنوات الثلاث الأخيرة، كذلك فإن رؤوس الأموال الأجنبية القائمة بدأت بالانسحاب أو إيقاف أي تطوير لمشروعاتها.
ويأتي ذلك وسط تواصل الاضطرابات السياسية التي عصفت بمختلف القطاعات الاقتصادية.
وأعلنت وزيرة الاستثمار أحلام مهدي سبيل، نهاية الأسبوع الماضي، إجراء ترتيبات لتعديل قانون الاستثمار خلال المرحلة المقبلة لمواكبة التطورات العالمية والإقليمية، ومعالجة المشاكل الإدارية والعلاقات بين المركز والولايات، وجذب الاستثمار وإقامة المناطق الحرة الحدودية التي تربط دول الجوار الأفريقي.
وتقول إن هناك رغبة لعديد من الدول للاستثمار في السودان، ما جعل الحكومة تضع خطة حالية ترتكز على الأمن الغذائي، وخاصة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقالت إن الوزارة تعمل على إعداد وتجهيز الأراضي بجانب المشروعات الجاهزة التي يجري الإعداد لها لاستقبال المستثمرين.
ووفق مراقبين، تقطعت سبل الاستثمار الأجنبي المباشر ما بين تنازع المركز والولايات في فرض رؤاها على المستثمر وكانت النتيجة تعرض المستثمرين لازدواجية المعايير ودفع الرسوم مرتين.
وفي هذا السياق، يقول المختص في شؤون الاقتصاد إسماعيل ياسين لـ"العربي الجديد" إن نظام الحكم في السودان هو النظام الفيدرالي على 3 مستويات حتى سقوط حكومة عمر البشير، إذ استمرت الحكومة الانتقالية في ذات المسار مع إصدار قانون جديد أُجري فيه تعديل طفيف.
ويضيف: لقد عانى المستثمرون طوال فترة حكم الإنقاذ بفرض الرسوم المضاعفة والمصادرة من قبل أعوان النظام، وخلال فترة ما بعد الثورة شهد مجال الاستثمار حالات انتكاس بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي ألقى بظلاله على مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويقول ياسين إن "تنازع شركاء الحكم المدني والعسكري ظهرت نتائجه بتوقف الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث لم يتقدم أحد بمشروعات جديدة أو تطوير لمشروعات قائمة، كذلك إن حالة الجذب بين الأطراف المتنازعة، وتصريحات البعض من سياسيي قوى الحرية والتغيير ومسؤولين في السلطة تجاه المستثمرين كان لها إشارات سالبة أخافت الشركات ورجال الأعمال الأجانب، حيث بات الاستثمار في السودان ذا مخاطر عالية.
واتفق خبراء اقتصاد على ضرورة اتخاذ إجراءات عملية من أجل إعادة المستثمرين الأجانب للسودان، باعتبار أن الاستثمار يحقق أهدافاً بعيدة، أهمها إسعاف الاقتصاد المحلي قبل الغرق.
يقول المحلل الاقتصادي إبراهيم الزين لـ"العربي الجديد" إن الاستثمار الأجنبي يُعَد أحد محددات النمو الاقتصادي، وهو حاجة ملحة لاقتصاديات الدول، مشيراً إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر ليس رهين رؤوس الأموال الفائضة من دولة لأخرى فقط، بل يستهدف نقل الخبرة الفنية إلى السودان.
ولكنه يرى أن الاستثمار يحتاج إلى الاستقرار وتشريعات جديدة وبيئة قانونية جاذبة للمستثمرين. وأشار إلى أن حقبة ما بعد الثورة وطوال الفترة الانتقالية، لم تُولِ الحكومات المتعاقبة موضوع الاستثمار الأجنبي المباشر اهتماماً يذكر، بل قوضت الحكومة الانتقالية عبر بعض قراراتها الاستثمار الأجنبي الموجود.
كذلك يجد المستثمرون أنفسهم بين رحى تقاطع القوانين وعدم المرونة من بعض موظفي الدولة في الولايات، مبيناً أنه يمكن النظر إلى الاستثمارات الخليجية التي نحتت مكانها في خريطة الاستثمار بقوة الدفق الاستثماري، ما جعلها في موقع متقدم في حجم الاستثمارات الكلية بالبلاد.
وتعود آخر إحصاءات للاستثمارات الأجنبية في السودان إلى ما قبل عام 2018، لكن السنوات التالية لم تُجرَ إحصاءات نتيجة الظروف السياسية المضطربة.
يقول المحلل الاقتصادي إبراهيم الزين لـ"العربي الجديد" إن الاستثمار الأجنبي يُعَد أحد محددات النمو الاقتصادي، وهو حاجة ملحة لاقتصاديات الدول
وحسب البيانات الرسمية، تحافظ المملكة العربية السعودية على موقعها كأكبر شريك استثماري في البلاد بـ512 مشروعاً، مقارنة بالاستثمارات التركية بـ278 مشروعاً، بينما مصر 235 مشروعاً، والأردن 222 مشروعاً.
وتأتي الصين بعد ذلك بـ182 مشروعاً، ولبنان بـ134 مشروعاً، والإمارات بـ115 مشروعاً، وقطر بـ28 مشروعاً.
وإجمالي تلك الاستثمارات وصلت قيمتها إلى أكثر من 67 مليار دولار، وزادت نسبة العمالة الوطنية فيها لتصل إلى 923 ألف عامل.
لكن واقع الحال يشير إلى أن بعض المشروعات واجهت ظروفاً صعبة وحملات تشكيك من قبل البعض، ما دفع بعض المستثمرين إلى إيقاف مشروعاتهم أو سحب بعضها من العمل بالسودان.
ويؤكد الاقتصادي السوداني بابكر محمد عبد الله لـ"العربي الجديد" أن مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر تعاني من مشاكل الطاقة وضعف البنية التحتية.
لكن المشكلة الأخطر التي واجهت المستثمرين تعطُّل موانئ السودان والبيروقراطية في المعاملات، فعندما يرغب مستثمر في استيراد معداته ومدخلات إنتاجه أو تصدير منتجاته، فإن تأخر الإجراءات وتعسر المناولة التي تتأخر لشهور قوضت مكانة السودان في جذب الاستثمارات، حسب عبد الله.