استمع إلى الملخص
- يعتبر موسم قطاف الزيتون من أبرز مواسم العمل، حيث تحتاج المساحات الواسعة لأعداد كبيرة من العمال، وتعمل النساء لساعات طويلة بأجور زهيدة لتأمين احتياجات أسرهن في ظل غياب الدعم الحكومي.
- تواجه زراعة الزيتون تحديات أمنية واقتصادية، رغم التوقعات بإنتاج وفير بفضل الظروف المناخية، إلا أن القطاف المبكر خوفًا من الأوضاع الأمنية يؤثر على جودة المحصول.
تنشط العمالة الموسمية في شمال غرب سورية، وتحديداً في محافظة إدلب التي تشتهر بالزراعة لكنها بالوقت نفسه تشهد نسب بطالة مرتفعة، الأمر الذي يدفع الكثير من سكان تلك المناطق لتتبع المواسم الزراعية التي تؤمن لهم فرص عمل لفترة محدودة، وتشكل النساء النسبة الأكبر من تلك العمالة بسبب صعوبة تأمين عمل ثابت، وبسبب فقدان الكثير من النساء المعيلَ، ما يدفع بهن لتلك الأعمال الموسمية التي تنطوي على العديد من المخاطر، عدا عن تدني الأجور في مثل هذه الأعمال بسبب وفرة اليد العاملة.
يشكل موسم قطاف الزيتون حاليا فرصة العمل الأبرز في محافظة إدلب التي تغطي أشجار الزيتون القسم الأكبر من مساحة أراضيها الزراعية المشجرة، والتي تحتاج أعدادا كبيرة من العمال لجني المحصول خلال فترة محددة.
وقالت أم عامر، التي تبلغ من العمر 50 عاماً، والمقيمة في بلدة المسطومة جنوب مدينة ادلب، إن "العمل في قطاف الزيتون ليس جديداً عليّ، فأنا أعمل فيه منذ سنوات طويلة، ولكن ظروف الحرب جعلت العمل أكثر إلحاحاً بسبب فقدان زوجي". ورغم عمرها وخبرتها الطويلة، أضافت أم عامر: "أعمل كل يوم ثماني ساعات مقابل 80 ليرة تركية، وهو مبلغ زهيد قياسا بمتطلبات الحياة، ولكنني مجبرة على القيام به، أفضل من الحاجة للناس".
العمالة الموسمية مصدر للرزق
أم عامر ليست الوحيدة التي تعمل بقطاف الزيتون الموسمي، مثلها الآلاف من النساء اللواتي يتخذن من هذا الوقت من كل عام فرصة لتأمين مصدر للرزق. وفي حديث لـ"العربي الجديد"، شرحت أميرة الخالد، البالغة من العمر 35 عاماً، عن المعاناة التي تواجهها بين مسؤوليات الأمومة ومتطلبات العمل قائلة: "استيقظ كل صباح قبل الفجر، أعد الطعام لأطفالي وأطمئن عليهم، ثم أنطلق إلى الحقول، فقدت زوجي في الحرب، ولم يبقَ لي سوى هذا العمل لتأمين احتياجات أطفالي". وأوضحت أميرة أن "العمل في قطاف الزيتون يشكل عبئاً جسدياً كبيراً، لكن حبها لأطفالها هو ما يدفعها للاستمرار رغم الصعوبات".
أما أمينة مطر البالغة من العمر 18 عاماً، فتعمل في موسم قطاف الزيتون كي تعيل أهلها. وقالت مطر لـ"العربي الجديد": "أعمل في الحقول لأعيل عائلتي المكونة من والدي المعاق وأمي التي ترعى إخوتي الصغار رغم صغر سني، أعلم أن العمل هو السبيل الوحيد لبقائنا"، مشيرة إلى أنها "تعمل يومياً مدة ثماني ساعات مقابل 70 ليرة تركية"، معتبرة أن "هذا المبلغ البسيط هو ما ينقذ عائلتها من الحاجة".
وأكد محمد حمدان، وهو فلاح يمتلك بضع مئات من أشجار الزيتون، لـ"العربي الجديد"، أن "موسم قطاف الزيتون يتطلب التزاما بوقت محدد للقطاف، لذلك يجب تأمين ورشة عمل قبل مدة من القطاف"، موضحا أن "ورشة القطاف التي تعمل على قطاف موسمه كلها من النساء وتتراوح أجورهن بين 70 و100 ليرة تركية، بحسب المنطقة وظروف العمل ومدة الساعات التي تقضيها العاملة بقطاف الزيتون".
واقع إنتاج الزيتون في الشمال السوري
وقال المهندس مصطفى الموحّد، معاون المدير العام للزراعة في حكومة الإنقاذ، لـ"العربي الجديد"، إن "أعداد أشجار الزيتون في مناطق الشمال المحرر تقدر بحوالي عشرة ملايين شجرة، وتغطي مساحة مزروعة تقدر بـ15 ألف هكتار". وتوقع الموحد "إنتاج 170 ألف طن من ثمار الزيتون لموسم 2024، بينما تحتاج السوق المحلية إلى 13 ألف طن من الزيتون المخصص للتخليل. أما إنتاج زيت الزيتون، فمن المتوقع أن يصل إلى 34 ألف طن".
وأضاف أن "زراعة الزيتون تتوزع في إدلب وما حولها، خصوصاً في مناطق مثل سلقين، كفر تخاريم، أريحا، وحارم. ومع ذلك، فقد تأثرت مناطق إنتاج الزيتون القريبة من خطوط الجبهات نتيجة للظروف الأمنية الصعبة، ما أدى إلى قلة الخدمات المتاحة للمزارعين، وبالتالي ضعف إنتاجية الأشجار في تلك المناطق". ولفت الموحد إلى أن "موعد قطاف الزيتون يختلف من منطقة إلى أخرى، حيث ينضج الزيتون أولاً في المناطق الجبلية ذات الرطوبة العالية، ومن ثم في المناطق الداخلية. وعادةً ما يتأخر مزارعو سلقين في القطاف حتى بداية شهر ديسمبر/كانون الأول".
وأشار إلى أن "المزارعين يلجأون في بعض الحالات إلى التبكير في القطاف، خاصة في المناطق المحاذية للجبهات، خوفاً من الأوضاع الأمنية، ما يؤدي إلى خسائر في نسبة الزيت تصل إلى 30%، وذلك بسبب قطاف الثمار غير الناضجة".
وبيّن الموحد أن "النساء العاملات في قطاف الزيتون مجبرات على قبول هذه الأعمال الشاقة والخطيرة من دون أي دعم حكومي مباشر، ورغم تشجيع الحكومة المنظمات العاملة في القطاع الزراعي على تقديم الدعم لهن ضمن مشاريع مثل مبادرة (النقد مقابل العمل)". وأكد أن "النساء يواجهن مخاطر كبيرة، لا سيما في المناطق القريبة من خطوط الاشتباك، وقد تعرض العديد من العمال – من ذكور وإناث – إلى استهداف بالقصف المدفعي أو من خلال الطائرات المسيرة، كما حدث مؤخرًا في قرى معرزاف ومجدليا ومعربليت في منطقة جبل الزاوية".
وتوقع الموحّد أن "يكون موسم الزيتون هذا العام وفيرًا نظرًا للتغيرات المناخية الإيجابية التي شهدتها المنطقة، فالأمطار التي هطلت في فصلي الشتاء والربيع ساهمت بشكل كبير في تعزيز نمو أشجار الزيتون، ما يزيد من تفاؤل المزارعين في الحصول على محصول غني وزيت ذي جودة عالية".
لكنه أشار إلى أنه "مع هذا التفاؤل، تظل هناك تحديات تواجه المزارعين، منها نقص الموارد والمعدات الزراعية، ما يشكل عائقًا أمام البعض، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة"، مؤكدا أنه "رغم هذه الصعوبات، يبقى الأمل بأن يكون هذا الموسم محطة للانتعاش والرخاء".
وقال سامر عادل، خبير زراعي، لـ"العربي الجديد"، إن "التحضير لموسم قطاف الزيتون يبدأ قبل أشهر من نضوج الثمار، حيث يحرص الأهالي على تقليم الأشجار بشكل دوري، والعناية بالأرض بنزع الأعشاب الضارة والأشواك، وكذلك ري الأشجار".
وتابع أن "هذه العناية تجرى إما عبر ناقلات مخصصة لنقل المياه أو باستخدام أنابيب مياه من الآبار القريبة". وتحدث عن "المعاناة التي تواجهها بعض المناطق غير الآمنة، مثل أحراش جبل الزاوية، حيث تعاني من القطاف المبكر وفي أوقات غير محددة بسبب القصف المتواصل من المناطق المجاورة". وأوضح أن "في هذه الظروف القاسية، نجد أن اليد العاملة، خاصة في مجال قطاف الزيتون، تتكون في معظمها من النساء".
وأكد عادل أنه "قبل بدء القطاف، تجهز العائلات الأقمشة وتحيكها بعناية أو تستخدم الأكياس البلاستيكية التي توزع بمساحات مختلفة تحت شجرة الزيتون، بهدف تسهيل جمع الثمار ومنع سقوط حبات الزيتون على الأرض". كما ذكر أن "أصحاب الأراضي يقومون بتحضير سلالم من الحديد أو الخشب ليتمكنوا من الوصول إلى أغصان الشجرة العالية، إلى جانب العصي الطويلة والمرنة التي تُستخدم لقطف الزيتون الذي يصعب الوصول إليه باليد".