يبدي الموظف المدني سيف الحميقاني، اندهاشه وغضبه من مدونة السلوك الوظيفي، التي تريد سلطات الحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء تنفيذها على موظفين بدون رواتب منذ ست سنوات.
ويشير الحميقاني في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى تعرض الموظفين الذين تقطّعت بهم السبل ويعيشون في فقر مدقع لشتى أنواع الاستغلال والاضطهاد من جميع الأطراف التي ترفض صرف رواتبهم واستخدامها ورقة في الصراع فيما بينها، وهو ما يضاعف معاناتهم بصورة تفوق قدرتهم على التحمل.
وبدأت سلطات الحوثيين العمل منذ نحو شهر بما أسمته مدونة السلوك الوظيفي وتطبيقها في وحدات الخدمة العامة، والتي انتهجت بعض بنودها طابعاً دينياً غير مألوف في مثل هذه الوثائق، قالت إنّ هدفها "الارتقاء بالوظيفة العامة وخلق بيئة مواتية للإبداع والإنتاج".
ويتهكّم علي أسعد، وهو موظف في إحدى الدوائر العامة في صنعاء، في حديث لـ"العربي الجديد"، على هذه المدونة بأنها عبارة عن "مدونة لسلوك الأمعاء الفارغة"، بالنظر إلى عدم صرف الرواتب ومختلف الحوافز والبدلات والمكافآت المستحقة للموظفين المدنيين، بحسب ما نصت عليه القوانين واللوائح النافذة للخدمة المدنية المعمول بها في اليمن.
وفي انتقادهم لهذه المدونة، يرى خبراء في القانون والإدارة، أنّها تمتهن الموظفين ولا تكفل لهم أي حقوق أو عائدا يضمن لهم حياة كريمة، خصوصاً في ظل التردي المعيشي الذي لا يطال فقط الكادر الوظيفي المدني، بل معظم سكان البلاد.
المحامي والمستشار القانوني رضوان الوريث، يقول لـ"العربي الجديد"، إن العديد من الدول العربية والمؤسسات والشركات الخاصة تطبق مدونات خاصة بالسلوك الوظيفي، لكنها ترتبط ارتباطا كليا بمنظومة عملها وأجهزتها الإدارية فيما يشبه عقد ترابط وتكامل بين العامل والموظف وجهة العمل، لكن بالنسبة لما أصدرته سلطة صنعاء فقد شابها العديد من الانحرافات، إذ تخالف القوانين والأنظمة المعمول بها في اليمن، ومن ذلك المادة 24 من الدستور التي تنص على أن تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وتصدر القوانين لتحقيق ذلك.
لكنّ سلطة الحوثيين تقول في المقابل إنّ مدونة السلوك الوظيفي التي ألزمت الموظفين في وحدات الجهاز الإداري للدولة بالتوقيع عليها، تحظى بأهمية بالغة في المنظومة الإدارية، وبرامج الإصلاح والتطوير المؤسسي، الذي يتبناه القطاع الإداري، من خلال وزارة الخدمة المدنية، مضيفة أن مضامين المدونة تتمحور حول الدور الأساسي لوحدات الخدمة العامة، المتمثل في تقديم الخدمات للمواطنين، انطلاقا مما وصفته بالمفهوم "الإيماني" للمسؤولية، وبامتداده العملي المترجم في السلوكيات، والممارسات والعلاقات.
بالمقابل، اعتبرت الحكومة اليمنية، المعترف بها دولياً، أن إجراء الحوثيين بمثابة عقاب لمئات الآلاف من موظفي الدولة ممن نُهبت رواتبهم منذ 8 أعوام.
وبينما ينتظر موظفو القطاع العام في اليمن بفارغ الصبر أي انفراجه لأزمة الرواتب المتوقفة منذ قرار نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية في سبتمبر/ أيلول 2016 والتي ربطها بالمفاوضات الدائرة لتجديد الهدنة المتعثرة منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، يشدد مراقبون على ضرورة تحييد المؤسسات المالية ورواتب الناس عن الصراع الدائر، إذ لم يعد مئات الآلاف من الناس قادرين على الصمود في ظل وضع قاتم وسوق صعبة وأعمال شحيحة ومصادر دخل منعدمة وعملة منهارة، تسببت في ارتفاع التضخم وأسعار السلع إلى مستوى يفوق قدرات نسبة كبيرة من السكان.
ويؤكد الخبير في أنظمة العمل غمدان عبد الله، لـ"العربي الجديد" أنّ المدونة التي أصدرتها سلطة الحوثيين بمثابة "تعاقد سخرة"، لأنها تقايض الموظف براتبه مقابل عدم فصله من الوظيفة.
ويعيش حوالي 600 ألف موظف في الخدمة المدنية، يعيلون أسراً يقدر عدد أفرادها بنحو 5 ملايين شخص، للعام السادس على التوالي، في معاناة قاسية، بسبب توقف رواتبهم وانقطاع السبل بهم لعدم وجود أي مصادر دخل أخرى تعينهم على مواجهة متطلبات الحياة المعيشية المكلّفة.
وتتضمن مبادرة للأمم المتحدة، المرفقة بملحق خاص باتفاق ستوكهولم 2018، والتي تشكل مرتكزا رئيسيا تستند إليه المفاوضات والمناقشات الدائرة لحل أزمة توقف رواتب الموظفين المدنيين، تخصيص المبالغ المحصلة من الجمارك والضرائب على المشتقات النفطية في مناطق سيطرة الحوثيين لدفع رواتب موظفي القطاع العام هناك وفق كشوفات 2014، على أن تلتزم الحكومة اليمنية بتغطية الفارق في المبالغ المالية المحددة في بند الأجور والرواتب في الموازنة العامة.