تهاوي الإنتاج السمكي في السنوات الأخيرة، أحد أبرز ملامح الجفاف التي تعاني منها مساحات واسعة في العراق، خصوصا بعد قرار وزارة الموارد المائية بردم البحيرات الصناعية المتجاوزة وغير المجازة على الأنهر، والتي كانت بأعداد كبيرة وتستعمل كمزارع لتربية الأسماك وبيعها بالسوق المحلية.
وأطلقت وزارة الموارد المائية، خلال الأيام القليلة الماضية، حملات شاملة في محافظات البلاد كافة، لردم بحيرات الأسماك وتجفيفها للحفاظ على الخزين المائي، لتفادي أزمات جفاف محتملة خلال الصيف الحالي، بسبب تناقص مياه دجلة والفرات وقلة الخزين اللازم لتأمين مياه الشرب والاحتياجات الأساسية.
وتراجع الإنتاج المحلي من الأسماك في البلاد بشكل كبير، ما أدى إلى ارتفاع سعر الكيلو الواحد إلى 10 آلاف دينار (نحو 7 دولارات)، بعدما كان لا يتجاوز خمسة آلاف دينار.
خسائر فادحة
يشير رئيس اتحاد جمعية الفلاحين، كريم كردي، إلى تعرض مربي الأسماك لخسائر فادحة، بسبب قرار ردم البحيرات وخسارة عدد كبير من العاملين في هذا المجال مصدر رزقهم.
ويقول كردي لـ "العربي الجديد"، إن "ردم بحيرات الأسماك نهاية لإنتاج الأسماك ذات الجودة المتميزة في المحافظات، والعودة إلى فترة الاستيراد من دول أخرى".
ويشتهر العراق بأنواع عدة من الأسماك، أبرزها الكارب والسلفر والقطان، والبني، والشبوط، والجري، وغيرها.
ويلفت كردي إلى أن "بحيرات الأسماك حققت أهدافا اقتصادية ومعيشية في البلاد أبرزها امتصاص البطالة وإنعاش حركة المطاعم وتجارة الأعلاف إلى جانب تحقيق مردودات مالية كبيرة لصالح الاقتصاد المحلي".
من جهته، يقدر الخبير الاقتصادي، أحمد عبد ربه، خسائر العراق من الثروة السمكية بنحو 400 مليون دولار سنويا.
ويؤكد عبد ربه لـ"العربي الجديد"، على ضرورة توحيد الجهود الحكومية، لمد نهري دجلة والفرات بإصبعيات (أسماك صغيرة) بغرض التكاثر".
ويرى الخبير الاقتصادي أن هذه الخطوة ستساعد على صيانة الثروة السمكية وستقلل حجم الاستنزاف الاقتصادي فيها.
تراجع كبير في الإنتاج
وتعرضت الثروة السمكية في العراق إلى أشبه ما يحدث بالمجازر، نتيجة نفوق ملايين الأطنان سنويا، بسبب الجفاف أو إصابتها بالفيروسات، خصوصا في مناطق الأهوار جنوبي العراق، التي تعرضت أغلبها إلى الجفاف بشكل نهائي.
وحسب مختصين، فإن إنتاج العام الحالي تراجع إلى نحو 400 ألف طن أو أقل، وهذا ما يؤيده المدير العام السابق لدائرة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة عباس سالم.
وبلغ إنتاج العراق العام الماضي من الأسماك زهاء 800 ألف طن، منها 100 ألف طن من المزارع المجازة، و700 ألف طن من المزارع غير المجازة، حسب سالم.
ويقول المدير العام السابق لدائرة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة لـ "العربي الجديد"، إن "أبرز التحديات والصعوبات التي تواجه الثروة السمكية في بلاد ما بين النهرين هي "شح المياه والإصابات المرضية وارتفاع أسعار الأعلاف، ليس في العراق فحسب وإنما في العالم، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية".
حلول ضرورية
بدوره، يطرح عضو الجمعية الوطنية لمنتجي الأسماك في العراق (منظمة غير حكومية) محمد طالع العكيلي، وهو أيضا صاحب أحواض ومربٍ للأسماك، مجموعة مقترحات لمعالجة أزمة الثروة السمكية في البلاد، أهمها اللجوء إلى استخدام مياه "المبادل" والأنهار الفرعية التي تبدأ من العاصمة بغداد (وسط) وتنتهي بمحافظة البصرة (جنوبا) ويتجاوز مجموعها 800 كيلومتر.
ويصفها العكيلي بـ"البديل المؤقت"، لكنه ينتقد "وزارة الموارد المائية التي منعت مربي الأسماك من استخدام مياه المبادل والأنهر الفرعية والنهر الثالث بعد تقليلها نسب المياه إلى أقل من 50 %"، محذرا من خطورة استمرار تراجع معدلات إنتاج الأسماك السنوي لتراكم المشاكل وعدم حلها بعدما كان الناتج المحلي يبلغ نحو مليون طن قبل عام 2018".
ويطالب عضو الجمعية الوطنية لمنتجي الأسماك الحكومة بـ"تدويل قضية المياه ومطالبة المجتمع الدولي بالضغط على دول المنبع من أجل إطلاق حصة العراق المائية".
ويعود سبب أزمة المياه وانحسار دجلة والفرات إلى "سياسات دول المنبع" التي قامت ببناء العديد من مشاريع السدود والاستصلاح الكبرى، دون التنسيق مع العراق الذي يعد دولة مصب، وذلك ما أثر على استحقاقاته التاريخية في النهرين اللذين تراجعت الإيرادات الواصلة لهما إلى أقل من 30% من معدلاتها الطبيعية.