تراجع سعر صرف الليرة التركية، اليوم الأربعاء، إلى ثاني أقل سعر تشهده العملة التركية بعد إلغاء 6 أصفار عام 2005، مسجلة 17.2 ليرة مقابل الدولار الواحد، لتزيد نسبة تراجع الليرة التركية على 25% هذا العام، الذي افتتحته بنحو 13.2 ليرة مقابل الدولار.
ويقول صاحب شركة الصرافة في إسطنبول، غازي يلديز، إن الإقبال على الدولار "ارتفع جداً خلال اليومين الماضيين"، رابطاً الأسباب بنتائج اجتماع الحكومة التركية وتأكيد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عدم رفع سعر الفائدة المصرفية.
ويبرر يلديز مخاوف المكتنزين من زيادة التضخم وتراجع سعر صرف الليرة "لأن التوقعات كانت برفع سعر الفائدة كما معظم دول العالم"، مشيراً إلى أن الذهب بات الملاذ الآمن لمعظم الأتراك، إضافة إلى شراء الدولار الذي وصفه بـ"القوي"، خاصة بعد رفع سعر الفائدة بالفيدرالي الأميركي، والتوقعات برفع آخر، بعد أن تعدى التضخم في الولايات المتحدة 8%.
وتستمر العملة التركية بالتراجع، رغم ما يقال عن مؤشرات اقتصادية جيدة هذا العام، وخاصة في قطاعي السياحة والصادرات التي يشير المسؤولون الأتراك إلى أنها ستحقق "قفزة لا سابق لها هذا العام".
غير أن تصريحات المسؤولين، بحسب الاقتصادي خليل أوزون، "التي ألغت توقعات رفع سعر الفائدة" أثرت بسعر الليرة، ففضلاً عن تأكيد الرئيس أردوغان، قال وزير المالية التركي، نور الدين نباتي، وفق ما نشرت صحيفة "ملييت" أمس، إن تركيا "لا تفكر في خفض أو رفع أسعار الفائدة في المدى القريب".
كبح انهيار الليرة
ويقول أوزون إن "لبرنامج دعم سعر العملة التركية (ربط ودائع الليرة بسعر الدولار) الدور الأهم بثبات سعر الليرة أو تذبذبها الطفيف، ولولا هذا البرنامج لرأينا الدولار تعدى 20 ليرة بواقع اهتزاز الثقة جراء زيادة تضخم الأسعار لوصولها إلى 73.5 على أساس سنوي".
ويتوقع أوزون إجراءات حكومية، عدا أداة الفائدة المصرفية، لوقف استمرار تراجع الليرة، و"إلا إن رُفع الحد الأدنى للأجور -كما نسمع- فسنكون أمام ضخ جديد للعملة التركية، وربما مزيد من تراجع سعرها".
وارتفع سعر الذهب في الأسواق التركية اليوم، ليصل سعر الغرام من عيار 22 قيراطاً إلى 922 ليرة ويتعدى سعر الغرام من عيار 24 قيراطاً 1005 ليرات، وهو أعلى سعر للذهب بالأسواق التركية منذ عشرين عاماً.
لكن الآمال التركية هذا العام معقودة على ما يدره قطاعا السياحة والصادرات من قطع أجنبي، يساهم برأي مراقبين بتوازن العرض والطلب بالسوق بعد الإقبال على الدولار والذهب.
ويلفت الاقتصادي التركي مسلم أويصال إلى أن اقتصاد بلاده لهذا العام "أفضل بكثير من العامين الماضيين، وذلك رغم أزمة الوقود والغذاء العالمي، لأن مؤشرات قائمتي الاقتصاد التركي، السياحة والصادرات، هي الأفضل منذ عام 2019، وهذان القطاعات هما الموردان للقطع الأجنبي الذي يوازن العرض والطلب، ويقلل من تراجع سعر صرف الليرة، إن لم يحسنها".
ويشير إلى "فائدة "رخص العملة" بزيادة تدفق الصادرات واستقطاب السياح، لكن رخص العملة ليس سياسة حكومية لزيادة أرقام الصادرات والسياحة، كما أشاع البعض".
استمرار النمو؟
ويأخذ أويصال من أرقام الصادرات والسياحة المؤشرات الحقيقية لواقع الاقتصاد التركي، الذي رآه "يسير بذات الزخم بالنمو ليبلغ حلم دخول نادي العشرة الكبار، لكن ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً أهم معوّقات الاقتصاد، لأن فاتورة استيراد الطاقة تقترب من 50 مليار دولار".
وكان رئيس مجلس المصدرين الأتراك إسماعيل غولّة، قد قدّر الرفع من قيمة صادرات بلاده من 250 إلى 300 مليار دولار هذا العام، مضيفاً، خلال افتتاح اجتماعات "منتدى إسطنبول 21" قبل أيام، أن التطورات التي شهدتها التجارة العالمية في العامين الأخيرين "فتحت الباب أمام تركيا لوضع خريطة طريق خاصة بها في ما يتعلق بقطاع الصادرات".
ويضيف غولّة أن صادرات بلاده نمت العام الماضي بنحو 33%، مسجلة 225 مليار دولار، كاشفاً عن استهداف رفع قيمة الصادرات إلى 400 مليار دولار بحلول 2026، وإلى 500 مليار دولار في 2030، وأن هذه الأهداف قابلة للتحقيق إن كانت الظروف الدولية ملائمة لذلك.
كذلك تتطلع تركيا، التي يرى مختصون أنها تستفيد من رخص عملتها، إلى جذب أكثر من 40 مليون سائح، لتقترب من عام الذروة عام 2019، وقت استقبلت أكثر من 50 مليون سائح.
ورفع وزير الثقافة والسياحة التركي، محمد نوري أرصوي، توقعات عدد السياح إلى 42 مليون سائح، وعائدات بقيمة 35 مليار دولار العام الجاري، مضيفاً، خلال تصريحات لتلفزيون محلي أخيراً، أن الوزارة تواصل منذ عام 2019 تطوير استراتيجيات مختلفة تتعلق بالقطاع السياحي، لكن الوزارة هذا العام كثفت حوافزها لإقامة المهرجانات وآلاف الفعاليات الفنية.
وتتمثل المخاوف على مستوى معيشة الأتراك بعد التضخم الأعلى منذ عشرين عاماً، جراء تراجع سعر الليرة التركية، التي يرى مراقبون أن تأريخ تراجعها بدأ منذ ليلة 15 يوليو/ تموز عام 2016 بالتزامن مع المحاولة الانقلابية الفاشلة.
مسار الهبوط
واستمر التراجع الطفيف خلال عام 2016 ليقفل العام على نحو 3.5 ليرات مقابل الدولار، لكن في عام 2017، الذي بدأ بأحداث سياسية محلية، من مناقشة البرلمان تعديلات دستورية تزيد من صلاحيات الرئيس وتتجه بالنظام التركي نحو النظام الرئاسي، تلته توترات تركية مع الولايات المتحدة، أقفل على 3.8 ليرات للدولار الواحد.
مطلع عام 2018، وبعد نزع جزئي لفتيل التوتر مع الولايات المتحدة، وارتفاع قيمة الصادرات وعائد السياحة، تحسن سعر صرف الليرة التركية لتعود إلى عتبة 3.7 ليرات للدولار.
لكن منتصف عام 2018، وبعد الحكم على القس الأميركي "برانسون"، بدأت الليرة بالتذبذب لتفقد 19% من قيمتها ليلة 10 أغسطس/ آب، وقت تصاعد التوتر بين أنقرة وواشنطن، وضاعف الرئيس ترامب الرسوم على الصلب والألومنيوم التركيين، ليدعو الرئيس رجب طيب أردوغان الشعب التركي، قائلاً: "إن كان لديكم أموال بالدولار أو اليورو أو ذهب تدخرونه، اذهبوا إلى المصارف لتحويلها إلى الليرة التركية، إنه كفاح وطني".
ليبدأ عام 2019 بسعر دولار أكثر من 5 ليرات تركية، وتتهاوى في إبريل/ نيسان العام نفسه إلى ما دون 7 ليرات، قبل أن تتحسن وينتهي العام على 5.8 ليرات مقابل العملة الأميركية.
وتتالى مشوار التراجع بعام كورونا 2020، الذي ترافق مع تراجع الصادرات والسياحة، فبدأته الليرة بنحو 6 ليرات مقابل الدولار، وتسجل في شهر أكتوبر من عام 2020 أدنى سعر، وقت هوت إلى 8.5 ليرات مقابل الدولار الواحد.
وذلك قبل أن يتحسن سعر الصرف إلى 7.4 مطلع العام الماضي، الذي انتهى عند أكثر من 13 ليرة مقابل الدولار، مع استثناء هزة ديسمبر/ كانون الأول حين هبطت الليرة إلى أدنى سعر، مسجلة 18.4 مقابل الدولار، متأثرة بآخر تخفيض لسعر الفائدة بنحو 100 نقطة أساس لتثبت منذ ذاك عند 14%.