لا تزال موجة إضرابات المزارعين مستمرة في الهند، وجديدها اليوم الجمعة إغلاقهم طرقاً سريعة، وتنظيم مظاهرات في العديد من المناطق الريفية في شمال البلاد، للمطالبة بمعالجة عدد من الشكاوى التي دفعت عشرات الآلاف أيضاً إلى الخروج في مسيرة نحو العاصمة بالجرارات والعربات التي تجرها الحيوانات.
ونظم مزارعون في ولايتي هاريانا (هريانة) والبنجاب، شمالي البلاد، اعتصامات قرب ساحات تحصيل الرسوم على الطرق السريعة الرئيسية خلال الإضراب، بدعم من بعض الاتحادات العمالية. ونصحت السلطات المسافرين باختيار مسارات رحلاتهم بعناية لتجنب الطرق المغلقة.
وكان عشرات الآلاف من المزارعين قد بدأوا مسيرة احتجاج متجهة لنيودلهي في وقت سابق من الأسبوع، للمطالبة بأسعار مضمونة لمحاصيلهم، غير أن الشرطة أوقفتهم على بعد 200 كيلومتر من العاصمة.
ويخيم المزارعون على الحدود بين البنجاب وهاريانا، بعد أن اعترضتهم حواجز خرسانية ومعدنية. واعتقلت الشرطة بعض المتظاهرين.
كما حجبت السلطات خدمة الإنترنت عن الهواتف الخلوية في بعض مناطق هاريانا، وحجبت حسابات بعض قادة الاحتجاج على وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدمت طائرات مسيرة لإسقاط قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين.
تأتي مسيرة المزارعين بعد عامين من احتجاجات مماثلة واجهتها حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، واستمرت لأكثر من عام. حينها، خيّم المزارعون في ضواحي العاصمة للتظاهر ضد قوانين الزراعة الجديدة التي جرى سحبها لاحقاً.
الطلب الرئيسي للاحتجاجات الأخيرة يتمثّل في سن تشريع يضمن الحد الأدنى من أسعار الدعم لجميع المنتجات الزراعية.
توفّر الحكومة حماية للمنتجين الزراعيين حالياً من أي انخفاض حاد في أسعار محاصيل المزارع، من خلال تحديد حد أدنى لسعر شراء بعض المحاصيل الأساسية، وهو نظام طرح في ستينيات القرن الماضي، للمساعدة في دعم الاحتياطيات الغذائية ومنع النقص. ويريد المزارعون تشريعاً يوفر الحماية لجميع المحاصيل.
معظم المزارعين المحتجين خرجوا من ولايتي البنجاب وهاريانا، وهم أفضل حالاً بشكل نسبي، مقارنة بالمزارعين في ولايات الهند الأخرى، غير أن زيادة تكاليف الزراعة، وارتفاع الديون، دفعهم إلى الإفراط في إنتاج الأرز والقمح، وهي المحاصيل التي يحصلون على الحد الأدنى من سعر الدعم لها، السعر الذي توصي به الحكومة، والذي يهدف لحماية المزارع وتوفير حد أدنى من الأرباح له.
غير أن تلك المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه استنزفت منسوب المياه الجوفية في الولايتين، وأجبرت المزارعين على البحث عن بدائل أخرى.
يقول المزارعون إن الحد الأدنى المضمون لسعر الدعم للمحاصيل الأخرى من شأنه أن يؤدي إلى استقرار دخلهم. وهم يضغطون أيضاً على الحكومة للوفاء بوعودها بمضاعفة دخولهم وشطب القروض المطلوب منهم سدادها، وسحب القضايا القانونية المرفوعة ضدهم خلال احتجاجات عام 2021 السابقة.
ويقول بعض الاقتصاديين إن تنفيذ المطالب قد يؤدي إلى خطر تضخم أسعار الغذاء. ومع ذلك، يشير الخبراء أيضاً إلى أن السبب الرئيسي لإحباط المزارعين هو عدم تنفيذ السياسات المعمول بها بالفعل.
وقال هيمانشو، وهو خبير اقتصادي في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي: "إن نظام الحد الأدنى لسعر الدعم موجود بالفعل، لكن الحكومة لا تتابع ما تتعهد به". وأضاف أن نظام الأسعار المضمونة الذي ينطبق على 23 محصولاً معمول به منذ عقود، لكن الحكومة تدفع هذه الأسعار في الغالب مقابل محاصيل مثل الأرز والقمح، متابعاً: "بالنسبة للمحاصيل الـ21 المتبقية، بالكاد تشتري الحكومة بهذه الأسعار. هذه مشكلة. ولهذا السبب يريدون ضمانة".
وفشلت اجتماعات عدة بين قادة المزارعين ووزراء الحكومة في إنهاء المأزق. وفي السياق، قال وزير الزراعة أرجون موندا، الذي التقى بقادة المزارعين أمس الخميس، إن المحادثات كانت إيجابية، وإن الجانبين سيجتمعان مرة أخرى يوم الأحد. وصرح للصحافيين: "نعتقد أننا سنجد جميعاً حلاً سلمياً".
تأتي الاحتجاجات في وقت مهم بالنسبة للهند مع إجراء الانتخابات في غضون بضعة أشهر. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يضمن مودي فترة ولاية ثالثة على التوالي.
وفي عام 2021، اعتُبر قرار مودي بإلغاء القوانين الزراعية بمثابة خطوة لاسترضاء المزارعين، وهم كتلة تصويتية مؤثرة، قبل الانتخابات الحاسمة.
(أسوشييتد برس)