تواجه حكومة عزيز أخنوش في المغرب مؤشرات احتقان اجتماعي متصاعد جراء ارتفاع الأسعار، وسط اتهامات لها بـ"التلكؤ" في اتخاذ إجراءات كافية لدعم المواطنين من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
وتبدو حكومة أخنوش أمام اختبار حقيقي لتهدئة الأوضاع الاجتماعية، في ظل الغضب الشعبي وضغط المعارضة والمركزيات النقابية (الاتحادات العمالية) التي عبرت عن قلقها من تردي الأوضاع، ومن السياسة التي تنتهجها الحكومة في التعاطي مع ارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية، ما انعكس على جيوب المواطنين وعلى قدرتهم الشرائية.
والواضح أن الترجمة العملية للغضب الشعبي بدأت تظهر في شكل احتجاجات، انطلقت في 5 فبراير/شباط الجاري بمدينة فاس (وسط المغرب)، بتنظيم المكتب الجهوي لنقابة "الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب" وقفة احتجاجية تنديدا بموجة الغلاء و"عجز" الحكومة عن مواجهتها.
والثلاثاء الماضي، نظم عشرات المواطنين وقفة احتجاجية بمدينة تطوان (شمال)، ضد غلاء المعيشة، في حين ينتظر أن تخوض مجموعة من المركزيات النقابية، خلال الأيام القادمة، أشكالاً احتجاجية مختلفة من أجل مطالبة الحكومة بالتدخل الفوري لدعم القدرة الشرائية المتضررة لشرائح واسعة من المواطنين.
وفي السياق، قررت "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" تنظيم مسيرات احتجاجية إقليمية يوم الأحد، 19 من الشهر الجاري، رداً على "تفاقم الأزمة الاجتماعية والغلاء المهول للأسعار"، بالإضافة إلى تنظيم إضراب عام في الوظيفة العمومية، ومسيرة وطنية احتجاجية ستحدد تاريخهما لاحقا، محملة الحكومة مسؤولية "تفاقم الأزمة الاجتماعية وما سيؤول إليه الوضع نتيجة الاحتقان الاجتماعي".
ويأتي ذلك، في وقت وجهت فيه فرق المعارضة بالبرلمان المغربي انتقادات شديدة اللهجة للحكومة، متهمة إياها بـ"التلكؤ" في معالجة أزمة ارتفاع أسعار المحروقات التي تلقي بظلالها بشكل كبير على أسعار المواد الغذائية الأساسية.
وقال القيادي في نقابة "الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب" عبد الإله دحمان، لـ"العربي الجديد": "نبهنا منذ سنة إلى أن استمرار الحكومة في لامبالاتها وعدم مواجهة آثار التضخم وغيرها من العوامل المؤثرة على منظومة الأسعار، ستجعل الوضع صعبا ومركبا، لكن للأسف، لم تتفاعل الحكومة بالمسؤولية والاستباقية اللازمة رغم كل المؤشرات التي سبق أن طرحها بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط وتقارير الظرفية الاقتصادية".
واعتبر دحمان أن إجراءات الحكومة التي تم الترويج لها بقيت دون أثر مباشر على الأوضاع الاجتماعية للطبقة الكادحة والمسحوقة بل شملت حتى الطبقة المتوسطة، لافتا إلى أن الحكومة انتهجت "سياسة دع الزوبعة تمر، لكن الزوبعة رسخت واقعا اجتماعيا مقلقا"، بحيث لم تتدخل لإيقاف زحف وتنامي أسعار مواد الاستهلاك، التي شهدت ارتفاعا صاروخيا، من قبيل المواد الغذائية التي تهم المواطن بشكل مباشر، كالزيوت النباتية والطحين والخضروات واللحوم الحمراء والبيضاء، وزادت أسعار المحروقات الوضع استفحالا رغم تراجعها في السوق الدولية".
وقال إن "الحكومة تتحمل مسؤولية عما آلت اليه الأوضاع لأنها تأخرت في التدخل، واتبعت منهجية غير سليمة، وتركت المواطنين يواجهون مصير غلاء الأسعار دون استجابة مسؤولة، بينما كان يتعين عليها انتهاج مقاربة توقعية وحمائية".
وتابع: "اليوم لا بد من تدخل عاجل ليس لتفعيل آليات المراقبة، والعودة إلى تحديد الأسعار بالنسبة للمواد الأساسية، وعلى رأسها المحروقات، هذه مهمة ضرورية في الحالات العادية، اليوم نحن بحاجة إلى إجراءات ملموسة واستثنائية لإيقاف النزيف الذي قد يعصف بالسلم والاستقرار الاجتماعيين. لذا نحن في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إذ نقدر صعوبة الظرفية، فإننا نطالب الحكومة بتصحيح منهجيتها وسياساتها الاجتماعية قبل فوات الأوان".
وفي مواجهة الانتقادات التي وجهت إليها، سارعت الحكومة، خلال اجتماعها الأسبوعي أمس الخميس، إلى توعد المتلاعبين بالأسعار، مشددة على لسان الناطق الرسمي باسمها الوزير مصطفى بايتاس على أنها ستضرب بيد من حديد المخالفين والمتلاعبين في الأسعار، وستتم مراقبة الأسواق وضبط جميع المخالفات وتفعيل جميع المساطر الزجرية والقضائية والقانونية للحد مما وصفه بـ"العبث"، مؤكداً أن "مصلحة المواطنين وحماية قدرتهم الشرائية هي التزام حكومي وأقوى من أي لوبي كيف ما كان نوعه".
وقال بايتاس، في الندوة التي تلت الاجتماع الأسبوعي للحكومة أمس، إن موضوع ارتفاع الأسعار تعتبره الحكومة من الأولويات وتشتغل عليه عن كثب وبقوة، مجددا التأكيد على أنه سيتم التدخل ومراقبة جميع النقاط وضبط جميع المخالفات في أي نقطة كانت، وستكون موضوع محضر أو متابعة قضائية وزجرية.
وبحسب رئيس "مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية" رشيد لزرق، فإن "موجة الغلاء التي تجتاح المغرب تهدد بضرب السلم الاجتماعي، وتقودنا نحو الأسوأ، في وقت تقتصر فيه جهود الحكومة في مكافحة الغلاء على تصريحات أعضائها في نشرات الأخبار والبيانات التي تصدر عن الدوائر في مجلس الحكومة".
وأوضح لزرق، في تصريح لـ"العربي الجديد": "الواقع في الأسواق مختلف تماما، لهذا فإن الحكومة مدعوة إلى التصدي للغلاء، عبر مخطط واضح لأن هذه المواجهة يجب أن تكون جزءا من معارك اقتصادية كبرى، يتعين خوضها من أجل الخروج من الأزمة الخانقة، وتحسين ظروف العيش للمواطن".
وقال إن هناك حاجة لوضع مخطط لمواجهة غلاء أسعار الغذاء والطاقة في العالم، وتجنب تداعيات ذلك على السوق المحلية، وعدم جعل المواطن في مواجهة مباشرة وحده مع تقلبات الأسعار، وذلك من خلال حلول تساعد على زيادة المخزونات، وتابع: "إذا تواصل ارتفاع الأسعار مع عدم توفر الحكومة على عزيمة سياسية، فإن الأمر ينذر بانفجار اجتماعي، خصوصاً من قبل الفئات ذات الدخل المحدود".