العدوان يقصف سياحة لبنان: الاستنزاف قد يتجاوز 70%

24 أكتوبر 2024
ركاب يترقبون رحلات المغادرة في مطار بيروت وسط توسع الحرب (فرانس برس)
+ الخط -

يشهد القطاع السياحي في لبنان أزمة غير مسبوقة نتيجة الأوضاع الأمنية والسياسية المتدهورة، والتي تفاقمت بشكل كبير مع تصاعد العدوان الإسرائيلي الأخير. فعلى الرغم من الانتعاش النسبي الذي شهدته السياحة خلال موسم الصيف حتى يوليو/تموز 2024، إلا أن هذا التحسن لم يكن كافياً لتحصين المؤسسات السياحية أمام التحديات اللاحقة.

وقد أدت الحرب المستمرة إلى إغلاق العديد من المؤسسات السياحية، خاصة في المناطق المتضررة مثل الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، ما تسبب في نزوح العمال وتوقف شبه كامل للأنشطة الاقتصادية في تلك المناطق.

من جهة أخرى، تأثرت المناطق الآمنة نسبياً القريبة من بيروت بفراغ اقتصادي كبير، إذ انخفضت نسبة إشغال الفنادق إلى مستويات متدنية، حيث لم تتجاوز 30%، مع تراجع نشاط المطاعم بشكل ملحوظ، وأصبحت عودة السياحة إلى مسارها الطبيعي مرتبطة بشكل أساسي بوقف الحرب وتحقيق استقرار سياسي شامل.
في ظل هذه التحديات، تبدو المؤسسات السياحية مهددة بالإغلاق، مع غياب الدعم الحكومي اللازم وعدم تخصيص استثناءات ضريبية لهذه المؤسسات. ومع اقتراب موسم الأعياد في ديسمبر/ كانون الأول، يأمل المعنيون في حدوث انتعاش جزئي، رغم إدراكهم أن ذلك لن يكون كافياً لتغطية الخسائر المتراكمة.

وفي حديث لأحد أصحاب المطاعم في منطقة الجميزة - بيروت، أشار إلى أن المطعم جرى افتتاحه قبل أسبوعين فقط، ولكن بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان، قرروا إغلاقه. وأوضح أن هذا القرار دفعهم إلى تسريح عدد من الموظفين، مشيراً إلى أنهم، وفقاً لخطة الطوارئ، سيستمرون في دفع الرواتب لمدة ستة أشهر، مع تقليص الرواتب المتبقية إلى نصف أو ربع ما كان يُدفع سابقاً.
وأكد أن الوضع سيزداد صعوبة في حال استمرار العدوان على لبنان، مما قد يؤدي إلى توقف شبه كامل للحركة السياحية في هذه المناطق.


ضربة كبيرة

وفي هذا السياق، صرّح رئيس الهيئات الاقتصادية، محمد شقير في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن هذه المرة هي الأولى التي يتأذى فيها اقتصاد لبنان إلى هذه الدرجة. فقد انخفضت الأعمال في السابق بنسبة كبيرة تصل إلى 50%، أما اليوم، فقد تجاوزت النسبة 80%.
وأضاف أن القطاع السياحي تلقّى ضربة كبيرة، وهذه الأزمة ليست وليدة الأسابيع الأربعة الأخيرة، بل بدأت قبل ذلك. وعلى الرغم من انتعاش القطاع السياحي خلال فصل الصيف حتى يوليو/ تموز 2024، إلا أن الوضع أصبح شبه كارثي بعد ذلك، حسب شقير الذي شدد على أن المؤسسات السياحية باتت مهددة بالإغلاق، خصوصاً الفنادق، إذ أصبح وضعها صعباً للغاية.
وقال: "الصيف لم يكن على المستوى المطلوب لتمكين الفنادق من تحقيق فائض يساعدها على مواجهة هذه الأزمة. ورغم أن الجزء الأول من الصيف كان جيداً إلى حد ما، إلا أن الجزء الثاني كان سيئاً، وزاد الوضع سوءاً مع بدء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهر. يمكن القول إن الوضع الاقتصادي في القطاعات الخدمية والتجارية والسياحية أصبح مأساوياً".
وأشار إلى أن "المحال التجارية التي كانت تعتمد على السياح، وكانت تحقق مبيعات يومية بقيمة 1000 دولار، أصبحت اليوم لا تتجاوز مبيعاتها 150 دولاراً. وبالتالي، لم تعد هذه المحال قادرة على تحقيق الأرباح أو حتى تغطية المصاريف، ويؤكد أن بعض المطاعم، خاصة في وسط بيروت التجاري، أغلقت أبوابها بسبب العدوان، لكن من غير الواضح بعد ما إذا كان هذا الإغلاق مؤقتاً أو دائماً، حيث تم إغلاق حوالي 18 مطعماً حتى الآن".
وأضاف شقير أن لجنة الاقتصاديين قدّمت اقتراحات لرؤساء لبنان لدعم المواطنين خلال الأشهر المقبلة، من بينها تمديد براءة الضمان الاجتماعي، وإعفاء الشركات من الغرامات، إضافة إلى تسهيل إخراج البضائع، خاصة المأكولات، والمحروقات، والأدوية، من مرفأ بيروت.
بالإضافة إلى ذلك أشار إلى أن المواطنين يترقبون شهر ديسمبر/ كانون الأول باعتباره شهر الأعياد، رغم أنه لا يشكّل سوى 25% من النشاط الاقتصادي السنوي. ومع ذلك، هناك شركات تحقق أكثر من 70% من مبيعاتها خلال هذا الشهر. وشدّد شقير على أن الكوارث الاقتصادية قد تتفاقم بعد شهر ديسمبر/ كانون الأول إذا استمر العدوان الإسرائيلي على لبنان.

من جانبه، قال رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان، بيار الأشقر لـ"العربي الجديد"، إن الفوضى منتشرة بشكل كبير، خاصة في المناطق مثل الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، حيث أُغلقت المؤسسات بالكامل وصُرف العمال، إما نتيجة تدمير المؤسسة أو انهيارها أو حتى بسبب النزوح.
وأضاف أن المناطق القريبة من بيروت، التي ما زالت تُعتبر آمنة نسبياً، تأثرت بشكل كبير وشهدت فراغاً كاملاً، حيث يمكن أن تصل نسبة التشغيل إلى الصفر. وأشار إلى أن القسم الممتد من بيروت وصولاً إلى الجنوب يعاني وضعاً كارثياً، بينما في المناطق البعيدة عن بيروت، يبدو الوضع أفضل قليلاً. وأوضح أن هناك اعتقاداً بأن الفنادق مليئة بالنازحين، لكنه نفى ذلك، موضحاً أن إقامة النازح في الفندق تكون مؤقتة، ولا تتجاوز عادةً ثلاثة أيام أو أسبوعاً ريثما يجد منزلاً للإيجار أو يحصل على تذكرة طيران للسفر.
 

نسبة إشغال ضعيفة

وأوضح الأشقر أن نسبة إشغال الفنادق لا تتجاوز 30% أو 40%، مؤكداً أن الحرب هي العدو الأول للسياحة قبل أي قطاع آخر. وبيّن أن الضرر بدأ في القطاع السياحي منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لكن تم التحكم بالوضع خلال فصل الصيف في محاولة لمقاومة تأثير الحرب.
ومع ذلك، لم يستمر الانتعاش طويلاً، حيث كان الصيف مليئاً بالمهرجانات، لا سيما في بيروت، لكنها انتهت في الأول من أغسطس/ آب 2024. وأشار إلى أن هذا الانتعاش اقتصر على المطاعم والحفلات، بينما تعطلت الفنادق بالكامل. وأوضح أن الفنادق كانت تعمل بنسبة 70%، لكنها اليوم تراجعت جداً، ولم يتجاوز أفضل فندق نسبة تشغيل 40%.
وفي هذا السياق، أشار الأشقر إلى أن محافظة جبل لبنان كانت تعتمد بشكل كبير على الموسم السياحي، حيث وصلت نسبة التشغيل سابقاً إلى 80%. إلا أن هذا العام لم تتجاوز النسبة 15%. وأضاف أن الحكومة لا تولي القطاع السياحي الاهتمام الكافي، رغم المطالب الكثيرة المقدمة إليها.
وأوضح أن هناك بعض التأجيل في دفع الضرائب وفقاً للقانون العام، لكن لم تُمنح أي استثناءات خاصة للمؤسسات السياحية، بما في ذلك من قبل وزير السياحة.

وشدّد الأشقر على أن الحل لمعالجة أزمة هذا القطاع يكمن في وقف الحرب، موضحاً أن لبنان يحتاج من ستة إلى ثمانية أشهر ليبدأ بالتعافي والعودة إلى المسار الصحيح. ولفت إلى أن هناك مقاطعة خليجية للبنان، في حين يشكل الخليجيون العمود الفقري للسياحة في البلاد، إلى جانب الاستثمارات الخليجية. وأضاف أنه، حتى لو توقفت الحرب، فإن الأزمة لن تنتهي، لأن المشكلة ليست حرباً فقط، بل تتعلق أيضاً بقضايا سياسية ومصالحة خليجية.
وعلاوة على ما سبق، اختتم الأشقر حديثه بالإشارة إلى أن الدولة اللبنانية تركز حالياً على تأمين احتياجات النازحين ووقف الحرب، مؤكداً أن لبنان سيحتاج إلى فترة زمنية محددة بعد انتهاء الحرب لإيجاد حلول سياسية وانتخاب رئيس للجمهورية من أجل إعادة بناء الدولة.
 

توقف السياحة الأوروبية بالكامل

وبدوره، أكد رئيس نقابة أصحاب مكاتب السياحة والسفر، جان عبود، أن الموسم السياحي في لبنان شهد تراجعاً منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. فقد توقفت السياحة الأوروبية بالكامل، فيما استمرت السياحة العربية حتى يوليو/ تموز 2024، لكنها تراجعت بنسبة 40% مقارنة بالعام الماضي، مما أدى إلى انخفاض المدخول بنسبة 80%.
وأشار عبود إلى أنه في السنوات السابقة، كانت السياحة تسهم في الناتج القومي بما يقارب 6.5 مليارات دولار سنوياً، لكنه يعتقد أن هذا العام قد لا تحقق السياحة حتى مليار دولار. كما لفت إلى أن المطاعم توقفت عن العمل بشكل شبه كامل خلال الشهر الأخير، رغم أن هذا القطاع كان قد شهد نمواً ملحوظاً هذا العام بنسبة تجاوزت 15%.

المساهمون