على وقع ارتفاع سعر صرف الدولار الجنوني في السوق السوداء وانهيار قيمة العملة الوطنية، الليرة، خرج رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان حسان دياب ووزير المال غازي وزني بمواقفٍ تزيد من القلق الشعبي ومخاوف المواطنين بدل طمأنتهم وتهدئة الشارع الغاضب.
وأعلن كلّ من دياب ووزني، الثلاثاء الماضي، في تصريحات صحافية، عن أن البلاد يمكن أن تبقي على دعم أغلب السلع حتى يونيو/حزيران المقبل، وسيصار تدريجياً إلى زيادة أسعار البنزين لإنقاذ الاحتياطيات بالعملات الأجنبية المتضائلة.
ويكلف الدعم، وفق ما قال وزني 500 مليون دولار في الشهر الواحد، أي 6 مليارات دولار في السنة، في حين أنّ الاحتياطات بالعملات الأجنبية المتبقية في مصرف لبنان تبلغ 14 مليار دولار، ولا يمكن استخدام سوى نحو 1.5 مليار دولار منها فقط لتمويل الدعم، ما يكفي لشهرين أو ثلاثة أشهر، علماً أن الاحتياطات كانت تبلغ حوالي 30 مليار دولار قبل عام واحدٍ.
وشهدت محلات السوبرماركت تهافتا كبيرا للمواطنين على شراء المواد الغذائية لتخزينها في المنازل تخوفاً من ارتفاع أسعارها، وأدى البحث عن المواد المدعومة المخبأة وغير المعروضة للبيع أو الموزعة على المحال بكميات ضئيلة إلى حصول إشكالات كثيرة بين الزبائن والموظفين وتكرار مشاهد اقتحام السوبرماركات من جانب المحتجين لإرغام أصحابها على عرض البضائع المدعومة والتوقف عن التلاعب بالأسعار.
الحكومة وضعت 4 سيناريوهات لترشيد الدعم، منها رفع الدعم كلياً من دون استثناءات
يقول وزير الاقتصاد السابق آلان حكيم لـ"العربي الجديد" إنّ سياسة الدعم عامةً متعلقة بشكل وثيق بالسياسات الاقتصادية والمالية للدول وليس بالسياسة النقدية، بعكس ما هو حاصلٌ في لبنان.
ويضيف حكيم أن "الدعم إيجابي لكن في الحالات الخاصة والطارئة ولحالات معيّنة، مثلاً الدعم للتطوير الصناعي والابتكار وحماية البيئة وتحسين توزيع السلع ودعم المصدّرين ومساعدة القطاعات الضعيفة والخدماتية، أما واقع الدعم في لبنان فهو لغايات سياسية حزبية وطائفية ومصالح خاصة، على أن الغاية الأكبر للدعم هي التهريب وهذا يظهر جلياً أخيراً مع الصور التي تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتظهر بيع بضائع مدعومة في الخارج".
ويرى أن ما يحصل اليوم هو صرف لما تبقّى من ودائع المواطنين في المصارف وأموال في جيوبه، لافتاً، إلى أن الاتجاه إلى رفع الدعم تدريجياً في شراءٍ للوقت في ظلّ غياب الحلول المستدامة.
في المقابل، يلفت وزير الاقتصاد السابق إلى أن الإبقاء على الدعم وخفضه ضروري اليوم ومطلوب في ظل الانهيار الحاصل على مختلف الأصعدة، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، شرط أن يكون محصوراً في إطار إدارة حكيمة ورشيدة وشفافة ومعايير واضحة لضبطه ومنع تفلّته ومراقبته، لأن السلطات اللبنانية فشلت في إنجاح الدعم واعتمدت سياسات تقليدية شعبوية تجعل رأس المواطن في الرمال كالنعامة تماماً وتزيد من حال الفقر ومعاناة الشعب اللبناني. وبالتالي، فإن الإبقاء على الدعم بشكله الحالي يدفع ثمنه المواطن وهو عار على الإدارة.
من جهتها، تقول الباحثة في الاقتصاد النقدي، ليال منصور، لـ"العربي الجديد" إنّ فكرة الدعم تعتمد في الظروف الصعبة، لكن يجب أن تكون مؤقتة وإلا تصبح انعكاساتها على المجتمع سلبية لا إيجابية.
وتشبه منصور الدعم بالمهدئات التي تعطى للمريض لفترة محددة زمنياً لتأدية دورها في علاجه، ولكن عندما تطول ويعتاد عليها الشخص نصبح أمام إدمان، وهذا هو حال لبنان.
وتشير منصور إلى أن رفع الدعم الذي يعتمده ساسة لبنان لا تقابله أي خطة ناجحة أو برنامج صريح ومفصّل أو أقل البديهيات الاقتصادية، بل تقتصر خطواتهم على الصرف العشوائي الذي يزيد التضخم ويفاقم الأزمات ويقضي على المجتمع والطبقة الوسطى بشكل خاص.
وتتحدث الباحثة في الاقتصاد النقدي عن سيناريوهين يتم التداول بهما اقتصادياً، الأول أنّ الدولار سيواصل ارتفاعه والتجار سيزيد طلبهم في ظلّ غياب الدعم، أما الثاني، فيقول بأن لا ضرورة لارتفاع الدولار، باعتبار أنّ غلاء البضائع يؤدي حتماً إلى خفض الطلب، وهذا التفكير هو الخطأ الأكبر.
وتضيف منصور، "القول بأن رفع الدعم يصحح العرض والطلب هو أكبر غلط (خطأ)، حيث إن نقص الطلب بحالة لبنان لا يعني أننا أمام نمو اقتصادي أو تصحيح للاقتصاد بل يجعلنا في حالة تدمير الاقتصاد، وانهيار شامل كونه ناجما عن فقر وانعدام القدرة الشرائية عند اللبنانيين".
وتلفت إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار لا سقف له خصوصاً في ظل غياب أي مؤشرات إيجابية أو عوامل يمكن الاعتماد عليها للتحدث بإيجابية عن الوضع إذ لا وظائف، ولا نمو، ولا أموال تدخل البلاد وتصرف في السوق المحلي، ولا سياحة ولا محاسبة ولا استعادة للأموال المنهوبة، أما الاستقرار السياسي فلا شكّ أنه سيلعب دوره، في حال تشكيل الحكومة، باعتبار أنه يعطي نوعاً من الطمأنينة، لكن السقف في هذه الحالة يكون هشّاً ومن ورقٍ، ويمكن أن يخرق في أي لحظة.
في السياق، قال عدد من أصحاب محطات المحروقات لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع أسعار المحروقات الذي شهده لبنان، أمس، وخصوصاً البنزين والمازوت، لا علاقة له بالدعم أو رفعه بل مرتبط بارتفاع سعر صرف الدولار.
وأكدوا أن الدعم للقطاع هو بنسبة 85% حالياً، لكن في حال ترشيده في الفترة المقبلة فإنّ سعر صفيحة البنزين على سبيل المثال قد يتخطى الخمسين ألف ليرة لبنانية (حوالي 33 دولارا وفق سعر الصرف الرسمي).
بدوره، يؤكد نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ"العربي الجديد" أن " آلية دعم البنك المركزي للسلع والمواد الغذائية لم تكن صحيحة من الأساس، حيث إن المطلوب هو دعم المواطن لا السلع التي للأسف تهرّب إلى الخارج بمعظمها ويحرم منها اللبنانيون، من هنا تأتي أهمية إعادة النظر بها بعدما أصبحت تداعياتها أخطر من الغاية المرجوة منها، وسلك اتجاهات أخرى بديلة منها، مثل تكليف وزارة الشؤون الاجتماعية بتوزيع المواد المدعومة على المواطنين مباشرة للتأكد من ذهابها الى المكان الصحيح".
ويتخوف اللبنانيون من رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية وانعكاسات هذه الخطوة معيشياً واقتصادياً، بحيث من شأنها أن تؤدي الى ارتفاع سعر صرف الدولار، واستمرار انحدار العملة الوطنية وقيمة الرواتب والأجور، وغلاء معيشي إضافي مع زيادة أسعار المواد الغذائية، ما يعني حتماً تقليصا مضاعفا للقدرة الشرائية، بحيث ستصبح بعض المواد الغذائية التي كان يعتبرها المواطن أساسية في حياته، كماليات يصعب تأمينها، إضافة إلى أن الغلاء سيطاول مختلف القطاعات التي سيرفع عنها الدعم، منها المحروقات والكهرباء وحكماً تعرفة المولدات.
ووضعت الحكومة 4 سيناريوهات لترشيد الدعم، منها رفع الدعم كلياً من دون استثناءات، والخفض التدريجي، إضافة إلى دعم نسبي يحدد لكل سلعة أو قطاع يقابلها بطاقة تمويلية لكل عائلة، بما يشبه الدعم المباشر.
وتمول البطاقة من قبل الحكومة بعد أخذ الإجراءات المنسقة بين وزارة المالية ومصرف لبنان وإقرار القوانين التشريعية اللازمة من قبل مجلس النواب على قيمة الدعم والبطاقة التمويلية، مع ضرورة البحث عن مصادر تمويل مع ضرورة طلب المساعدة من الدول المانحة والبنك الدولي.