أنعش الهبوط الحاد لليرة التركية نشاط من يوصفون بـ"تجار الشنطة" في الجزائر والمغرب، والذين ينشطون بشكل خاص في تجارة الملابس بشكل شخصي خلال رحلات السفر إلى تركيا والعودة بها إلى بلادهم، بخلاف الصفقات التجارية للموردين بمختلف ملاءاتهم المالية.
وبينما سعى المغرب في الأربعة أعوام الأخيرة إلى فرض رسوم جمركية على العديد من صادرات تركيا التي يرتبط معها باتفاقية للتبادل الحر، بهدف حماية المنتجين المحليين، جاء المنحى الهبوطي غير المسبوق لليرة التركية ليربك المشهد بشكل كبير، ويزيد مخاوف المنتجين المغاربة، خاصة في قطاع النسيج والألبسة، من إغراق السوق بالمنتجات التركية.
فقد قرر المغرب مع حلول 2022 تمديد تدابير حماية سوق الملابس والنسيج المحلية من الواردات التركية، إذ سيواصل على مدى العام الحالي تطبيق ذلك التدبير، الذي جاء قبل أربعة أعوام بطلب من المنتجين في المملكة.
اتفاقية للتبادل التجاري
وفقدت الليرة التركية نحو 44% من قيمتها في مقابل الدولار العام الماضي، رغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أخيراً للحد من انهيار العملة، إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي عن إجراءات لحماية الودائع بالليرة من تقلبات القيمة لتقليص اكتناز الدولار، بعدما هبطت العملة إلى أدنى مستوى لها عند 18.36 مقابل الدولار منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي.
واستعادت الليرة نحو 50% من خسائرها في أعقاب هذه الإجراءات، ليصل الدولار إلى أقل من 11 ليرة، لكن سرعان ما عاودت الهبوط، لتصل أخيراً إلى 13.87 للدولار الواحد.
ويقول محمد بنعياد، الكاتب العام السابق لوزارة التجارة الخارجية المغربية، إن انخفاض قيمة العملة التركية، سيفضي إلى ارتفاع تنافسية منتجات ذلك البلد الذي يرتبط به المغرب باتفاق للتبادل الحر.
ويشير بنعياد في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن المستوى الذي بلغه تراجع العملة التركية سيفضي إلي زيادة صادراته نحو المغرب وبلدان أخرى بأسعار جد تنافسية.
وكان المغرب عمد في ظل شكوى المنتجين المحليين من المنافسة التي تشكلها منتجات النسيج والألبسة التركية، إلى فرض رسوم جمركية اعتباراً من 2018، حيث انتقلت من صفر في المائة إلى 27% في 2019، ثم 36% حاليا، مقابل 40% للدول التي لا يرتبط معها المغرب باتفاق للتبادل الحر.
وفي الجزائر، يكاد "تجار الشنطة" ومستوردو الملابس، يتفحصون شاشات سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية، إذ أضحى كل هبوط في سعرها يصب في صالحهم، إذ يزيد الوضع الحالي من مكاسبهم، خاصة أن السوق الجزائرية تشهد إقبالاً غير مسبوق على المنتجات التركية.
متابعة عن سعر الليرة
وفي "بزار علي ملاح" في وسط العاصمة الجزائرية، المشهور ببيع الملابس الأجنبية، لا حديث بين التجار سوى عن الليرة التركية، الكل ماسك بهاتفه النقال ويبحث عن سعر العملة التركية أمام الدولار والعملة الأوروبية الموحدة، للظفر بصفقة تجارية بأقل التكاليف مع ممونيهم من المنتجين الأتراك.
يقول التاجر محمد منصار إن "بائعي الملابس التركية كلهم ضبطوا أنظارهم على تطور سعر صرف الليرة التركية، كون تركيا تشكل 60% من أصل الملابس المسوقة في الجزائر، نحن اليوم نتعامل مع الممونين بالهاتف وعبر التطبيقات مثل واتساب وزوم، وذلك ربحا للوقت ولطي الصفقة بسعر آني لليرة، على أن يكون الدفع بالدولار طبعا".
ويضيف منصار لـ"العربي الجديد" أن "تركيا باتت وجهة مستوردي الملابس الأولى في الجزائر وذلك لعامل السعر، والجودة، مقارنة بالملابس الصينية أو الفيتنامية، التي كانت ملاذ الجزائريين في الماضي نظراً لسعرها".
وباتت الجزائر الشريك التجاري الثاني لتركيا في أفريقيا، كما أصبحت تركيا في المرتبة الأولى بين الدول الأكثر استثماراً في الجزائر، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 4 مليارات دولار عام 2021.
كما أصبحت تركيا وجهة الجزائريين الباحثين عن قضاء العطل السنوية كاستجمام وتجارة أيضا، خاصة نهاية السنة. ويسمح تراجع الليرة للجزائريين بقضاء عطل بفاتورة أقل بكثير من تونس أو حتى في الجزائر، التي تتميز بغلاء أسعار الفنادق ونقص المرافق السياحية، وفق رئيس نقابات وكالات السفر الجزائرية كمال سنوسي في حديث مع "العربي الجديد".