الغاز الجزائري يكتسب أسواقاً جديدة في أوروبا على خلفية حرب أوكرانيا

03 نوفمبر 2024
منشآت غاز في الجزائر (رياض كرامدي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توسع سوناطراك في أوروبا الشرقية والوسطى: استغلت سوناطراك الجزائرية الفرص الناشئة من الحرب الروسية الأوكرانية لتوسيع نطاقها في أوروبا، حيث بدأت إمداد جمهورية التشيك بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب ترانسميد في أكتوبر 2024، مما يعزز مكانتها كمورد موثوق في السوق الأوروبية.

- استعادة وتوسيع الأسواق التقليدية: استأنفت سوناطراك إمدادات الغاز إلى سلوفينيا ووقعت عقودًا جديدة مع شركات سلوفينية وألمانية، وبدأت إمداد كرواتيا والمجر بالغاز الطبيعي المسال، مما يعزز وجودها في الأسواق الجديدة والتقليدية بجنوب أوروبا.

- استراتيجية سوناطراك في مواجهة التحديات التنافسية: تواجه سوناطراك منافسة شديدة من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي والقطري والنيجيري، لكنها تستغل ميزة خطوط الأنابيب المباشرة إلى أوروبا لتعزيز وجودها في الأسواق الجديدة كجزء من استراتيجيتها التسويقية.

أظهرت تبعات الحرب الروسية الأوكرانية توسعا وتمددا لشركة المحروقات الجزائرية سوناطراك لوسط وشرق القارة الأوروبية، ما سمح بوصول الغاز الجزائري إلى أسواق جديدة، تضاف إلى البلدان التقليدية التي يوجد بها عملاق الطاقة العربي منذ عدة عقود.

وفي هذا السياق، أعلنت شركة سوناطراك للنفط والغاز المملوكة للدولة، اليوم الأحد، أنها شرعت بتاريخ 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، في بدء إمداد جمهورية التشيك بالغاز الطبيعي لأول مرة، وذلك في إطار عقد شراء وبيع مع شركة "شاز" تم توقيعه مؤخرا بين الجانبين (لم تذكر تاريخ التوقيع).

ولفت بيان شركة النفط الوطنية الجزائرية إلى أن إمدادات غاز الجزائر الموجهة لجمهورية التشيك سيتم نقلها عبر خط أنابيب ترانسميد، المعروف أيضا بتسمية "إنريكو ماتاي"، والذي يربط الجزائر بإيطاليا، مشيرة إلى أن هذا العقد توج مفاوضات استمرت لمدة عامين بين الطرفين.

واعتبرت سوناطراك أن هذا العقد يعتبر "حجر الأساس لتعزيز التعاون بين سوناطراك و"شاز" بهدف تقوية العلاقة بينهما على المدى الطويل"، مضيفة أن الاتفاق يعتبر أيضا خطوة استراتيجية تتيح لسوناطراك الاستحواذ على حصة في سوق الغاز التشيكي، مما يعزز أيضاً دورها كمورد موثوق وطويل الأمد للغاز الطبيعي في السوق الأوروبية".

الغاز الجزائري يكتسب أسواقاً في وسط وشرق أوروبا

ولاحت بوادر مكاسب عملاق الطاقة الجزائري بشرق القارة الأوروبية في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، من خلال استئناف إمدادات الغاز الجزائري إلى دولة سلوفينيا في خريف 2022، بعد انقطاع بدأ في 2012. ووقعت سوناطراك عقدا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، مع شركة "جيوبلن" السلوفينية، لمدة ثلاثة أعوام اعتبارا من يناير/ كانون الثاني 2023، يقضي بتوريد كميات ضخمة من الغاز الجزائري تقدر بـ300 مليون متر مكعب سنويا.

ولفتت سوناطراك حينها إلى أن هذا الاتفاق سمح لها من جهة باسترداد حصتها بالسوق السلوفينية، التي كانت قد مونتها بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب نقل الغاز إنريكو ماتاي خلال الفترة بين عامي 1992 و2012، ومن جهة أخرى بالمساهمة في تلبية طلب السوق الأوروبية من الغاز الطبيعي.

وخلال زيارة رئيس الوزراء السلوفيني روبرت غولوب إلى الجزائر في شهر مايو/ أيار الماضي، جرى توقيع اتفاق بين سوناطراك وشركة "جيوبلن" لزيادة الكميات من الغاز الجزائري إلى البلد الأوروبي، لتضاف إلى الكميات المتفق عليها خريف 2022، والمقدرة بـ300 مليون متر مكعب سنويا.

وفي فبراير/ شباط 2024، وقعت سوناطراك على اتفاق مع شركة الطاقة الألمانية "في.أن.جي" لإمداد البلد الأوروبي بالغاز الطبيعي على المدى المتوسط، عبر خط الأنابيب الذي يربط الجزائر بإيطاليا، وصولا إلى ألمانيا.

وعقب التوقيع قال الرئيس التنفيذي للشركة رشيد حشيشي إن هناك إمكانات كبيرة لتطوير التعاون التجاري بشكل أكبر، وتوسيعه في المستقبل إلى مجالات أخرى على غرار الهيدروجين".

وعلى نفس المنوال، بدأت سوناطراك إمداد كرواتيا والمجر بالغاز الطبيعي المسال لأول مرة. وذكر بيان للعملاق الجزائري وقتها أنه جرى تسليم أول شحنة من غاز الجزائر الطبيعي المسال إلى كرواتيا، وذلك على مستوى المحطة العائمة لإعادة تحويل الغاز إلى حالته الطبيعية (تغويزه)، وأكدت أن هذه الشحنة، التي جرى شحنها انطلاقا من مركب التمييع ببطيوة بوهران، غربي الجزائر، جرى تسليمها عن طريق ناقلة الغاز "الوقارتة"، المملوكة للشركة الحكومية.

ولفتت سوناطراك إلى أن جزءا من الغاز المسال الذي جرى شحنه إلى كرواتيا سيتم تحويله إلى دولة المجر عبر الشبكة الغازية الكرواتية.

أسواق الغاز الجزائري في جنوب أوروبا

وفي أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، عززت الجزائر من خلال سوناطراك، وجودها في سوق الغاز بجنوب القارة الأوروبية، الذي يعتبر بمثابة "السوق التقليدية" لصادرات غاز الجزائر. وبموجب ذلك رفعت سوناطراك إمداداتها إلى إيطاليا لتقارب نحو 25 مليار متر مكعب سنويا في 2022، وصارت المورد الأول لروما من هذا المصدر الطاقوي.

وعززت سوناطراك إمداداتها من غاز الجزائر إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، عبر أنبوب ميدغاز الذي يربط الجزائر بألميرية الإسبانية، لتموين المملكة والبرتغال بكميات تصل إلى 10 مليارات متر مكعب سنويا، مع كميات تحول إلى فرنسا في إطار عقد مع شركة "إينجي". وجددت سوناطراك عقب الحرب أيضا عقود إمداد الغاز الطبيعي المسال إلى كل من فرنسا واليونان وتركيا.

ويقول نائب أسبق للرئيس التنفيذي لشركة سوناطراك في حديث لـ"العربي الجديد"، فضل عدم كشف هويته، إن هذا التمدد نحو شرق أوروبا أملاه سببان رئيسيان، بمنطق اقتصادي بحت، بعيدا عن الحسابات السياسية التي تقال هنا وهناك، والتي كان بعضها على علاقة بالحرب الروسية الأوكرانية. وأوضح أن السبب الأول هو أن من صميم استراتيجية سوناطراك التسويقية، البحث عن أفاق وأسواق جديدة، خصوصا ما تعلق بالغاز الطبيعي المسال الذي يمكن أن يصل إلى وجهات بعيدة، كما هو الحال مع صادرات غاز الجزائر إلى كوريا الجنوبية والصين.

وكما هو معلوم فإن سوناطراك تمتلك شركة فرعية للنقل البحري هي "هيبروك"، التي تضم أسطولا من ناقلات نفطية وغازية بعضها من الحجم الكبير، لشحن المحروقات نحو مختلف الوجهات العالمية.

أما السبب الثاني، فيؤكد المسؤول السامي الأسبق بسوناطراك أنه يتعلق بكون الشركة الوطنية تعرضت لهجوم تنافسي حاد في أسواقها التقليدية بجنوب القارة الأوروبية، وخاصة من طرف الغاز الطبيعي المسال الأميركي، وبدرجة اقل من قطر ونيجيريا.

ورغم ذلك، قال المتحدث إن الجزائر لديها امتيازات لا يستطيع أي بلد منتج آخر للغاز الطبيعي المسال من خارج القارة العجوز أن يضاهيها، وهي ارتباطها بأوروبا عبر خطي أنابيب مباشرين لنقل غاز الجزائر إلى إيطاليا وإسبانيا، والثالث جرى توقيفه منذ خريف 2021، في إشارة للأنبوب المار عبر المغرب.

الجزائر لا تسعى إلى استغلال الوضع في روسيا

من جهته، يرى مراد برور، الخبير في شؤون الطاقة، والمستشار الأسبق للرئيس ‏التنفيذي لشركة سوناطراك، أن جمهورية التشيك التي لا تمتلك منفذاً على ‏البحر، كانت في السابق تستهلك الغاز الروسي على وجه الخصوص.‏ وأوضح الخبير مراد برور في حديث لـ "العربي الجديد"، أن الجزائر وسوناطراك ليستا بصدد ‏استغلال الوضع الذي تمر به روسيا لتسويق غاز الجزائر وزيادة الصادرات، وشدد بالمقابل على أنه ‏من حق أي منتج للغاز والطاقة بصفة عامة، أن يوسع قائمة عملائه ويبحث عن ‏آفاق جديدة.‏

واعتبر برور أن هذا المسار الجديد لغاز الجزائر نحو وسط أوروبا يعد أمراً في غاية ‏الأهمية، مشيرا إلى أن الغاز يدخل الشبكة الأوروبية عن طريق إيطاليا، قادما من ‏الجزائر، لتأخذ جمهورية التشيك الحصة المتفق عليها، حتى ‏لو لم تكن الكميات التي أخذتها بالضرورة قد جاءت من الجزائر.‏

ويعتقد المستشار السابق بشركة النفط الحكومية، أن خط الأنابيب الذي يربط الجزائر بإيطاليا يتوفر على قدرات نقل ‏غير مستغلة، بالنظر إلى أن طاقته الإجمالية تفوق 32 مليار متر مكعب سنويا، وبالتالي ‏يمكن أن يصل الغاز الذي تصدره سوناطراك إلى دول أخرى في شرق أوروبا، ‏أو حتى في شمالها، دون أي مشكلة.

المساهمون