ساهمت الجائحة الصحية في توسيع حضور القطاع غير الرسمي بالاقتصاد المغربي، إذ توقع مراقبون أن يلوذ به العديد من الذين فقدوا فرص عمله بسبب تراجع الأنشطة الاقتصادية أو التسريحات، ما دفع إلى التشديد على ضرورة تبني تدابير تحفيزية لدفع الفاعلين للعمل في القطاع الرسمي.
ولم يخف مستثمرون قلقهم من أن يضر اتساع دائرة الاقتصاد غير الرسمي (السوق السوداء)، بتنافسية الشركات، فيما ترى اتحادات عمالية أنه يمنع حماية الأجراء.
هذا ما تجلى من تقرير لجنة النموذج التنموي، الذي وضع تصورا للتوجه الذي يجب أن يسير عليه المغرب في أفق 2035، حيث حث على ضرورة تطوير الاقتصاد من اقتصاد يتسم بقيمة مضافة ضعيفة وإنتاجية منخفضة مع أنشطة ريعية ومحمية إلى اقتصاد يتميز بتعدد الأنشطة والتنافسية، مشددة على ضرورة أن يكون التحول الاقتصادي مصدرا لنمو أكبر وقادر على خلق مناصب شغل ذات جودة.
ويعد القطاع غير الرسمي ضمن الأولويات التي يفترض التعاطي معها من أجل إحداث التحول الاقتصادي، خاصة أن المؤسسات المحلية والدولية، لم تكف عن محاولة الإحاطة بحجمه في الاقتصاد الوطني، علما أن من الخبراء من توقعوا توسعه في ظل الجائحة، حيث سيشكل ملاذ عاطلين فقدوا فرص عملهم بسبب الجائحة.
وقدر صندوق النقد الدولي حصة الاقتصاد غير الرسمي بنسبة 34 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي في الفترة بين 1991 و2015، وهي نسبة تقترب من تلك التي انتهى إليه البنك المركزي في آخر دراسة، حيث تحدث عن نسبة تتجاوز 30 في المائة.
وإذا كان بنك المغرب " البنك المركزي" يحدد حجم القطاع غير الرسمي في ذلك المستوى، فإنه يبدو أقل مما كان عليه في الثلاثة عقود الأخيرة حين كان في حدود 40 في المائة بين 1988 و1998، و34 في المائة بين 2009 و2018، قبل أن يتراجع حاليا إلي حوالي 30 في المائة.
ووفق تقديرات رسمية فإن حجم القطاع غير الرسمي يبقي في المغرب بمستوى أعلى من بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي يصل فيها إلى 17.2 في المائة، والبلدان العربية وشمال أفريقيا التي يقدر فيها بـ25 في المائة.
وخلص الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يمثل مصالح رجال الأعمال، في دراسة له إلى أن القطاع غير الرسمي يمثل 20 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي، ما يمثل 17 مليار دولار في العام وحوالي 3 مليارات دولار من الإيرادات التي لا تحصلها الإدارة الجبائية.
ويجذب القطاع غير الرسمي أشخاصا لم يكن لهم حظ كبير في التعليم، حيث إن ثلثي الذين ينشطون فيه مروا من التعليم الأولى والابتدائي، و28.4 في المائة منهم عبروا التعليم الثانوي و3.3 في المائة التعليم العالي، حسب المندوبية السامية للتخطيط.
وذهبت دراسة الاتحاد العام للمقاولات إلى أن التجارة، تمثل 31.76 في المائة ضمن الاقتصاد غير الرسمي، متبوعة بقطاعات الفندقة والمطاعم والخدمات الشخصية بنسبة 16.47 في المائة، ثم أنشطة الصناعة والصناعة التقليدية، تمثل 14 في المائة، فالبناء والأشغال العمومية بنسبة 12.94 في المائة وباقي النسب لقطاعات أخرى الأخرى.
وتقدر المنظمة الدولية للعمل فرص العمل في القطاع غير الرسمي بنسبة 80 في المائة من مجمل فرص العمل في المغرب، وهو ما يؤكده الخبير في القطاع المهيكل، محمد الهاكش، في حديثه لـ"العربي الجديد".
وأكد الهاكش أن الأزمة الصحية، كشفت عن ارتهان فئات عريضة للاقتصاد غير المهيكل، حيث اضطرت الدولة لتقديم مساعدات لحوالي 5.5 ملايين أسرة، من بينها تلك التي ترتهن للقطاع غير المهيكل.
ويرى الهاكش، أن القطاع غير الرسمي ينعكس على فرض العمل التي تتسم بالهشاشة، وعدم استقرار العمال في مناصبهم، ناهيك عن ضعف مساهمة الفاعلين في القطاع غير الرسمي في المجهود الجبائي للدولة، وعدم توفير الحماية الاجتماعية للعاملين في ذلك القطاع، وهو ما يفسر لجوء الدولة إلى بلورة مشروع لتعميم الحماية الاجتماعية لفائدة 22 مليون شخص.
وتذهب المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، إلى أن الضريبة على القيمة المضافة تساهم في التأثير على القطاع غير الرسمي، حيث إن الشركات العاملة في ذلك القطاع تعمل دون فاتورة وتتجنب سداد الضريبة على القيمة المضافة، في الوقت نفسه، الذي ترى المندوبية فيه أن تكاليف الأجور تدفع الشركات الصغيرة إلى التخفف من العاملين الذين يتحولون إلى القطاع غير المهيكل.
ويتصور الاقتصادي علي بوطيبة، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن النظام الجبائي يساهم في لجوء العديدين للقطاع الرسمي، حيث إن الضغط الجبائي مرتفع عبر الضريبة على الشركات، ما يستدعي في تصوره مراعاة ذلك النظام لخصوصيات بعض المهن، حيث لا يمكن معاملة فاعلين اقتصاديين في ذات إمكانيات اقتصادية متواضعة كما تعامل مناطق تحتضن مدنا اقتصادية بامتياز مثل الدار البيضاء وطنجة.
ويؤكد الباحث طارق بوتقي، لـ"العربي الجديد" أن معالجة المشاكل المرتبطة بالقطاع غير الرسمي، تكمن في توسيع مساحة تطبيق القانون، التي تبدأ بالعمل على إخضاع الفاعلين فيه تدريجيا للضريبة.
غير أن بوتقي يتصور أن ذلك يجب أن يحدث في ظل إصلاحات جبائية تقوم على الإنصاف، مع أخذ بعين الاعتبار الدور الاجتماعي للقطاع عبر التمييز بين الأنشطة التي تنطوي على خرق القانون وتضر بالاقتصاد، وتلك التي تكتسي طابعا معاشيا بالنسبة للسواد الأعظم من الفاعلين في القطاع غير الرسمي.