- الحرب تؤثر سلبًا على الاقتصاد المصري، مما يدفع الحكومة لبيع أصول لتأمين قروض، وتؤثر على دول الجوار مثل الأردن ولبنان، مع تأكيد على أن شدة الحرب ستحدد عمق الأزمة.
- ينتقد التقرير الحكومة المصرية لاعتمادها على مصادر دخل محدودة وتأثرها بالحرب، مطالبًا بإصلاحات جذرية وتغيير السياسات لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
حذر تقرير أممي من الخسائر الفادحة التي يتحملها اقتصاد مصر جراء العدوان الإسرائيلي على غزة. أوضح تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول "الآثار الاجتماعية والاقتصادية المحتملة لحرب غزة على مصر"، أن العدوان الإسرائيلي يسبب خسائر تصل إلى نحو 20 مليار دولار، ويزيد من هشاشة الاقتصاد، ويدفع إلى زيادة الفقر، لصعود الأسعار والتضخم ومعدلات البطالة، وعدد المهاجرين المحتمل دخولهم البلاد خلال الفترة المقبلة.
جاء التقرير الصادر هذا الأسبوع متزامنا مع العمليات العسكرية الوحشية الإسرائيلية، لطرد الغزيين الفارين من الحرب إلى رفح لإعادة تهجيرهم قسرا إلى مناطق أخرى، واحتلال جنود الاحتلال معبر رفح، بما قطع الطريق أمام 4500 شاحنة محملة بالمساعدات الطبية والغذائية والإنسانية تنتظر منذ أيام إشارة عبور ما بين رفح المصرية ومدينة الشيخ زويد حين تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية لنقل المساعدات إلى المنكوبين.
ترفض إسرائيل الابتعاد عن المعابر الحدودية تمهيدا لتشغيل المنفذ البحري، ليصبح النافذة الوحيدة لإدخال المساعدات إلى القطاع، خلال الأيام المقبلة. انتهت القوات الأميركية من بناء "الميناء العائم" على ساحل غزة، لبدء استخدامه في توصيل المساعدات، وإحكام قبضة إسرائيل على تحركات المسافرين من غزة وإليها، بما يلغي دور مصر بوابة وحيدة للراغبين في السفر من القطاع إلى أنحاء العالم.
خفض الجنيه المصري
أشار تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، إلى أن الحرب الإسرائيلية على غزة، غير مسبوقة من حيث حجم الموت والدمار وتداعياتها الإقليمية منذ اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، موضحا بأن أثرها كارثي على الاقتصاد الفلسطيني، بينما خلفت آثارا سلبية كبيرة على دول الجوار خاصة مصر والأردن ولبنان، ستبقى عواقبها متوقفة على مدتها وشدتها ونطاقها الجغرافي والتكاليف الاقتصادية الكبيرة الناشئة عنها.
أوضح التقرير أن الحرب على غزة أضعفت اقتصاد مصر بشكل أكبر، حيث وصل سعر الجنيه إلى مستوى قياسي بلغ أكثر من 70 جنيها مقابل الدولار في يناير/ كانون الثاني 2024، في السوق الموازية، ليعكس هذا الانخفاض نقاط الضعف الاقتصادية المستمرة، الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى خفض الجنيه رسميا عند مستويات 50 جنيها مقابل الدولار في مارس/ آذار الماضي ثم تراجع إلى نحو 47 جنيها، ودفع الحكومة إلى صفقة بيع مدينة رأس الحكمة موازية لاتفاق جديد مع صندوق النقد والبنك الدوليين والاتحاد الأوروبي، للحصول على قروض جديدة، مقابل خفض قيمة العملة.
ذكر الخبراء المشاركون بالتقرير أن تأثير الحرب سلبيا على مصر جاء وسط معاناة الاقتصاد من هشاشة كبيرة وصعوبات اجتماعية واقتصادية، تزايدت في أعقاب أزمتي انتشار وباء كوفيد 19 والحرب الروسية على أوكرانيا، مع اعتمادها على إيرادات أجنبية متقلبة من رسوم عبور قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج وايرادات السياحة، جعلتها معرضة بشدة للصدمات الخارجية.
أوضح الخبراء أن العدوان على غزة أثر على قطاعي السياحة وقناة السويس اللذين يشكلان 20% من إيرادات البلاد من العملات الأجنبية، بخلاف الأعباء التي تولدت عن زيادة تكاليف نقل الواردات، وزيادة أسعار الطاقة، وتدهور التوقعات الاقتصادية.
مسؤولية الحكومة
بدوره يحمل خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده الحكومة مسؤولية تزايد الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والتي دفعتها إلى بيع الأراضي والأصول العامة للأجانب، دون أن تتمكن من ابتكار وسائل جديدة، تمكنها من مواجهة الأزمات الداخلية أو الحد من الآثار السلبية للأزمات التي تأتيها من الخارج.
يقول الخبير المصري لـ"العربي الجديد" إن موارد الموازنة العامة من العملة الصعبة، مازالت محصورة بين أربعة مصادر أساسية وهي: عوائد الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج وقناة السويس والسياحة، مبينا أنها لا تكفي لسد العجز مع الواردات، خاصة في ظل ارتفاع أعباء الدين الخارجي، والذي تصل تكلفة فوائده وأقساطه إلى نحو 42 مليار دولار للعام الجاري.
يؤكد عبده أن الحكومة لجأت إلى صفقة رأس الحكمة تحت ذريعة دعم دور الخاص في قيادة الاقتصاد، بينما الأحداث التي نشهدها في غزة، لن تمكن القطاع الخاص الباحث عن الربحية في مواجهة الأزمة، خاصة إذا استمرت الحرب لأجل طويل، فلن تأتي الاستثمارات الأجنبية لتنمية المشروعات الخاصة أو العامة، وستتراجع حركة السياحة وعوائدها، بالإضافة إلى تأثر قناة السويس التي أصبحت متأثرة بتصميم الحوثيين على ضرب السفن الإسرائيلية، بما حول البحر الأحمر إلى ساحة معركة مع القوات الأميركية والأوروبية التي جاءت للدفاع عن إسرائيل.
شماعة غزة
يشير عبده إلى أن الحكومة حولت أزمة غزة إلى "شماعة" تعلق عليها مصيبتها، كما فعلت من قبل عندما انتشر وباء كوفيد 19 واندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وقال: "ها هي روسيا التي تحارب منذ سنوات تتقدم وأصبحت تحتل المركز السادس اقتصاديا على مستوى العالم".
ويضيف قائلا " الأشهر الأربعة الماضية شهدت تراجعا في أسعار السلع الأساسية عالميا بينما كانت ترتفع في الأسواق المحلية، بما أظهر مدى ضعف الأداء الحكومي وجشع التجار، وعدم قدرة الدولة على الحد من تغولهم في إدارة الأسواق"، مطالبا بتغيير جذري في الحكومة، والدفع بالكفاءات القادرة على مواجهة أزمات أصبحت حالة يومية يعيشها العالم، بدلا من السير في طريق القروض وبيع الأصول، دون القدرة على مواجهة الأزمات المحلية التي تجعل اقتصاد مصر هشا أمام أية تقلبات خارجية.
ضغوط على اقتصاد مصر
تمارس الحرب على غزة ضغوطا على اقتصاد مصر، تزيد من عجز الحساب الجاري وتفاقم العجز في الموازنة، مع تراجع الإيرادات والصادرات وارتفاع تكلفة الواردات.
وفقا للتقرير الأممي تتراجع إيرادات السياحة بنسبة 20% خلال الفترة من أكتوبر 2023 إلى مارس 2024، مقارنة بعام 2023، على الرغم من إبلاغ منظمي الرحلات عن زيادة ملحوظة بأعداد السائحين، واكبه انخفاض حجم وعدد السفن المارة بقناة السويس بنسبة 60%، وانخفاض بالإيرادات بنسبة 46% نتيجة تصاعد الهجمات العسكرية في البحر الأحمر.
ولدت الحرب الإسرائيلية على غزة شعورا عاما بعدم الاستقرار والخوف، وزادت من المخاوف الأمنية نظرا لموقع مصر الجغرافي من غزة، بما دفع الحكومات الأجنبية إلى إصدار تحذيرات ضد زيارة مصر، ومن المرجح، وفقا للتقرير، أن يساهم بقاء هذا الوضع لفترة زمنية طويلة في انخفاض عدد الرحلات الجوية وإصدار تذاكر السفر من وإلى الشرق الأوسط، بنسبة 26% للمنطقة ترتفع إلى 35% بالنسبة لمصر.
يظهر التقرير أن ما بين 20% -40% من الحجوزات في البحر الأحمر ألغيت بالفعل، في كل من شرم الشيخ طابا ودهب ونويبع، والإبلاغ عن إلغاءات بنسبة ما بين 30% - 50% من حجوزات الفنادق والرحلات النيلية لعام 2024.
زيادة البطالة والفقر
من جانبه، قال خبير النقل البحري واللوجيستيات حمدي برغوث لـ"العربي الجديد" إن الخسائر التي يحدثها العدوان الوحشي على غزة، تتولى الولايات المتحدة وحلفاؤها تعويضها بالمال والسلاح، بالنسبة للجانب الإسرائيلي، لذلك نتوقع أن تستمر الحرب لأطول فترة زمنية، إلى أن يتوقف "الفيتو" الأميركي في مجلس الأمن أو يكون لدى واشنطن رغبة في إنهاء الحرب فورا.
أشار برغوث إلى خشيته من أن يكون استمرار حالة الاضطراب الأمني بالمنطقة، رهينة اتفاق بين الولايات المتحدة، المستفيدة الأكبر من استمرار الحرب، وكبار رجال الأعمال الذين يسيرون في ركابها، لإعادة هيكلة للاقتصاد، عبر فرض أسعار جديدة على السلع والواردات العالمية، وخفض العملة، بصورة متعمدة ومخطط لها، كما فعلت من قبل عقب مشاركتها بالحرب العالمية الثانية، حيث ألغت عملات وأعادت تسعر كافة المنتجات لتواكب معدلات التضخم بميزانيات ما بعد الحرب.
ووفق خبير النقل الدولي فإن تداعيات الحرب على غزة، ستظل أزماتها رهينة بقبضة واشنطن، مبديا تشاؤمه من قدرة الحكومة المصرية الضعيفة على مواجهة خسائر حرب متواصلة منذ شهور.
تدفع الحرب الإسرائيلية على غزة إلى زيادة معدل البطالة وخفض استهلاك الأسر، بما يزيد من معدلات فقر المصريين، حيث يتوقع الخبراء ارتفاع نسبة البطالة بنحو 0.5%، في سيناريو الشدة المنخفضة و0.9% للمتوسطة و1.3% للشدة العالية وانخفاض الدخل والاستهلاك الحقيقي المتاح للأسر إلى ما دون مستويات العمل المعتادة بنسبة تراوح ما بين 1.3% و2.5% خلال العام المالي المنتهي 30 يونيو/ حزيران المقبل، مع استمرار الآثار السلبية للحرب في السنة المالية الجديدة 2024/ 2025.