يعد الاقتصاد أكبر تحد يواجه حكومة طالبان أو "إمارة أفغانستان الإسلامية" التي تشكلت الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من أن أفغانستان غنية بالموارد الطبيعية من المعادن وحتى النفط والغاز الطبيعي، إلا أن البلاد عاشت نحو 40 عاماً من الاضطراب السياسي، تحت الغزو السوفييتي المباشر ثم الغزو الأميركي.
وطوال هذه العقود ظلت أفغانستان خارج دورة التطور الاقتصادي العالمي وتعتمد على المساعدات والمعونات الدولية والاقتصاد " الاكتفائي" الذي يعتمد الزراعة فقط والمقايضات التجارية البسيطة.
وحسب بيانات البنك الدولي، حتى سقوط حكومة أشرف غني، فإن 44% من مواطني أفغانستان يعملون في الزراعة البدائية، ولم تتعد صادرات البلاد السنوية قيمة 800 مليون دولار، بينما بلغت الواردات أكثر من 8 مليارات دولار، أي أكثر من 10 أضعاف الصادرات، كما لم يتجاوز حجم الاقتصاد الأفغاني قيمة 22 مليار دولار.
الواقع الاقتصادي يضع طالبان أمام خيارات اقتصادية محدودة، وهي، ربما رهن مواردها الطبيعية بثمن بخس للصين مقابل الحصول على تمويلات عاجلة، أو الرضوخ للشروط الغربية مقابل الحصول على الاعتراف الدولي وعودة المساعدات
وكانت الحكومة الأفغانية خلال قرابة عقدين من الغزو الأميركي تغطي عجز الميزان التجاري الذي بلغ 30% من إجمالي الناتج المحلي، عبر المساعدات والمنح التي تقدمها الدول الغربية وقوات حلف الناتو والولايات المتحدة.
وكانت نفقات الحماية الأمنية وحدها تبلغ 28% من إجمالي الناتج المحلي بينما تغطي المساعدات نسبة 75% من النفقات الحكومية.
وبالتالي، ووفق محللين غربيين، يمكن القول إن حركة طالبان ورثت اقتصاداً متخلفاً يفتقر للبنى الأساسية التي تمكنه من تطوير الموارد الطبيعية وتنمية القطاع الخاص وقنوات التجارة.
وهذا الواقع الاقتصادي يضع حكومة إمارة أفغانستان الإسلامية أمام خيارات اقتصادية محدودة، وهي، ربما رهن مواردها الطبيعية بثمن بخس للصين مقابل الحصول على تمويلات عاجلة للصرف على نفقات الحكم وتلبية احتياجات الاقتصاد والمواطن، أو الرضوخ للشروط الغربية مقابل الحصول على الاعتراف الدولي وبالتالي عودة المساعدات.
على صعيد دول الجوار التي يمكن أن تقدم مساعدات لحكومة طالبان، عدا الصين، فإن باكستان تعيش أوضاعاً اقتصادية بالغة الصعوبة، كما أن إيران تعاني من الحظر الاقتصادي الأميركي، وبالتالي يرى خبراء أن حركة طالبان أمام خيارات كلها صعبة ومُرة خلال الشهور المقبلة.
في هذا الشأن تقول الدكتورة فاندا فيلاب براون، في تحليل بمعهد " تشاتهام هاوس" للدراسات الخارجية في لندن، إن الضغوط الاقتصادية الغربية على حكومة طالبان التي اتفقت عليها دول مجموعة السبع في اجتماعها بلندن الشهر الماضي، إما أن تقود إلى تحول جذري في مسار حركة طالبان السياسي وتصبح أكثر اعتدالاً، وبالتالي تكون مقبولة لدى الحكومات الغربية، أو تقود إلى انهيار حكومة طالبان عبر الإفلاس المالي والعجز الفعلي عن إدارة شؤون الاقتصاد وتسيير الحياة المعيشية للمواطنين، وهو ما تأمل فيه القوى الغربية.
لكن براون ترى أن آليات الضغوط الاقتصادية الغربية يجب أن تأخذ في الاعتبار "مأساة الشعب الأفغاني"، وبالتالي ربما تخفيف الضغوط عبر السماح بالمساعدات.
وفي شأن تخفيف الضغوط المعيشية على الشعب الأفغاني، تعهد مؤتمر المانحين الذي عقد يوم الاثنين في جنيف، بتقديم نحو مليار دولار كمساعدات لأفغانستان، بعد تحذيرات من الأمم المتحدة من "كارثة تلوح في الأفق".
موقف الدول الغربية الرافض للاعتراف بحكومة طالبان قد يقود إلى أزمة اقتصادية وكارثة إنسانية في البلاد، ولكنه لن يسقط حكومة طالبان أو يؤدي إلى انهيارها وفق مراقبين
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أمام الوزراء المشاركين في المؤتمر، إنه "من المهم جداً" أن تتواصل المنظمة الدولية مع حركة طالبان لتسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان وتوزيعها.
وسعى المؤتمر لجمع مبلغ قدره 606 ملايين دولار يمكنها أن تنقذ حياة ملايين الأفغان في الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الحالي، لكنه انتهى بجمع مبلغ أكبر.
وترى الأمم المتحدة أن "الأفغان بحاجة ماسة إلى الغذاء والدواء والخدمات الصحية ومياه للشرب والصرف الصحي".
من جانبه يرى البروفسور جيفري ساكس أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، أن موقف الدول الغربية الرافض للاعتراف بحكومة طالبان سيقود إلى أزمة اقتصادية وكارثة إنسانية في البلاد، ولكنه لن يسقط حكومة طالبان أو يؤدي إلى انهيارها، إذ لم ينجح الحظر الأميركي والغربي الذي طبقته الولايات المتحدة وبشدة على إيران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا في إسقاط النظم السياسية في هذه الدول.
ويقول البروفسور ساكس، إن على الولايات المتحدة أن تتعامل بواقعية لإنهاء "مأساة أفغانستان التي شاركت في صنعها واستمرت لفترة 40 عاماً".
وينصح استاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد إدارة الرئيس بايدن بتبني برنامج لمساعدة الشعب الأفغاني وتنمية الاقتصاد بالتعاون مع كل من بكين وموسكو، بدلاً من مواصلة الحظر وتعليق المساعدات. ويقول ساكس إن التعاون والتنمية والسلام هو الحل الوحيد لأزمة أفغانستان.
وفي ذات الصدد، يرى خبراء أن موقع أفغانستان الاستراتيجي الذي يربط بين الصين وأوروبا ويجاور دول النفوذ الروسي في آسيا الوسطى، يجب أن لا يترك فارغاً للنفوذ الروسي والصيني في وقت تتبنى فيه إدارة جو بايدن استراتيجية محاصرة "التمدد الاقتصادي والتجاري الصيني" وتعمل على قطع الطريق أمام نجاح مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
المواطن الأفغاني لم يدعم حكومة أشرف غني، لأنها صرفت الأموال على حماية أمن القوات الأميركية، ولم تصرفها على تنمية الاقتصاد والخدمات الصحية والتعليمية وتطوير البنى الأساسية
وينتقد البروفسور ساكس، سياسة بلاده الخارجية ويقول: "لدى واشنطن الكثير من المعرفة بكيفية معاقبة الدول والقليل بكيفية معالجة الأزمات التي تنشأ من العقوبات".
ويشير إلى أن المواطن الأفغاني لم يدعم حكومة أشرف غني، لأنها حكومة صرفت الأموال على حماية أمن القوات الأميركية، ولم تصرفها على تنمية الاقتصاد والخدمات الصحية والتعليمية وتطوير البنى الأساسية بأفغانستان.