يخيم القلق على الأوساط الاقتصادية في إسرائيل من خفض جديد للتصنيف الائتماني لدولة الاحتلال، في ظل اتساع العجز المالي وتزايد معدلات الاقتراض، بسبب الإنفاق الحكومي المتسارع على الحرب والرشاوي السياسية الداخلية.
ويكسر العجز المالي حدود التوقعات التي رسمتها حكومة بنيامين نتنياهو، في ظل تداعيات الحرب على الاقتصاد والدين العام، والتي كانت سبباً رئيسياً في خفض وكالة موديز العالمية التصنيف الائتماني لإسرائيل في فبراير/شباط الماضي إلى "إيه 2" (A2) مع نظرة مستقبلية سلبية.
وحذر رئيس شعبة الموازنة في وزارة المالية، يوغيف غيردوس، في رسالة إلى أعضاء اللجنة المالية في الكنيست، وفق تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت، أمس، من أن عدم اتخاذ تدابير من شأنها زيادة موارد الموازنة سيدفع وكالات التصنيف الائتمانية العالمية إلى انتقاد إجراءات الحكومة لخفض العجز المالي.
وتراقب وكالتا "ستاندرد آند بورز" و"فيتش" تطورات أداء الاقتصاد الإسرائيلي، في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، واحتمال توسع نطاق الاشتباكات مع حزب الله اللبناني إلى حرب أوسع نطاقاً. إذ قال مسؤول في "ستاندرد آند بورز" نهاية يناير/كانون الثاني الماضي إن الوكالة قد تخفّض تصنيف إسرائيل إذا اتسعت الحرب لتشمل جبهات أخرى.
وكانت الوكالة قد أبقت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي على تصنيف إسرائيل الائتماني عند "إيه إيه" (AA)، لكنها عدّلت نظرتها المستقبلية إلى سلبية من مستقرة، مشيرة إلى مخاطر توسع الحرب على الاقتصاد والوضع الأمني.
وترهن وكالات التصنيف الائتماني نظرتها إلى إسرائيل بقدرة دولة الاحتلال على السيطرة على الأضرار التي تخلفها الحرب، لاسيما معدلات الاستدانة والعجز المالي. لكن المؤشرات التي تصدرها وزارة المالية تظهر تزايدا في العجز بما يفوق التوقعات.
فقد واصل العجز المالي اتساعه في فبراير/شباط الماضي على أساس سنوي، ليصل إلى 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعادل 105.3 مليارات شيكل (29.25 مليار دولار)، وذلك مقارنة بنحو 4.8% في يناير، فيما زاد على أساس شهري بنسبة 0.8%، بما يعادل 13.4 مليار شيكل، وفق ما نقل موقع "غلوبس" الاقتصادي، يوم الأحد الماضي، عن المحاسب العام لوزارة المالية يالي روتنبرغ.
وتتمحور موازنة إسرائيل المعدلة لعام 2024، والتي من المقرر أن يوافق عليها الكنيست نهائياً، يوم الأربعاء، حول عجز بنسبة 6.6%. لكن محللين اقتصاديين أكدوا أن العجز الحقيقي يصل إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي. وتعتقد وزارة المالية أن العجز سيستمر في الاتساع في الأشهر القليلة المقبلة، لكنه سيبدأ في الانحسار خلال الربع الأخير من العام الجاري، بعد التغيرات في الإنفاق والإيرادات المرتبطة بالحرب.
تدابير لكبح عجز الموازنة
وفي الشهرين الأولين من 2024، بلغ العجز المالي 10.9 مليارات شيكل، مقارنة بفائض قدره 16.9 مليار شيكل في الفترة المقابلة من العام الماضي. دفع ذلك رئيس شعبة الموازنة في وزارة المالية، يوغيف غيردوس، إلى مطالبة لجنة المالية في الكنيست بتمرير تدابير، على غرار زيادة رسوم السيارات، وضريبة الكربون الجديدة، ومراجعة تصاعدية للضرائب العقارية، وفرض رسوم على استخدام الوقود من أجل تقليص عجز الموازنة.
ووفق "يديعوت أحرونوت"، فإن "غيردوس، الذي تابع باهتمام كبير المناقشات غير المثمرة جزئياً في الكنيست، بعث رسالة غاضبة إلى حد ما إلى أعضاء الكنيست، حتى لو كانت مهذبة في أسلوبها، وتوسل إليهم حرفياً للموافقة على هذه التدابير لتقليص عجز الموازنة.. لكن أعضاء الكنيست كانوا أكثر انشغالاً بالقلق على ناخبيهم في الكنيست في المستقبل".
وشبهت الصحيفة التعامل في إسرائيل مع العجز والديون بمواطن وقع عليه دين بقيمة مليون شيكل، بينما يتصل به البنك يومياً ليعرف ماذا سيفعل بشأن السداد، وحينما سأله الأصدقاء: وما الذي تستعد للقيام به؟ أجاب الرجل سأذهب في رحلة حول العالم مع زوجتي الحبيبة بتكلفة 100 ألف شيكل. وتساءل الأصدقاء: هذا سيزيد من عجز حسابك البنكي!، فأجاب مليون شيكل أو مليون ومائة ألف شيكل، فكله للبنك". وأشارت الصحيفة إلى أن هذه القصة بالضبط تقريبًا ما يحدث فعليًا هذه الأيام في معالجة ميزانية الدولة من قبل الحكومة والكنيست، بينما العجز يصعد حرفياً إلى السماء.
ومن المرجح ألا تتضمن الميزانية المعدلة عند إقرارها من قبل الكنيست في القراءتين الثانية والثالثة، يوم الأربعاء المقبل، سلسلة من المراسيم التي خططت لها وزارة المالية، وسيتم تقديمها للمصادقة عليها بدونها، حيث تضاءلت فرص إقرار التدابير الإضافية، وفق يديعوت أحرونوت.
وكان من المفترض أن تتضمن أكبر موازنة في تاريخ إسرائيل البالغة 584.1 مليار شيكل (162.25 مليار دولار)، سلسلة من الإجراءات لخفض العجز، لكن اللجنة المالية لم تصادق على هذه الإجراءات حتى الآن. وبحسب رئيس شعبة الموازنة في وزارة المالية، فإن استبعاد هذه المراسيم سيسبب ثغرة في الميزانية تصل إلى 20 مليار شيكل (5.5 مليارات دولار).
وفي السياق، أشارت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية إلى أن الأوضاع الحالية تنذر بارتفاع أعباء الديون بسبب الاقتراض المتزايد، بينما بيئة الديون العالمية تتغير بشكل حاد وسريع وتضطر الحكومة إلى جمع مبالغ ضخمة وبسعر مرتفع، بسبب القفزة المتوقعة في العجز وعدم التوازن في موازنة الدولة.
وأصدرت الحكومة الإسرائيلية، في وقت سابق من مارس الجاري، سندات دولارية (أدوات دين) بقيمة 8 مليارات دولار، موضحة أنها جاءت على ثلاث شرائح لأجل 5 سنوات و10 سنوات و30 سنة. وهذه هي أول صفقة من نوعها منذ اندلاع الحرب على غزة، وأكبر عملية بيع لسندات دولارية في تاريخ إسرائيل، بحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية.
ووفق بلومبيرغ، من المنتظر أن تبيع إسرائيل أحجاماً شبه قياسية من السندات السنة الجارية تشمل خليطاً من الأوراق المالية المحلية والعالمية.
وكان يالي روتنبرغ، المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية، قد قال في تصريحات لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية في 26 فبراير الماضي، إن الحكومة تخطط لجمع نحو 250 مليار شيكل (69.4 مليار دولار وفق سعر الصرف أمس) من الديون هذا العام، وتجميد التوظيف الحكومي وزيادة الضرائب، وسط تضاعف الإنفاق الدفاعي تقريبا بسبب استمرار الحرب على غزة.
تزايد وتيرة الانكماش
ويأتي اللجوء المتزايد إلى الاقتراض في وقت تعاني المالية العامة من انخفاض عائدات الضرائب بسبب الانكماش الاقتصاد الحاد. وأظهرت بيانات محدثة، أن الاقتصاد الإسرائيلي انكمش في الربع الأخير من عام 2023 أكثر مما كان يعتقد في السابق، مع تضرر إنفاق المستهلكين والصادرات والاستثمارات بشدة من الحرب على غزة. وقالت دائرة الإحصاء المركزية، يوم الأحد، في تقدير ثان إن الاقتصاد انكمش 20.7% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، وذلك بعد التقدير الأولي الذي أشار إلى انكماش 19.4%.
ويُعد الربع الأخير من العام الماضي هو الأسوأ بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي من حيث إجمالي الناتج المحلي للفرد، وذلك منذ الربع الأول لجائحة فيروس كورونا في أوائل عام 2020. وأكد بنك "غولدمان ساكس" الأميركي في تقرير له أن "انكماش الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي في الربع الأخير من 2023 يسلط الضوء على درجة تأثر الاقتصاد بالصراع، لا سيما على جانب النشاط الخاص".
وكان بنك إسرائيل المركزي قد خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهو أول خفض منذ إبريل/نيسان 2020، كجزء من الجهود الرامية إلى استقرار الأسواق ودعم الاقتصاد وتقليل عدم اليقين وسط استمرار الحرب على غزة، لكن الأضرار التي لحقت بمختلف الأنشطة الاقتصادية تركت ندوبا عميقة.
وسبق أن كشف محافظ البنك المركزي أمير يارون على موقع البنك في يناير/كانون الثاني الماضي أن نفقات الحرب ستصل إلى نحو 220 مليار شيكل (61.1 مليار دولار) بين 2023 و2025، مع الأخذ في الحسبان فقدان الدخل بسبب آثار الصراع.