باتت أزمة صرف الرواتب وإقرار الموازنة الجديدة للعام المقبل في العراق من أبرز التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني في حال منحها الثقة من البرلمان خلال جلسة الأسبوع المقبل.
وقال مسؤول بوزارة المالية العراقية إن الموازنة المتوقعة للعام المقبل 2023 قد تتجاوز عتبة الـ120 مليار دولار لأول مرة منذ سنوات، حيث ستتم مراعاة توقف الكثير من المشاريع التنموية والاستثمارية خلال العام الحالي.
وأكد المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن مسألة صرف مرتبات الموظفين قد تحتاج إلى تكييف قانوني يسمح بدفعها، بسبب عدم وجود غطاء جديد للصرف"، متحدثاً بالوقت ذاته عن إمكانية توجه الحكومة الجديدة للاقتراض من المصارف الحكومية لتسيير شهرين أو ثلاثة لحين إقرار الموازنة".
ويأتي ذلك، مع تواصل الجدل حول عدم إمكانية صرف رواتب العاملين في القطاعين الحكومي والعام للسنة القادمة 2023، من موظفين ومتقاعدين وشبكة الرعاية الاجتماعية، بسبب عدم إقرار موازنة للدولة، وتعارض الصرف مع عدم جواز صرف النفقات التشغيلية للدولة لعامين متتاليين من دون موازنة، فيما يرى آخرون أن الأمر يعتمد على الجانب القانوني وصلاحية المحكمة الاتحادية في إيجاد تفسير قانوني يفتح المجال أمام صرف الرواتب.
وبسبب الأزمة السياسية في العراق، تعذر إقرار موازنة العام الحالي 2022، ما دفع بحكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي إلى دفع المرتبات بصيغة الاقتراض من البنك المركزي والتسديد لاحقا بعد إعداد البيانات الختامية للنفقات المالية للدولة، في وقت يجب أن تقر موازنة العام المقبل بموعد أقصاه الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول هذا العام،
لكن مسؤولين يؤكدون أنه، حتى لو منحت حكومة محمد شياع السوداني الجديدة الثقة فإنه من غير المرجح تمكنها من تقديم موازنة الدولة وإقرارها قبل شهر فبراير/ شباط المقبل.
ومطلع الشهر الحالي، حذر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي من إمكانية توقف مرتبات الموظفين مطلع العام المقبل، بحال لم تشكل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات بسبب افتقار الحكومة الحالية التي تعتبر حكومة تصريف أعمال غير كاملة الصلاحيات لأي سند قانوني في صرف النفقات.
ومن جانبه، قال عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجر، إن عدم تشكيل الحكومة الجديدة لا يؤثر على صرف رواتب الموظفين حتى وإن لم يتم إقرار وتشريع قانون الموازنة الاتحادية للعام القادم.
وأشار كوجر، من خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنه إذا لم يتم إقرار قانون الموازنة، فإن الصرف سيستمر ضمن بند نسبة 12/1 من قانون الإدارة المالية، ولا تخوف على الرواتب والسلف التشغيلية أبدا، لأنها من أهم ثوابت الدولة.
وشدد كوجر على أن الدولة بحاجة إلى إقرار الموازنة المالية فور التصويت على حكومة السوداني، وإذا تعذر إقرار الموازنة فهذا يلزم البرلمان لتجديد قانون الأمن الغذائي.
يرى الخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، أن هناك أكثر من 8 ملايين مواطن يعتمدون على الرواتب التي تقدمها الحكومة، منها رواتب موظفين ومتقاعدين وشبكة حماية اجتماعية وعقود وأجور يومية، مما يعني أن الدولة ملزمة بتسديد الرواتب بأي شكل.
وأوضح المرسومي لـ"العربي الجديد"، أنه في حالة عدم وجود موازنة اتحادية للعام 2023، يمكن تعديل قانون الإدارة المالية والتصويت عليه من قبل البرلمان العراقي، أما الحديث عن عدم إمكانية صرف الرواتب للعام القادم فهو ضغط سياسي.
وأضاف المرسومي، أن الموازنة الاتحادية مهمة جداً بالنسبة للدولة العراقية، خاصة وأن البلد يعتمد إلى حد كبير على القطاع العام، وعدم وجود موازنة يعني عدم وجود توظيف وعلاوات وظيفية ولا دعم للقطاع الخاص، مما يتسبب بزيادة حجم الركود الاقتصادي.
الخبير القانوني، علي التميمي، يرى أن نصوصا قانونية، أكدت أنه في حالة تأخر إقرار الموازنة لغاية 31 ديسمبر، يقوم وزير المالية بإصدار تعميم بالصرف بنسبة 1/12، من مجموع نفقات الموازنة السابقة وهذا يعني يوجد استمرار قانوني بالصرف حتى لو استمر عدم إقرار الموازنة.
وبين التميمي لـ"العربي الجديد"، أن الدولة في مثل هذه الحالات تعتمد على موازنة 2021 وهذا هو السند القانوني، حيث لا تتجرأ أي دولة في العالم على إيقاف الرواتب والإنفاق العام.
وشدد التميمي على أن الحكومة العراقية مُلزمة بتطبيق المواد 30 و31 من الدستور العراقي، التي تلزم الدولة بتوفير رواتب الموظفين والدخول الشهرية للمتقاعدين.
فيما أكد الخبير في الشأن الاقتصادي، عبد السلام حسن، لـ"العربي الجديد" أن تصريحات رئاسة البرلمان في وقتٍ سابق حول عدم إمكانية صرف الرواتب مع نهاية العام، التي اعتمدت عليها ممثلة الأمم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، كانت لها دوافع سياسية، تهدف إلى إثارة الرأي العام، وسببت إرباكاً في الشارع العراقي.