تغير الظروف الحياتية الصعبة التي تواجهها الطبقة المتوسطة في ليبيا من الأنماط المعيشية بشكل عام، إذ لم تعد التغييرات تقتصر على بنود الإنفاق وإعادة ترتيب الأولويات، وإنما امتدت إلى ظروف العمل، ليبحث الكثيرون عن عمل إضافي قد لا يمت بصلة إلى مجال تخصصاتهم، وذلك للحصول على بضع مئات من الدنانير تعين الأسر على تلبية احتياجاتها.
يقول مالك الزنتاني، الذي يعمل طبيباً في مستشفى طرابلس الجامعي لـ"العربي الجديد" إن راتبه من العمل في المستشفى لم يعد يكفي لدفع ايجار المسكن ومشتريات الطعام وفواتير الكهرباء والاتصالات لأسرته الصغيرة المكونة من طفلين وزوجته التي تعمل في نفس مهنته، مشيرا إلى أن تضاعف أسعار السلع الأساسية دفعه إلى البحث عن عمل إضافي في القطاع الخاص بعد انتهاء دوامه في المستشفى.
وربما يكون الزنتاني أفضل حالاً من الكثيرين إذ يعمل في نفس تخصصه في العمل الإضافي، بينما سالم بشير، وهو مدرس لمادة الجغرافيا في مدرسة ابتدائية بالعاصمة، إلى أنه انتقل من وظيفة إلى أخرى في غير مجال تخصصه خلال رحلة العمل الإضافي خلال الأشهر الماضية، مؤكدا أنه مضطر إلى القبول بأي عمل في ظل صعوبة المعيشة مع الغلاء ونقص السيولة فضلا عن ان المجتمع أصبح طبقة غنية وأخرى فقيرة، والطبقة الوسطى تلاشت.
وأضاف بشير لـ"العربي الجديد" أنه يتنقل من وظيفة الى أخرى بدوام جزئي من موظف مبيعات إلى سائق سيارة أجرة بدون تراخيص إلى بائع خضروات نهاية الأسبوع إلى سمسار عقارات في مواسم الصيف.
ويقول المحلل الاقتصادي محمد الشيباني، إن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ومن قبلها جائحة كورونا فاقمت من الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلد الذي تأثر بجانب الانقسامات بانخفاض سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية، مشيرا إلى أن التأثيرات لم تعد تقتصر على الفقراء وإنما امتدت إلى الطبقة المتوسطة التي خارت قواها الشرائية أمام ما وصفه بـ"تسونامي التضخم".
ويضيف الشيباني لـ"العربي الجديد" أنه لابد من أن تكون هناك برامج للحماية الاجتماعية للتخفيف من حدة الفقر والحفاظ على الطبقة الوسطى التي تتلاشى.
وتعتمد ليبيا على استيراد معظم احتياجاتها من السلع من الخارج بنسبة 85%. ويبلغ سعر صرف الدولار رسمياً نحو 5 دينانير، بينما يتجاوز في السوق السوداء 5.3 دنانير بعد أن بدأت الحكومة في خفض قيمة العملة الوطنية مطلع عام 2021، بنحو 70% من 1.5 دينار للدولار الواحد إلى 4.83 دنانير للدولار.
ويرى الخبير الاقتصادي عطية الفيتوري، أن ارتفاع الأسعار من سلع وخدمات يتطلب رفع الدخول لمواكبة الزيادة في معدلات التضخم، مشيرا إلى أن رواتب بعض الفئات في المجتمع لا تكفي عشرة أيام، وذلك نتيجة عدم عدالة توزيع الدخول بين أفراد المجتمع.
وتأتي الضغوط المعيشية على الرغم من تمتع البلد بثروات نفطية ومعاودة الصادرات الصعود، ما دعا صندوق النقد الدولي إلى إصدار تقرير نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يتوقع فيه تصدر ليبيا قائمة الاقتصادات العربية الأسرع نمواً في 2023، بنسبة 17.9% وهي أعلى نسبة على المستوى العربي، علما بأن العراق كان صاحب صدارة الترتيب خلال العام 2022.
كما توقع صندوق النقد انخفاض أسعار المستهلكين (معدل التضخم) خلال العام المقبل إلى 2.6%، بعدما قدر العام الحالي بنحو 6%، الأمر الذي سينعكس إيجابا على القدرة الشرائية للمواطنين.