الصراع يفكك شركات اليمن... وتجار التجزئة يربحون

09 فبراير 2021
الصراع فرض أنماطاً اقتصادية واستهلاكية جديدة في اليمن (فرانس برس)
+ الخط -

أضحت تجارة التجزئة اللاعب الرئيسي في قطاع الأعمال باليمن، بعدما شهدت العديد من المؤسسات والشركات الكبرى انحساراً في ظل تعدد الجبايات بسبب الحرب.

ويغلب على أنشطة القطاع الخاص الطابع الخدمي، حيث تصل نسبة المنشآت الخدمية إلى 89.5%، مقابل 10.5% للمنشآت الإنتاجية، والتي تضم أنشطة الزراعة والصيد والصناعات التحويلية والاستخراجية والكهرباء.

ويكشف تقرير حديث صادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية (حكومي)، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، عن استحواذ قطاع تجارة التجزئة على 40% من إجمالي منشآت الأعمال، تليها المنشآت الأخرى، مثل الخياطة والملابس وغيرها بنحو 11.8%، ثم الصحية 10.8%، وتجارة الجملة بنحو 8.9%، والتعليم 5.9%، فيما تبلغ نسبة قطاع الصناعات التحويلية حوالي 5.8%، وخدمات الأعمال 4.4%.

ويرجع تركز الأنشطة الخاصة في القطاعات الخدمية إلى كون أغلبها منشآت صغيرة جداً وبنسبة تصل إلى 80% من إجمالي المنشآت الخاصة.

وعلى أساس المناطق، تتركز المنشآت المتوسطة والكبيرة في العاصمة صنعاء بنحو 41%، تليها محافظة عدن 22%، وحضرموت 18%، ثم محافظة تعز 8%، وهو ما يشير إلى استحواذ المحافظات الأربع على نحو 81% من إجمالي المنشآت المتوسطة والكبيرة العاملة في اليمن.

ويؤكد قطاع الأعمال الخاص في اليمن تكبده خسائر اقتصادية كبيرة جراء الصراع الدائر في البلاد، وما رافق ذلك من قيود مفروضة على حركة الأفراد والتجارة وتحويل الأموال نظرًا لكبر مساهمته في مجمل الأنشطة الاقتصادية.

أحمد حسن الطيار، مسؤول الاتصال والإعلام في غرفة أمانة العاصمة صنعاء التجارية والصناعية، يقول إنه "رغم الأضرار والخسائر، إلا أن القطاع الخاص لم يتخلَّ عن واجبه في تعزيز الصمود الاقتصادي والاجتماعي والإنساني في جميع المناطق اليمنية، إلى جانب توفير السلع والخدمات في ظروف صعبة وقاسية، وهو ما كان له دور كبير في تقليل فجوة الأمن الغذائي في البلاد".

ويشير الطيار، في حديثة لـ"العربي الجديد"، إلى خطورة الازدواج الضريبي والجمركي، الذي تسبب في تفكك الشركات والمؤسسات التجارية وإقدام الكثير منها على بيع أصولها وإفلاس عدد من التجار ورجال الأعمال، الذين لا يحصلون على بضائعهم وسلعهم بعد وصولها إلى المنافذ اليمنية إلا بعد عدة أشهر ودفع مبالغ طائلة كإتاوات لأطراف متعددة.

وتسبب تراجع دخل اليمنيين وتجزئة عمليات تداول السلع في تغير السوق، إذ أصبح التركيز على تداول السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية الضرورية، التي غدت عمليات الحصول عليها تتم عن طريق التجزئة، فبدلاً من شراء كيس سكر (50 كيلوغراماً) أصبح يشترى بالكيلوغرام الواحد، وهو ما يقاس كذلك على بقية السلع الأساسية.

هذا الأمر دفع العديد من المؤسسات والشركات، خصوصا الكبيرة والمتوسطة، إلى مغادرة اليمن والهجرة إلى الخارج، إذ يؤدي استمرار الصراع والحرب وبطء مسار التسوية السياسية إلى مفاقمة أوضاع هذه القطاعات ونزوح المزيد من الأعمال والاستثمارات المحلية إلى الخارج، وفق التقرير الحكومي.

وتشير بعض التقديرات التي ذكرها تقرير قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية، إلى أن الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بالقطاع الخاص، خصوصاً في السنوات الثلاث الأولى من الحرب، جراء توقف النشاط الاقتصادي للقطاع بصورة كلية أو جزئية في منشآته، تراوح بين 25 و27 مليار دولار.

على المستوى القطاعي، تبين أن قطاع تجارة الجملة والمطاعم والفنادق كان له النصيب الأكبر من تلك الخسائر وبنسبة تصل إلى نحو 18%، يليه قطاع النقل والتخزين والاتصالات بنسبة 16%، ثم قطاع البناء والتشييد 11.5%، والتمويل والتأمين والعقارات بحوالي 9.6%، والزراعة والصيد 9%، ثم الصناعة التحويلية 8%.

ومثلث العقبات الأمنية والمالية والتقلبات في أسعار الصرف وتدهور قيمة العملة المحلية وزيادة كلفة المدخلات والفاقد في الطلب وفقدان قاعدة المستهلكين أبرز أسباب الخسائر التي لحقت بمنشاّت القطاع الخاص وانكماش نشاط الكثير من شركاته ومؤسساته.

وساهم الصراع والحرب في قيام العديد من الشركات بتقليص أيام وساعات العمل لديها أو قيامها بتسريح جزء كبير من العمالة لديها، بالأخص في السنوات الأولى للحرب، حيث انخفض حجم المشتغلين في قطاع الزراعة بما يقارب 50%، وقطاع الخدمات بنسبة 8%.

وتشمل الأضرار والخسائر التي لحقت بالقطاع الخاص تدمير البنى التحتية الأساسية في أجزاء واسعة من البلاد، بما في ذلك الطرق والجسور والمنافذ البرية والبحرية والجوية، إضافة إلى زيادة الأعباء المالية المفروضة وازدواجيتها، مثل الضرائب والجمارك، فضلا عن الرسوم والمدفوعات والإتاوات غير القانونية التي يدفعها القطاع الخاص عند عبور السلع والشاحنات بين المدن اليمنية.

وتخلت الدولة في اليمن عن دورها في توفير بعض الخدمات الرئيسية التي كانت مناطة بها، وهو ما جعل القطاع الخاص يقوم بهذا الدور في توفير خدمات رئيسية، مثل الطاقة الكهربائية، إضافة إلى الدور الذي لعبه في تقديم العديد من الخدمات الاجتماعية والمساعدات الإنسانية والصحية والإغاثية.

ويؤكد الباحث الاقتصادي منير القواس، لـ"العربي الجديد"، أن الحرب فرضت تغييرا جذريا في بيئة ممارسة الأعمال، وهو ما يتطلب تكيف القطاع الخاص مع التغييرات الطارئة، لا سيما المنشآت الصغيرة، التي أضحت المهيمنة على القطاع الخاص.

ويرى القواس أن هناك مجموعة من العوامل أصبح لزاما على التجار ورجال الأعمال والمستثمرين اتباعها قبل القيام بأعمال في أي محافظة، مثل معرفة حجم اقتصاد المحافظة والبنية التحتية والموارد البشرية والموقع الجغرافي وحجم الأضرار التي تعرضت لها بسبب الحرب والصراع.

ويضيف أنه في ظل هذه الصعوبات والأضرار والخسائر والحرب، لا تزال هناك دورة أموال مزدهرة تدور في قطاع الأعمال اليمني بالنظر إلى طابعه التجاري الربحي منذ سنوات ومحدودية توجهاته الاستثمارية في المشاريع الكبيرة سوى بنسبة بسيطة للغاية.

المساهمون