انهيار اقتصاد لبنان أشد هولاً من الحرب على مجتمع الأعمال

21 ابريل 2021
الاضطراب الحاصل في لبنان هزّ بشدة أركان الاقتصاد الوطني والشركات الخاصة (الأناضول)
+ الخط -

أصبحت تداعيات الانهيار الاقتصادي الحاصل في لبنان أشد هولاً على مجتمع الأعمال، من تلك التحديات التي كانت قد فرضتها الحرب الأهلية التي اندلعت سنة 1975 وانتهت فصولاً عام 1990.

سوزان معوض عايشت الحرب الأهلية اللبنانية وأنشأت وكالة إعلانية ناجحة في الأيام المفعمة بالأمل التي أعقبت انتهاء القتال، لكنها تقول إن الانهيار الاقتصادي في بلدها يؤلمها بطريقة لم تفعلها حتى الصواريخ.

وتتحدّر سوزان (56 عاما) من أسرة ميسورة الحال، وكانت في السابق تعيش حياة مترفة، حيث كانت تدير وكالتها بالإضافة إلى شركة لتصنيع الورق مملوكة للأسرة، وتقضي إجازات عديدة في الخارج وتُحصل إيجارات من العقارات التي تمتلكها.

أما الآن، فقد شارف نشاط وكالتها ومصنع الورق على التوقف، ولم يعد بإمكان المستأجرين دفع الإيجار، وتجد نفسها تفكر مليا في أسعار السلع في المتاجر خلال جولتها الأسبوعية للتسوق. وتقول: "أنا ما خذلت لبنان. لبنان خذلني ووجعني".

وفي ظل عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للشلل الاقتصادي والمالي، تشعر سوزان بحالة من اليأس لم تساورها خلال الحرب التي اندلعت عندما كان عمرها 12 عاما واستمرت 15 عاما.

وقالت: "بوقت الحرب، كان بيوقع صاروخين في يوم وفي اليوم التاني بتفوق حالك وبترجع على المدرسة أو الشغل.. هلا المصاري محجوزة بالبنوك وما في شغل".

ومنعت المصارف اللبنانية، وهي أكبر دائني الدولة المفلسة، العملاء من الوصول إلى ودائعهم، بموجب قيود غير رسمية على رأس المال فُرضت دون تشريع منذ أواخر عام 2019 عندما بدأ الانهيار المالي في البلاد.

وفقدت مدخرات الناس بالليرة اللبنانية معظم قيمتها، بينما يتعذر الوصول إلى الودائع الدولارية.

وتؤدي الأزمة إلى هجرة العقول، حيث يهاجر المهنيون مثل الأطباء والأكاديميين والمصممين ورواد الأعمال بأعداد كبيرة، مما يؤثر بدوره على الاقتصاد المحلي، ويؤدي إلى مزيد من التراجع في الاستثمارات والطلب على الخدمات.

وعندما أسست سوزان وكالتها الإعلانية في عام 1992، كانت الحرب الطويلة تقترب من نهايتها وكانت الآمال كبيرة بالنسبة لمستقبل لبنان. وبعد بضع سنوات، ومع شعورها بالتفاؤل، باعت عقارا كانت تملكه في اليونان للاستثمار مجددا في وطنها.

لكن في ظل الضائقة المالية التي يعاني منها عملاؤها، تقلصت أعمالها بنحو ثلاثة أرباع خلال الأزمة الاقتصادية. وباتت سوزان نفسها تواجه ضغوطا مالية يومية. وقالت: "صار عندي هاجس بظروف المعيشة. طول الوقت عم فكر شو راح أعمل؟ بدفع رسوم البلدية ولا أتعاب الميكانيكا ولا الكهربا... أنا تحت ضغط وما كنت عم فكر هيك من قبل".

وبعدما كان جدول العمل مزدحما، باتت تعمل بالكاد لمدة ساعة يوميا عبر الإنترنت. وفي المستودع الكبير الذي توجد به أعمال تصنيع الورق، تضاءل النشاط وتباعدت عمليات تسليم المواد الخام.

وقالت وهي تشير إلى بعض أكوام المواد الخام: "كنا بالعادي كل تماني وأربعين (ساعة) أو كل أربع تيام منقدر نعبي. هلا هيدا كله سوا بيضل معنا جمعتين تلاتة".

لكن على الرغم من كل شيء، فهي لا تفكر في الهجرة. فبعدما عاشت في الولايات المتحدة لمدة ستة أشهر في التسعينيات، وواجهت صعوبة في التعود على الحياة هناك، لا تزال تريد العيش في وطنها. وتقول: "كل شي حاربت كرماله موجود هون. إتركه لغيري؟ لا".

(رويترز)