السوق الموازية في الجزائر: أرق حكومي وحلول بتغيير العملة وإلغاء الأصفار

23 نوفمبر 2024
 في أحد أسواق الجزائر، 5 يناير 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- حاولت السلطات الجزائرية معالجة مشكلة السوق الموازية، التي تمثل 30%-40% من النشاط الاقتصادي، عبر استراتيجيات مثل القرض السندي والنوافذ الإسلامية، لكنها لم تنجح في جذب الأموال للقنوات الرسمية.
- تغيير العملة أو إلغاء الأصفار لن يحل المشكلة الأساسية للسوق الموازية، وقد يسبب هلعًا ماليًا دون تحسين فعلي في الاقتصاد، كما أن تعميم الدفع الإلكتروني فشل بسبب مقاومة التجار للشفافية والضرائب.
- تروج إشاعات حول تغيير العملة لرفع سعر الصرف في السوق السوداء، لكن هذه الإجراءات مكلفة ولا تضمن القضاء على السوق الموازية.

سعت السلطات الجزائرية على مدار العشرين سنة الماضية لامتصاص الأموال المتداولة في السوق الموازية، تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب، كونها تؤرق السلطات العمومية وتؤثر على المنظومة المالية والاقتصادية، فضلا عن التداعيات ذات العلاقة بالأمن ومحاربة ممارسات التهريب.

لا توجد إحصائيات دقيقة حول حجم الأموال المتداولة في السوق السوداء باعتبارها تمثل نشاطات غير رسمية، إلّا أنّها تتراوح حسب تقديرات الخبراء بين 30% و40% من إجمالي النشاط الاقتصادي في الجزائر. واعتمدت الجزائر منذ 2009 على تحفيز أرباب الأموال على ضخها في البنوك، بالاعتماد على القرض السندي والتصريح الطوعي، متغاضية عن مساءلة المعنيين عن مصادر الأموال، وصولا إلى إطلاق النوافذ الإسلامية بالبنوك العمومية تحقيقاً للهدف الذي أطلقت عليه الحكومة الجزائرية الشمول المالي (استرجاع أموال القنوات غير الرسمية).

قال الخبير الاقتصادي والمالي، عبد الرحمن عية، إنّه بالنسبة لحالة الجزائر فإنّ الوضعية صعبة من الناحية العملية للذهاب مباشرة نحو تغيير العملة، وأشار إلى أن السلطات العمومية تعتمد حاليا على طرق بديلة لاستقطاب وامتصاص الأموال المتداولة في السوق الموازية، من خلال اللجوء إلى تغيير الأوراق النقدية واستبدال القديمة منها في كل مرة، غير أنّ هذا الأسلوب حسب ـ الدكتور عية ـ لم يكن له الأثر في تحقيق الأهداف المرجوة.

أما في حالة "الاستنجاد" بالحل الجذري عبر تغيير العملة، فقد أوضح عية لـ"العربي الجديد":"هذا الأسلوب لا يخلو من تبعات سلبية، أولاها التسبب في ما يُعرف بالهلع المالي لدى المواطنين، من جراء مخاوف ضياع أموالهم القديمة"، بينما ذهب إلى الاعتقاد أنّ المنظومة المالية الجزائرية في الوقت الراهن لا تملك القدرات الضرورية لتجاوز هذه المرحلة بالسلاسة المطلوبة.

حلول للسيطرة على السوق الموازية 

وأسقط الخبير الاقتصادي نفس القراءة على مساعي السلطات المتعلقة بإلغاء الأصفار من العملة الجزائرية، بحكم أن عملية كهذه لن تؤثر من الناحية الفعلية في تحسين قيمة الدينار الجزائري أو رفع قيمته الشرائية، ولن تحقق نتائج إيجابية للاقتصاد والمنظومة المالية على السواء، باستثناء ما يرتبط بالأهداف ذات البعد التسويقي للعملة المحلية خلال معاملات الصرف مع باقي العملات الأجنبية.

وفي سياق إشارته إلى وجود نوع من المقاومة لمثل هذه الإجراءات، ذكر المتحدث أنّ عملية تعميم استعمال الدفع الإلكتروني لم تنجح في ظل استفحال المعاملات الموازية، وخوف التجار النظاميين من الشفافية والتعامل بالفواتير، والتي تفرض تحمّلهم جزءاً من الأعباء الجبائية. أما الخبير المالي أحمد حيدوسي فرأى أنّ التوجّه نحو تغيير العملة وإلغاء الأصفار يحقق أهدافاً غير مباشرة، على غرار امتصاص الكتلة النقدية المتداولة في السوق السوداء، والمساهمة أيضا في القضاء على الأموال المزورة المتداولة في السوق، فضلا عن التقليص من استفحال التداولات في السوق الموازية، ومن ثم تحقيق الأهداف المرتبطة بما يُعرف بالشمول المالي، والذي تعتبره الحكومة الجزائرية بمثابة أحد الأهداف الأساسية على مستوى المنظومة المالية الجزائرية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وفي المقابل، لم يستبعد الخبير حيدوسي، في تصريحه لـ"العربي الجديد" أن تكون لتجار العملة في السوق الموازية يد في إطلاق مثل هذا النوع من الإشاعات، بحكم أنّ هذه الأخبار لم تؤكد من طرف الجهات الرسمية، وبرّر ذلك بمساعٍ لرفع سعر صرف العملة الصعبة في التعاملات غير الرسمية، إذ عادة ما تُعتبر الملاذ الأول بالنسبة لأصحاب الأموال، وهو ما يفسر حسبه ارتفاع سعر العملة الصعبة في السوق الموازية، خلال الفترة الأخيرة، والتي تضاف إلى الأسباب الأخرى المعروفة والمرتبطة بارتفاع الطلب على العملة.

وأشار في سياق متصل، إلى ارتفاع تكاليف مثل هذا النوع من الإجراءات التي تتطلب تغييرا جذريا للعملة الوطنية، على الرغم من أنه ذكر أن السلطات العمومية تقوم بطباعة النقود دوريا في إطار استبدال الأوراق النقدية التالفة والمهترئة. ووافق دكتور الاقتصاد سليمان ناصر فرضية "الإشاعة" والتي أدت حسبه إلى ارتفاع كبير في سعر الصرف للعملة الصعبة في السوق السوداء، خاصة بالنسبة للدولار واليورو، فيما أضاف أنّ العملية التي تُعرف في المصطلحات الاقتصادية بـ"تصفير العملة" عادة ما تلجأ إليها البلدان التي تعاني من تضخم كبير، وانخفاض في قيمة عملتها المحلية، وقال إنّها عملية معنوية بالدرجة الأولى ولا تؤثر على الواقع الاقتصادي أو النقدي.

ورأى الدكتور ناصر أنّ "إجبار" المواطنين على ضخ أموالهم في القنوات الرسمية بهذه الطريقة لا يقضي على أصل إشكالية السوق الموازية واستفحال المعاملات غير الرسمية في الجزائر، فسرعان ما تجد الحكومة نفسها أمام نفس الوضعية مجددا، لعدم اقتناع أصحاب الأموال بجدوى ضخ أموالهم في البنوك، وبالتالي ضياع النفقات الموجهة لتغطية تكاليف سحب الأوراق النقدية القديمة وطباعتها ما يوازيها من العملة.

المساهمون