فيما تتنامى مباعث القلق حول الاستقرار في أفغانستان مع شروع القوات الأجنبية بالانسحاب نهائياً منها، وسيطرة حركة طالبان على مساحات شاسعة من البلاد، يواجه الاقتصاد الوطني عموماً والقطاع الصناعي خصوصاً تحديات مصيرية، من أبرزها نقص إمدادات الطاقة، وتحديداً الكهرباء، والتهديدات الأمنية من عمليات قتل واختطاف واغتصاب أراضي القطاع الصناعي بإشراف أمراء الحرب الذين يمتلكون أسباب القوة، مستفيدين من دعم الدولة لهم بالسلاح مقابل مؤازرتها في الميدان.
يأتي ذلك في الوقت الذي تأثرت سلباً إلى حدّ كبير واردات البضائع إليها من دول الجوار، بسبب الأوضاع الأمنية وسيطرة طالبان على العديد من المعابر مع دول آسيا الوسطى خاصة بالاستيراد من الخارج.
وكانت الصناعة قد تحسنت بسبب اهتمام الحكومة بها في السنوات الأخيرة، قبل أن يتباطأ النشاط في الآونة الأخيرة نتيجة تدهور الأحوال الأمنية وما تسبب به من ويلات، في موازاة اختلال حركة الاستيراد ليس فقط بسبب تردّي الظروف الأمنية وفقدان الدولة السيطرة على المعابر، بل أتت تداعيات جائحة كورونا لتصبّ الزيت على النار، وتضرب النشاط الاقتصادي عموماً.
التداعيات على الإنتاج الوطني كانت محور مؤتمر صحافي قبل أيام، عقدته "رابطة أصحاب المصانع" في كابول، وأكدت خلاله أنّ نقص إمدادات الطاقة والكهرباء أعاق أعمال 580 مصنعاً تناهز خسارتها اليومية 40 مليون أفغاني، (الدولار=81.70 أفغانياً).
وصرح رئيس الرابطة، عبد الجبار صافي، حينها، بأنّه منذ شهرين تفاقمت أزمة الكهرباء، وبسببها يخسر أصحاب المصانع مئات الملايين، منتقداً ما اعتبرها "لا مبالاة الحكومة والجهات المعنية" فيما قال نائبه، نجيب الله صدّيقي، إنّ الأوضاع إذا استمرت على ما هي عليه فسوف يخسر 45 ألف شخص أعمالهم، وإنّ 580 مصنعاً تنتج احتياجات الأفغان اليومية ستغلق أبوابها، في ظاهرة تشكل ضربة قوية للاقتصاد الهش أصلاً، لاعتماده على ما يستورده من بضائع ومواد أولية.
صابر الله، صاحب مصنع أنابيب بلاستيكية في العاصمة، أوضح لـ"العربي الجديد" أنّ المعضلة تكمن في أزمة الطاقة التي أنتجت مشاكل خطرة، إذ في السابق كانت الحكومة توفر الكهرباء على مدى 18 ساعة من أصل 24 ساعة، في حين أصبحت الفوضى تعم فلا يعرف أصحاب المصانع برنامجاً واضحاً للتقنين، وهكذا تُقطع الكهرباء فجأة وتأتي فجأة أيضاً لساعات قليلة فقط، مطالباً الحكومة بأن تولي اهتماماً بهذا القطاع الحيوي الضروري لمستقبل أفغانستان وإنتاجيتها.
وللجهات الرسمية تعليقها. فنائب رئيس إدارة الكهرباء، ننغيالي مياخيل، قال لـ"العربي الجديد" إنّ الأزمة موجودة في كلّ البلاد ويعاني منها جميع الأطياف والمناطق، فيما تسعى الحكومة جاهدة لحلها، مشيراً إلى أنّ أعمدة الكهرباء المستوردة من دول آسيا الوسطى يفجرها مسلحون بين الحين والآخر، ما يؤدي إلى انقطاع التيار، بينما التغذية الداخلية لا يمكن تحويلها إلى المصانع لأنّها محدودة، بل تُحوَّل إلى المستشفيات وبعض المنشآت الحكومية المهمة.
لكنّه أكد، في الوقت نفسه، أنّ الإدارة تسعى جاهدة لتوفير الطاقة لقطاع الصناعة لمدة أطول. وإضافة إلى مشكلة الكهرباء، باتت التهديدات الأمنية، خصوصاً عمليات القتل والخطف، من أهم المشاكل التي يعاني منها أصحاب المصانع في أفغانستان، لأنّها تستهدف أساساً رجال الأعمال من تجار وأصحاب أموال، علماً أنّها ليست ظاهرة جديدة، بل لها تاريخ طويل في هذا البلد، لكنّ وتيرتها أخذت بالارتفاع خلال الفترة الأخيرة، ما دفع بكثير من أصحاب الرساميل إلى الهروب نحو الخارج.
في هذا الشأن، قال التاجر الأفغاني، عبد الهادي سلطان زاي، وهو صاحب مصنع للأواني البلاستيكية في كابول، لـ"العربي الجديد" إنّ عمليات الخطف والتهديد بقتل التجار وأصحاب الأموال أصبحت من أهم المشاكل التي تضرب القطاعات التجارية والصناعية، ملاحظاً أنّ الأخطر من ذلك هو أنّ العمليات مستمرة في غياب أيّ نوع من الجهود الرسمية للتصدّي لها.
وأشار إلى أنّ الوضع يسير نحو الأسوأ بشكل عام مع خروج القوات الأجنبية، مؤكداً أنّ كلّ من يستطيع الخروج مع أمواله لا يتردد حالياً في فعل ذلك، وهذا يشكل ضربة قوية لاقتصاد أفغانستان المتدهور أصلاً.
إضافة إلى كلّ ما سبق، ثمة معضلة أخرى في وجه قطاع الصناعة تتمثل في اغتصاب أمراء الحرب وأصحاب القوة والسطوة، الكثير من الأراضي في الأحياء والمناطق الصناعية في شرق أفغانستان، في حين أنّ الحكومة وبالرغم من تكرار وعودها، لم تحرك ساكناً لمكافحة هذه الانتهاكات، وهو ما يرى فيه سلطان زاي "وجهاً من وجوه الفساد الحكومي" الذي يُعزّز حضور أمراء الحرب الذين أصبحت الأجهزة الحكومية عاجزة عن لجمهم حالياً، مع أنّ الشبهات تحوم حولهم هم أنفسهم أيضاً في التخطيط لعمليات خطف المتموّلين والمطالبة بفدية مقابل إطلاق سراحهم، بمن فيهم أصحاب المصانع والمستثمرون في القطاعات الإنتاجية.