أثارت موافقة الحكومة العراقية على استحداث درجات وظيفية تصل إلى 286 ألف وظيفة في مؤسسات ووزارات الدولة، انتقادات واسعة في أوساط الاقتصاديين من تداعيات هذه الخطوة على موازنة الدولة ومواردها لاسيما في ظل ترهل الوظائف الحكومية، مشيرين إلى أن هذه الخطوة تعبر عن رغبة الحكومة في تلافي أزمة البطالة بغض النظر على الكلف المتوقعة، خاصة إذا ما تعرضت عائدات النفط للهبوط في ظل توقعات بانخفاض أسعار النفط.
وأعلنت وزارة المالية العراقية، قبل أيام، أنها استكملت إجراءات استحداث الدرجات الوظيفية التي أقرها مجلس الوزراء بضمنها شريحة المتعاقدين في الوزارات والمحافظات.
وقال النائب في البرلمان العراقي، باسم الغريباوي، إن هناك ضغوطاً تتعرض لها الحكومة في ما يتعلق بموضوع الدرجات الوظيفية وإيجاد حلول لرواتب المتقاعدين.
وأضاف الغريباوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003، توارثت مسألة التوظيف ولم تعط حلولاً حقيقية لحل هذه المشكلة، مما ولّدَ ضغطاً على الموازنة السنوية العامة للدولة. وأشار إلى أنه في حال انخفاض أسعار النفط، وهو متوقع، فإن قدرة الدولة على سداد وتأمين رواتب الموظفين ستكون محفوفة بخطر كبير، خاصة إذا استمر باب التوظيف مفتوحاً بهذا الشكل.
وشدد الغريباوي على أن بقاء الفساد في مؤسسات الدولة على ما هو عليه اليوم، واعتماد ذات الاستراتيجية والسياسة الاقتصادية المتوارثة، من عدم إيجاد إيرادات بديلة غير النفطية لرفد الموازنة العامة، يجعل الدولة أمام مشكلة كبيرة.
وتابع أن الدولة ملزمة بالعمل على تنشيط القطاع الخاص ودعمه لرفع قدرته على التوظيف، وإصلاح القطاعات الزراعية والصناعية من أجل تحقيق ذلك، لا سيما أن الظروف الحالية لا تسمح بخصخصة القطاع العام لوجود السلاح المنفلت وعدم وجود بيئة آمنة، فضلا عن التخوف من احتكار الأحزاب والجهات المتنفذة على القطاعات المهمة.
وعن إجراءات البرلمان العراقي في ما يتعلق بدعم القطاع الخاص، أكد الغريباوي أن كُثراً من أعضاء مجلس النواب عازمون على تشريع قوانين تدعم القطاع الخاص، باعتباره العامل الأهم للنهوض بالواقع الاقتصادي العراقي.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، إن الاستحداثات الوظيفية سيكون لها تأثير واضح على الموازنة العامة للدولة، وسيدفع البلد فاتورة التوظيف مع أي انخفاض لأسعار النفط في السوق العالمية، وبالتالي خفض قدرة الدولة على تخصيص أموال أخرى لأغراض كلف التشغيل أو أبواب الإنفاق التنموي والاستثماري.
وأوضح التميمي لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة الحالية تحاول امتصاص جزء من البطالة الحالية التي تقارب 16% عبر استحداث الوظائف أو تثبيت العقود، مشيرا إلى أن نسبة البطالة قد تنخفض إلى 8% بعد قرار مجلس الوزراء باستحداث درجات وظيفية، لكنها تتجه نحو زيادة العوائق أمام السياسات المالية والاقتصادية.
ووفق التميمي فإن هناك ضعفاً في الرؤية الاقتصادية لدى القوى السياسية العراقية، من خلال عدم اتفاقها على منهج اقتصادي واضح، فضلاً عن ضعف إرادة الحكومة في تنفيذ سياسات اقتصادية واعدة قد تكون الخصخصة إحداها، لافتا إلى أن غياب القوانين التي تنظم السياسات الاقتصادية وتحمي الحقوق العامة والخاصة، من الأسباب التي أدت إلى إهمال قضية الخصخصة في العراق.
بدوره، اعتبر المختص بالتنمية الاقتصادية، أحمد صباح، أن وجود ما يقرب من 2.5 مليون موظف في القطاع العام المدني، مع وجود أكثر من 1.75 مليون منتسب في صفوف الأجهزة الأمنية، يؤكد أن البلد مُقبل على عجز مالي كبير في المستقبل القريب مع وجود توقعات تشير إلى انخفاض أسعار النفط مجدداً.
وقال صباح لـ"العربي الجديد"، أن وجود أكثر من 4.5 ملايين موظف حكومي، مع احتساب المنضمين لسوق العمل الحكومي وفق قرار مجلس الوزراء الأخير بتعيين 286 ألف درجة جديدة، يزيد من حالة الترهل الوظيفي لدى المؤسسات.
وبحسب صباح فإن هذه الأعداد من الموظفين ترهق الموازنة العامة للدولة، وتزيد من حالة الخمول في أداء المؤسسات قياساً بعدد الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من عمل حقيقي، مؤكداً أن على الدولة التوجه فوراً لحل هذه المشكلة، وفتح آفاق الاستثمار في جميع المجالات، وتفعيل دور القطاع الخاص للمساهمة في رفع الثقل الكبير عن الموازنة العامة للبلد.
ورغم ثرواته النفطية، إلا أن العراق البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة، يواجه أزمات اقتصادية ومعيشية. وفي مارس/ آذار الماضي، قالت المديرة العامة لدائرة الرعاية الاجتماعية في وزارة العمل، ذكرى عبد الرحيم، للقناة العراقية الإخبارية إن "10 ملايين فرد في العراق (25% من السكان) فقراء".
وتعتمد الحكومة العراقية في موازنتها بشكل كبير على سعر برميل النفط والعائدات النفطية، في بلد يواجه صعوبات اقتصادية ويحتاج إلى مشاريع بنى تحتية عدة بعد سنوات من الحرب. وقفزت قيمة صادرات العراق من النفط خلال العام الماضي 2022 بنسبة 53%، حسب بيانات أعلنتها وزارة النفط العراقية، الثلاثاء الماضي، لتصل إلى 115 مليار دولار، مقابل 75 ملياراً في العام السابق له.