اندفعت العديد من الدول الأوروبية منذ منتصف العام الماضي، إلى زيادة الاعتماد على الفحم الذي تستورده بشكل كبير من روسيا، لتشكل نحو 45% من وارداتها لهذه المادة، من أجل تشغيل بعض محطات الكهرباء، للحد من تكاليف فاتورة ارتفاع أسعار الغاز، لكن المشهد قد يكون أكثر تعقيداً بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية في ظل ضغوط البعض بأن تطاول العقوبات ضد روسيا الفحم .
وما أن غزت روسيا أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، سارعت الدول الأوروبية، إلى تعزيز تحركاتها للتخلي عن الغاز الروسي، والبحث عن بدائل تتمثل في استيراد الغاز المسال من موردين آخرين والاعتماد بشكل أكبر على الطاقة المتجددة، رغم الكلف المرتفعة لهذه البدائل.
لكن يبدو أن هذه الكلف لن تقتصر على الغاز والنفط وإنما الفحم كذلك الذي اضطرت دول عدة إلى اللجوء إليه كبديل لاستمرار تشغيل بعض محطات الكهرباء. ويتعرض الأوروبيون لضغوط أميركية من أجل استهداف قطاع الطاقة الحيوي لموسكو وقطع عائداتها الضخمة من مبيعات الغاز والنفط والفحم التي تساهم في تمويل نفقاتها العسكرية.
وقالت واشنطن، يوم الإثنين الماضي، إن عقوبات جديدة ستُفرض على روسيا "هذا الأسبوع"، ليعلن الاتحاد الأوروبي، يوم الثلاثاء، اعتزامه فرض عقوبات على روسيا تطاول النفط والفحم. إذ قال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والمالية في الاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس لدى وصوله لإجراء محادثات مع وزراء أوروبيين في لوكمسبورغ "لا أريد استباق الأمور لكن هناك بالفعل مباحثات حول ما يمكن فعله في قطاعات الطاقة مثل الفحم والنفط".
ويتطلب تبني العقوبات إجماع دول التكتل الـ27. وحتى الآن امتنعت دول تعتمد بدرجة كبيرة على روسيا في إمدادات الطاقة، مثل ألمانيا والنمسا وإيطاليا، عن توسيع نطاق العقوبات لتشمل الغاز أو النفط. وقاومت نداءات بذلك من بولندا ودول البلطيق إضافة إلى الولايات المتحدة.
وقالت ألمانيا، الإثنين الماضي، إن الغاز لا يزال غير مطروح لغاية الآن، نظرا لأهميته بالنسبة للاقتصاد الأوروبي في الوقت الحاضر. ورغم أن الاعتماد على الفحم الروسي أقل أهمية من الغاز، إلا أن التخلي عنه لن يكون سهلاً أيضا، ويحتاج إلى المزيد من الوقت من جانب العديد من الدول.
وأظهر تقرير من وزارة الاقتصاد الألمانية، الثلاثاء الماضي، أن ألمانيا ستضطر على الأرجح لوقف تشغيل بعض محطاتها للكهرباء، إذا أنهت واردات الفحم من روسيا على الفور، رغم أن اعتمادها على روسيا في ذلك الوقود ينكمش سريعاً.
وقال التقرير إن ألمانيا قد تصبح مستقلة عن الفحم الروسي بحلول الخريف، لكن حظراً فوريا على واردات الفحم من روسيا سيؤدي إلى "نقص في الفحم بعد أسابيع قليلة".
وأشار التقرير إلى أن حصة روسيا في واردات ألمانيا من الفحم ستهبط إلى 25% في الأعوام القليلة القادمة من المستوى الحالي البالغ 50% بسبب تغييرات في العقود مؤخراً.
وجاء المقترح الغربي بفرض عقوبات على الفحم الروسي، بينما كانت ألمانيا تدرس بالأساس تمديد استخدامها للفحم، حيث اضطرتها الحرب الروسية في أوكرانيا إلى إعادة التفكير في خططها للطاقة، وفق تصريحات اخيرة لوزير الاقتصاد روبرت هابك.
وقال الوزير الذي شغل في السابق منصب الرئيس المشارك لـ"حزب الخضر"، في حوار مع تلفزيون "إيه آر دي" في وقت سابق من الشهر الجاري إن محطات الفحم يمكن أن تعمل لفترة أطول، بل إنه قال إنه لا "يعارض أيديولوجياً" تمديد استخدام الطاقة النووية.
وأقر بأن تمديد استخدام الفحم إلى ما بعد عام 2030 قد ينطوي على مخاطر، مضيفا أن استمرار الوضع الحالي "يعني اعتماداً أطول على الفحم، وربما أيضاً على روسيا.. أو نحصل عليه من مكان آخر".
ولا يقتصر الأمر على ألمانيا أكبر اقتصاد في أوروبا، وإنما تدرس إيطاليا الاعتماد جزئياً على الفحم أيضا، ضمن خطتها الجديدة لكسر اعتمادها على الغاز الروسي.
قال رئيس الوزراء ماريو دراغي، نهاية فبراير/ شباط، إن بلاده قد تعيد تشغيل بعض محطات الفحم المغلقة للمساعدة في سد فجوة إمدادات الطاقة التي تلوح في الأفق وتقليص اعتمادها على روسيا، التي تمثل حالياً 45% من إمدادات الغاز الإيطالية.
وجاءت تصريحات دراغي بعد ساعات فقط من إعلان "إينل" أكبر شركة كهرباء في البلاد، أنها تلغي خططها لتحويل أكبر محطتي طاقة تعملان بالفحم في إيطاليا إلى غاز. بينما كانت الشركة تهدف إلى وقف استخدام الفحم بحلول عام 2027 والغاز بحلول عام 2040.
وأنفقت إيطاليا بالفعل حوالي 16 مليار يورو (18 مليار دولار) لحماية الشركات والمستهلكين من تأثير ارتفاع تكاليف الطاقة. ويأتي حوالي 50% من إمدادات الفحم في البلاد من روسيا. ويمثل توليد الطاقة من الفحم حالياً حوالي 6% فقط من إجمالي مزيج الطاقة في إيطاليا، وفقاً لتقديرات هيئة إدارة خدمات الطاقة في البلاد.
وتُعتبر أوروبا أكبر مشترٍ للفحم الحراري الروسي، الذي يُستخدم في محطات الكهرباء بشكل كبير بمناطق وسط وشرق القارة. ويحظى الموردون من كولومبيا، وجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة الآن بالفعل بطلب أكبر، وقد تشتري أوروبا احتياجاتها من دول أبعد مثل أستراليا وإندونيسيا.
ويبدو أن الفحم في وضع يسمح له بالحفاظ على جاذبيته لفترة من الزمن، إذ تقل نفقات استهلاكه عن الغاز. لكن أسعاره تسجل ارتفاعات قياسية أيضا، ما يعني زيادة في فواتير الطاقة لدى الأسر وكبار المستهلكين مثل شركات صناعة الصلب لكنها ستكون أقل كلفة من الغاز، بينما ثمنها السياسي والبيئي سيكون باهظاً للأوروبيين الذين اتخذوا على مدار سنوات ماضية خطوات نحو تقليص الانبعاثات.
ووفق صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، فإن إعادة أوروبا فتح محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، يعد صعبا للغاية من الناحية السياسية بالنسبة للعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي لديها التزامات قوية بأهداف تغير المناخ، رغم أن حكومتي إيطاليا وألمانيا اعتمدتا بالفعل إجراءات طارئة للطاقة في حالة انقطاع الغاز الروسي.
ومطلع الأسبوع الجاري، تجاوزت أسعار الفحم في الولايات المتحدة 100 دولار للطن، لتسجل أعلى مستوى منذ 13 عاماً، وسط اضطراب أسواق الطاقة العالمية، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية.
تزداد الأسعار حول العالم، حيث اندفع المستهلكون بسبب الحرب في أوكرانيا للبحث عن بدائل للفحم الروسي، الذي ساهم بنحو 18% من الصادرات العالمية في 2020.