تدفع الخسائر الفادحة التي يتعرض لها المزارعون في العراق جراء إغراق الأسواق بالمحاصيل الأجنبية، نحو تعميق أزمة الزراعة في البلد الذي يشهد بالأساس شحاً في الموارد المائية والتمويل اللازم للأعمال، حيث يضطر الكثيرون إما إلى بيع محاصيلهم بأثمانٍ بخسة أو إتلافها وهجرة الأراضي إلى أعمال أخرى.
ورغم منع الحكومة استيراد عدد غير قليل من المحاصيل التي تُزرع محلياً فإنّ القرار يبقى حبراً على ورق، وفق فاعلين في القطاع وخبراء اقتصاد، مشيرين إلى أن الأسواق مليئة بالمحاصيل الأجنبية التي تدخل عبر المنافذ الحدودية غير الرسمية.
يقول عمار التميمي أبو أحمد وهو أحد المزارعين في محافظة بابل (وسط العراق)، إن لديه أكثر من 40 دونماً (الدونم يعادل ألف متر مربع)، ولا يملك أي مصدر رزق يؤمن قوت يومه غير هذه الأرض فيضطر إلى زراعتها، بينما يشكو منافسة المحاصيل الأجنبية لمحصوله، مشيرا إلى أنه هناك قصدية يراد منها إغراق السوق في موسم الوفرة بالإنتاج.
ويضيف أبو أحمد لـ"العربي الجديد" أنه يزرع الباميا والباذنجان والطماطم والبطاطا والبطيخ، فإنّ هذه المحاصيل ورغم الجهد الكبير الذي يبذله مع أولاده والخسائر المادية أثناء موسم الزراعة لا تجني له مردوداً مادياً على الإطلاق، وغالباً ما ينتهي الموسم بخسائر فادحة.
ويعزو السبب إلى "كمية المنتجات الزراعية الأجنبية التي تدخل السوق مع وفرة الإنتاج المحلي، ما يدفع التجار إلى إجبار المزارعين على بيع منتجاتهم بثمن بخس دون وجود محاسبة حكومية"، لافتاً إلى أنّ "هناك من الفلاحين من يضطر إلى إتلاف محاصيله أو توزيعها مجاناً على المواطنين" بدلاً من بيعها بالخسارة للتجار.
من جهته، يقول سلام محسن، وهو صاحب مزرعة للعنب في محافظة ديالى (شمال شرقي العاصمة بغداد) إن "الموسم الزراعي الحالي يمثل أسوأ موسم مرّ به" موضحاً أنّه اضطر لبيع منتجه كاملاً بمليون ونصف المليون دينار (ما يعادل ألف دولار)، رغم أن مزرعته أنتجت قرابة أربعة أطنان من أجود أنواع العنب.
ويؤكد محسن لـ"العربي الجديد"، أنه باع منتجه لأحد التجار قبل موسم القطاف خوفاً من التلف أو عدم وجود من يشتريه خلال موسم الوفرة، مشيراً إلى أنّ السعر الذي باع به محصوله لا يغطي ربع حجم المصروفات التي ينفقها على مزرعته سنوياً. ويضيف أنه قرر أن يكون هذا الموسم هو الأخير، وسيقوم ببيعها واللجوء إلى مهنة أخرى توفر له قوت يومه.
ويكشف عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية في محافظة ديالى، عمار علي، أن "85% من المحصول الزراعي في أسواق مدينة ديالى مستورد من عدة دول، فيما يعتمد السوق على 15% من الإنتاج المحلي، رغم أن المدينة من المدن العراقية التي تمتلك أرضا واسعة صالحة للاستصلاح الزراعي".
يضيف علي في تصريحات خاصة أنّ "دول الجوار تقدم الدعم لهذا القطاع على العكس من سياسة العراق في هذا الشأن، ما أدى إلى تفاوت في الأسعار والاتجاه نحو المستورد لأسعاره المنخفضة من مختلف الدول ولجميع الأنواع. ويؤكد أن هذا الأمر ترتبت عليه آثار سلبية على الاقتصاد الوطني بسبب خسارة القطاع الزراعي والاعتماد على المنتج المستورد الرخيص، داعياً الجهات الحكومية إلى دعم القطاع والنهوض بالواقع الزراعي وتقليل المنتجات المستوردة.
ويشير خبير الأمن الغذائي عباس مهدي، إلى أن إغراق الأسواق بالمنتجات المستوردة يفاقم مشاكل القطاع الزراعي والعاملين فيه، الذين يعانون بالأساس من شح المياه وانقطاع الكهرباء وهجرة سكان الريف إلى المدينة التي تعاظمت بشكل غير مسبوق، ما يؤدي إلى انتكاسة للقطاع.
ويقول مهدي لـ"العربي الجديد" إن من واجب الحكومة أن تولي موضوع استصلاح الأراضي أهمية قصوى، بعد أن أصبحت البيئة المحلية طاردة وغير مشجعة على الزراعة.
وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم، حسب تصريحات أخيرة لوزير الزراعة محمد كريم الخفاجي، بعد أن كانت تستغل كلها قبل الغزو الأميركي للعراق منذ نحو 20 عاماً.
أما مساحة الغابات الطبيعية والاصطناعية فتشكل نسبة 6.1% فقط من إجمالي مساحة العراق، بحسب ما أفاد الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي عام 2020، الذي أشار إلى تدهور نسبة 69% من المساحات الزراعية بسب الجفاف وتعرض مساحات كبيرة منها لتجريف وتصحر.
بدوره، يشدد الخبير في الشأن الجمركي، مصطفى الفرج، على ضرورة إيجاد آلية للحد من تهريب السلع عبر المنافذ غير الرسمية، موضحا لـ"العربي الجديد" أن "هناك العشرات من المنافذ غير الرسمية في إقليم كردستان (شمالي العراق) يجري عبرها تهريب مختلف البضائع والمنتجات دون رقابة، ما يشكل خطراً كبيراً على الاقتصاد العراقي، كون هذه المنافذ لا تخضع للسيطرة النوعية والكمية من قبل الحكومة".
ويشير إلى أنّ "هذه المنافذ غالبيتها تكون في منطقة إبراهيم الخليل الحدودية، كما أنّ المنافذ الرسمية في كردستان لا تخضع للتعرفة الجمركية الرسمية للدولة وتتبع تعريفة خاصة بها ولا تستطيع الحكومة المركزية السيطرة عليها".
ويدعو الفرج إلى "أهمية أن تخضع جميع منافذ العراق للسلطة المركزية للسيطرة على كم ونوع البضائع الداخلة إلى البلد، لأن استمرار الأمر لا يتسبب فقط في خسائر للاقتصاد، وإنما يمثل خطراً على حياة العراقيين لأن هناك سلعاً وبضائع لا تخضع للرقابة الصحية وقد تكون منتهية الصلاحية".