لم يخفِ النقاش حول أسعار السلع الغذائية في المغرب خلال الأشهر الأخيرة، وضعية المزارع الصغير الذي يعاني من الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج وضيق هوامش الأرباح نتيجة عدم سلاسة التعاملات في السوق.
ويتجلى أن المزارعين الصغار لا يستفيدون من ارتفاع أسعار السلع التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث إن عدم تنظيم السوق يفضي إلى استفادة متدخلين آخرين من هوامش أرباح كبيرة على حساب المزارعين الصغار والمتوسطين.
بين الأمطار والتكاليف
يعتبر نائب رئيس جمعية مكثري البذور في المغرب، محمد إبراهيمي، أن المزارعين الصغار هم الذين يملكون أقل من خمسة هكتارات التي تمثل حوالي 85 في المائة من الأراضي الفلاحية. ويرى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن صغار المزارعين من منتجي الحبوب، لم يعودوا يأملون في تحقيق محصول يساعدهم على تعويض التكاليف المرتفعة التي تحمّلوها فى الموسم الحالي.
ويوضح أن محصول الحبوب نظرا لتأخر التساقطات المطرية الحاسمة في شهري مارس/آذار الماضي وبداية إبريل/نيسان الجاري، لن يمكّن من الحصول على سوى ما بين خمسة وسبعة قناطير في الهكتار الواحد. ويعتبر أن ذلك لن يكفي من أجل توفير إيرادات مجزية للمزارعين، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف البذور والأسمدة والمبيدات، بفعل الضريبة على القيمة المضافة التي تصل إلى 20 في المائة. ويشير إلى مربي المواشي الصغار الذين تأثروا بالجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف في السوق، حيث اضطر بعضهم إلى التخلي عن جزء من القطيع، ما سيحرمهم من إيرادات يتمنونها في عيد الأضحي.
توجيه السياسة الزراعية
لم يغب المزارعون الصغار عن النقاش الذي دار، أول من أمس، في لجنة المالية بمجلس النواب، حيث استضافت الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، التي تمثل مصالح المستثمرين في القطاع الزراعي، إذ جرى التأكيد على ضرورة معالجة الصعوبات التي يواجهها المزارعون الصغار. ويعتقد الباحث في القطاع الزراعي، الفاطمي بوركيزية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه يفترض بعد ذلك وضع العامل البشري في قلب السياسة الفلاحية، عبر تحسين ظروف الإنتاج للفلاحين الصغار والمتوسطين، بالموازاة مع تحسين التسويق بعدم ارتهانه للوسطاء، خاصة أولئك الذين يميلون لخلق وضعيات احتكارية.
يأتي طرح وضعية المنتجين في سياق ارتفاع أسعار السلع الغذائية، حيث عبرت وزارة الفلاحة عن التطلع إلى تدبير التناقض بين السياسة الفلاحية التي يفترض أن تؤمّن أسعارا جذابة لتشجيع المنتجين، والسياسية الغذائية التي يجب أن تتجه نحو الإبقاء على أسعار السلع الغذائية عند أدنى مستوى ممكن للمستهلكين. ويشتكي المستهلكون من ارتفاع أسعار السلع الغذائية، فقد بلغ معدل التضخم 10.7 في المائة في فبراير/شباط الماضي، غير أن تضخم أسعار السلع الغذائية وصل إلى 21 في المائة، حيث يمثل هذا التضخم 73 في المائة من إجمالي التضخم.
وسيشهد المغرب في مستهل مايو/أيار المقبل، تنظيم المعرض الدولي للفلاحة تحت شعار "السيادة الغذائية والاستدامة الفلاحية" التي يفترض ترجمتها عبر السياسة الفلاحية على مدى عشرة أعوام، وهو التوجه الذي شرع في الدعوة إليه مع تداعيات الأزمة الصحية والجفاف والحرب الروسية في أوكرانيا على العرض من السلع الغذائية وأسعارها.
تعليق الجباية
غير أنه في انتظار توضيح تفاصيل توجه السيادة الزراعية الذي يرى مراقبون أنه يجب المراهنة فيها على المنتجين الصغار والمتوسطين، تسعى الحكومة إلى معالجة مشكلة السلع الغذائية في السوق عبر التشاور مع الجمعيات الممثلة للمنتجين والمصدرين حول تدبير تصدير الطماطم، حيث يكون متناسبا مع الهدف الرامي إلى أعطاء الأولوية للسوق المحلية، خاصة في ظل تأكيد المنتجين على أن الأسعار عند التصدير تساعد على تعويض انخفاض الأسعار في السوق المحلية في بعض الفترات.
تلك أهداف يُراد تحقيقها لخفض الأسعار، غير أن الحكومة تركز على بحث تدبير يكون له أثر آني، ويتمثل في تعليق الضريبة على القيمة المضافة عند استيراد بذور الطماطم والمبيدات الحشرية، في الظرفية الحالية المتسمة بارتفاع تكاليف الإنتاج والخشية من تحول المزارعين إلى بعض الزراعات التي تتوفر على هوامش مرتفعة.
وكانت الحكومة عمدت، في الأشهر الماضية، إلى تفعيل الآلية الجبائية بهدف خفض الآسعار. وسبق لها وقف استيفاء الرسوم الجمركية على النباتات الزيتية، ولجأت إلى تعليق استيفاء الرسوم بالنسبة لواردات الحبوب بعد اختلال سلال التوريد بعد الحرب في أوكرانيا. وأفضى ارتفاع أسعار اللحوم في الأشهر الماضية، إلى تعليق استيفاء الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية عند استيراد الأبقار والأغنام، وهو التوجه الذي أريد منه خفض الآسعار، خاصة في شهر رمضان المتسم بزيادة الطلب.
أسعار تفضيلية
يعتبر الباحث في القطاع الفلاحي، الفاطمي بوركيزية، أن تعليق العمل بالضريبة على القيمة المضافة التي تصيب البذور والمبيدات المستوردة، من شأنه خفض تكاليف الإنتاج. ويتصور أن خفض التكالف لن يتحقق فقط عبر تعليق الضريبة التي تصيب البذور والمبيدات، بل يمكن أن يتأتى من خلال توفير مدخلات أخرى بأسعار تفضيلة مثل السولار والأسمدة.
ويرى أن اتخاذ مثل هذه التدابير في المغرب، يجب أن يساهم في خفض التكاليف في الموسم المقبل، بما يساعد على خفض أسعار التجزئة، خاصة مع مستوى التضخم الذي يتجاوز ما تستهدفه الحكومة والذي يأتي، بشكل كبير، من أسعار الأغذية.