تعدّ الصين من كبار الرابحين من الحرب الروسية في أوكرانيا بسبب الأرباح التجارية الضخمة التي تجنيها من تجارة الطاقة والمعادن. وحسب تقرير ياباني، فإن الشركات وتجار الطاقة بالصين جنوا مليارات الدولارات من إعادة بيع شحنات الغاز المسال إلى أوروبا خلال العام الجاري.
واستفادت الشركات الصينية في حصد هذه الأرباح من حجزها المبكر لشحنات الغاز المسال وناقلاته ومن الفارق السعري للغاز المسال بين أوروبا وآسيا التي وصلت إلى أكثر من 10 دولارات لمليون وحدة حرارة بريطانية.
وبينما يبلغ سعر الغاز الطبيعي في الأسواق الآسيوية حالياً نحو 45 دولاراً لمليون وحدة حرارة بريطانية، فإن سعرها يراوح بين 57 و60 دولاراً في السوق الأوروبية.
رغم أن أوروبا تدفع ثمناً مالياً باهظاً لمناصرتها أوكرانيا بعد العقوبات التي فرضتها على الطاقة الروسية، إلا أنها ربما ستتمكن من تلبية احتياجاتها من الغاز خلال الشتاء
ورغم أن أوروبا تدفع ثمناً مالياً باهظاً لمناصرتها أوكرانيا بعد العقوبات التي فرضتها على الطاقة الروسية، إلا أنها في النهاية ربما ستتمكن من تلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي خلال الشتاء المقبل.
وكانت ألمانيا قد أعلنت، يوم الثلاثاء، أنها شارفت على ملء خزانات الغاز الطبيعي بنسبة 85%، وهي نسبة أعلى من النسبة المستهدفة من قبل مفوضية الطاقة الأوروبية والبالغة 80% بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني.
ورغم العلاقات القوية بين بكين وموسكو المناهضة للقوى الغربية، فإن تجار الغاز المسال الصينيون يغلبون المصالح التجارية والأرباح الضخمة التي يحصلون عليها من إعادة بيع الغاز إلى أوروبا على العلاقات السياسية بين بلدهم وروسيا.
وحسب بيانات نشرتها نشرة نيكاي رفيو اليابانية، فإن عدة شركات صينية أعادت بيع شحنات من الغاز المسال إلى أوروبا.
في هذا الشأن، كشفت مجموعة "جوفو" الصينية أنها أعادت بيع شحنات غاز مسال إلى أوروبا في صفقة ربما تكون قد ربحت منها نحو 100 مليون دولار. كما كشفت شركة صاينوبيك الصينية العملاقة، من جانبها، عن إعادة بيع نحو 45 شحنة من الغاز المسال تقدر كميتها بنحو 3.15 ملايين طن.
ويقدر محللون بنشرة "نيكاي ريفيو" حجم شحنات الغاز المسال التي تمت إعادة تصديرها بواسطة الشركات الصينية إلى أوروبا بنحو 4 ملايين طن من الغاز المسال خلال النصف الأول من العام الجاري أو ما يعادل 7.0% من إجمالي واردات الكتلة الأوروبية من الغاز المسال في النصف الأول من العام.
من جانبها، تقول شركة كيبلر الأميركية المتخصصة في أبحاث الطاقة، إن واردات أوروبا من الغاز المسال ارتفعت بنسبة 60% خلال النصف الأول من العام الجاري مقارنة بما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي.
وتشير بيانات كيبلر إلى أن الكتلة الأوروبية استوردت نحو 53 مليون طن من الغاز المسال خلال النصف الأول من العام الجاري. ويرى خبراء أن شحنات الغاز المسال التي أعيد تصديرها إلى أوروبا كان لها دور كبير في رفع معدل تخزين الغاز الطبيعي بخزانات الغاز الأوروبية إلى نسبة 77% خلال الشهر الماضي.
ويرى محللون أنه في حال تواصل إعادة شحن الغاز المسال إلى أوروبا من الشركات الصينية فإن الخزانات الأرضية الأوروبية في أوروبا ستبلغ نسبة 80%، وهي النسبة المستهدفة من قبل أوروبا بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني.
لكن من المستبعد أن تتواصل هذه الشحنات الصينية إلى أوروبا بسبب الغضب الذي تحدثه في موسكو. وتنظر الحكومة الروسية إلى هذه الشحنات كعمليات "تخريب مباشر" لاستراتيجية الغاز التي تستخدمها لكسر الصمود الأوروبي في وجه الغزو الروسي لأوكرانيا وإفشال العقوبات الاقتصادية الغربية عليها.
وتستهدف روسيا استخدام الغاز الذي يهدد أوروبا في الشتاء كسلاح لزعزعة القرار الأوروبي وربما القضاء على تماسك وحدة القرار الأوروبي في المستقبل وإشعال نار ثورات شعبية بسبب الفواتير الضخمة التي يدفعها المواطنون للكهرباء والتدفئة. وكانت شركة غاز بروم الروسية قد خفضت توريد الغاز الطبيعي إلى اوروبا عبر خط "نورد ستريم 1" إلى نسبة 20% فقط منذ أكثر من أسبوع، ومن غير المستبعد أن تتوقف إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا تماماً خلال الشهور المقبلة.
ولكن لماذا تمد الشركات الصينية أوروبا بالغاز الطبيعي بينما تتحالف حكومتها مع موسكو؟
يرى محللون أنّ هنالك أربعة عوامل رئيسية دفعت الشركات الصينية إلى إعادة تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا والمساهمة بشكل غير مقصود في فك حصار الطاقة الروسي عليها.
وهذه العوامل هي، أولاً: الطمع في الأرباح الضخمة التي تحققها من فارق السعر الكبير بين أسواق آسيا وأوروبا والبالغ أكثر من 10 دولارات لوحدة الغاز الطبيعي. ويلاحظ أنّ شركات الطاقة الصينية أعلنت في بياناتها التي نشرتها يوم الثلاثاء تحقيق أرباح قياسية في النصف الأول من العام الجاري. وهذه الأرباح تحققت بسبب بيع المشتقات النفطية الرخيصة التي تحصل عليها من موسكو وإعادة بيع شحنات الغاز المسال إلى أوروبا.
أما العامل الثاني، فهو التباطؤ الذي ضرب الاقتصاد الصيني في النصف الأول من العام الجاري، حيث تراجع النمو الحقيقي للناتج المحلي الصيني بنسبة 2.5% في النصف الأول من العام الجاري بسبب جائحة كورونا وما تلاها من القرارات الحكومية بإغلاق النشاط الاقتصادي في مناطق حيوية مثل مقاطعة شنغهاي.
وحسب محللة الطاقة بمعهد ماريو بيني الياباني للأبحاث زوليان لي، فإن إغلاقات الاقتصاد الصيني في النصف الأول من العام ضربت الطلب على الغاز الطبيعي في الصين. ولا تتوقع زوليان لي أن يتواصل تصدير الغاز الصيني إلى أوروبا خلال الشهور المقبلة.
أما العامل الثالث الذي دفع الشركات الصينية إلى مد أوروبا بالغاز فهو أن الحكومة الصينية كانت تستهدف إنعاش الصادرات في النصف الأول من العام بسبب الكساد المحلي. ولكن في أعقاب التوتر السياسي مع واشنطن بشأن تايوان بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في الشهر الماضي، فإن بكين باتت تركز على "أمن الطاقة" أكثر من تركيزها على المخاطر البيئية. وبالتالي طلبت من الشركات الصينية زيادة وارداتها ومخزوناتها من الطاقة.
ويرى محللون يابانيون أن ما يشغل بال القيادة الصينية في الوقت الراهن هو تأمين احتياجاتها المستقبلية من النفط والغاز الطبيعي أكثر من القضايا الأخرى، وذلك خوفاً من حدوث مواجهة بينها وبين الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي.
أما العامل الرابع فهو زيادة استخدامات الفحم الحجري في بعض المقاطعات الصينية دون الاكتراث بالعواقب البيئية خلال العام الجاري، وهو ما دفع الشركات إلى الشعور بأنها لن تواجه مقاومة حكومية لإعادة تصدير الغاز وتحقيق الأرباح من فرصة الحرب الروسية في أوكرانيا.
وحسب نشرة نيكاي رفيو، فإنّ مقاطعة شانزي الصينية المشهورة بإنتاج الفحم الحجري رفعت إنتاجها بنحو 100 مليون طن متري من الفحم الحجري إلى 1.3 مليار طن متري وتخطط لزيادة الإنتاج بنحو 50 مليون طن متري في العام المقبل.