يدور جدل واسع في اليمن حول الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومة اليمنية والبنك المركزي في عدن لمعالجة التشوهات السعرية في سوق النقد، ومعالجة الاختلالات في منظومة العمل المصرفية وانفلات الأسواق وانهيار العملة وتجاوزها حاجز 1000 ريال مقابل الدولار الواحد.
وحسب مراقبين، تُلقي إجراءات الحكومة اليمنية والبنك المركزي بتبعات وردود أفعال واسعة على أسواق العملات، ناهيك عن خلافات وصراع يتخذ أشكالاً متعددة، ومنها إجراءات جمعية الصرافين اليمنيين في عدن التي أعلنت، في وقت سابق، عن إضراب شامل لجميع محال وشركات الصرافة بحجة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
ويوجه الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي انتقادات لاذعة لمحال الصرافة وما أقدمت عليه من ممارسات وصلت إلى حد الاحتيال والكذب والدجل والمتاجرة بالعملات في السوق السوداء، بعد أن أصبحت تقوم بدور البنوك في العمليات المصرفية بسبب عدم تفعيل دور القطاع المصرفي في عدن ومناطق الحكومة المعترف بها دولياً.
ويشير العوبلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة العمل على استعادة نشاط البنوك وإغلاق محال وشركات الصرافة، وإلزام كافة الجهات والمؤسسات والمرافق العامة بالتعامل معها بدلا عن محال الصرافة.
ويوضح أن هناك فجوة متسعة بين قرارات المركزي اليمني والواقع المعمول به، فما يقوم به البنك في الجانب النقدي ليس أكثر من ضخ عملة مطبوعة لدفع رواتب الموظفين المدنيين وبعض الالتزامات الأخرى، بينما تأخر كثيرا في التعامل مع التشوهات السعرية للعملة، التي كان المفروض أن يبدأ بها قبل عامين عندما تسبب الحوثيون في هذه التشوهات والفوارق السعرية في سوق الصرف.
ويذكر العوبلي بعض الإجراءات التي تأخر البنك المركزي كثيرا في القيام بها، مثل العمل على سحب العملة القديمة من مناطق سيطرة الحوثيين وإلزامهم بالتعامل بالعملة الجديدة في بعض المعاملات، مثل شراء غاز الطهي الذي توفره شركة صافر الحكومية في مأرب.
ويعتزم البنك المركزي اليمني تدشين خطة عمل في المرحلة القادمة، ستتضمن إجراء عمليات تدقيق شاملة لحسابات البنوك، والتحقق من سلامة الإجراءات وقانونيتها، ومدى تطبيق معايير الامتثال لدى البنوك وضبط المخالفات واتخاذ إجراءات صارمة تجاهها حفاظاً، وفق مسؤولين في البنك، على سلامة النظام المصرفي وحماية عملائه.
وتواصل العملة اليمنية انهيارها على الرغم من القرارات والإجراءات الحكومية المتخذة لضبط التشوهات السعرية للعملة، والحد من تضخم سوق الصرف الذي يعاني من انفلات واسع، وفوضى يعجز البنك المركزي عن التعامل معها وتنظيمها.
وسجل الريال اليمني تراجعاً ملحوظاً منذ يوم الأربعاء الذي نفذت فيه جمعية الصرافين في عدن إضراباً شاملاً في العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية عدن.
من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن أمين علي حسن، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أن ضخ عملة من فئة الحجم الكبير والتشديد على توسيع التعامل بها لا يعتبران حلا للتشوهات السعرية، لا سيما أن البنك المركزي غير قادر على ممارسة وظائفه في ظل الانقسام المصرفي بين صنعاء وعدن، بالإضافة إلى غياب الحكومة وتأثيرها وغياب السياسات النقدية السليمة وأدواتها.
ويقول أستاذ الاقتصاد إن قرار البنك المركزي بدا ركيكا عندما ربط إلزام الصرافين بعدم فرض رسوم تحويل جزافية بإصدار نقود من فئة الحجم الكبير، وكأنه غير قادر على إلزامهم بذلك لتحويل العملة ذات الحجم الصغير التي يرفض الحوثيون التعامل بها.
ويستبعد أن تحدث هذه الحزمة من الإجراءات تأثيراً قوياً في السوق، إذ لا يراها حلا للتشوهات السعرية، كما أن الإصدار النقدي الذي يتوعد به البنك المركزي قد يزيد الطين بلة، كونه سيؤدي إلى زيادة المعروض النقدي من دون أن تكون هناك معالجات جادة.
وتؤكد الحكومة اليمنية أن هناك توزيعاً لوحدات سحب خاصة من صندوق النقد الدولي ستحصل منها على حصة تعادل 555 مليون دولار، ستكون متاحة للاستفادة منها نهاية الشهر الجاري، إلى جانب تزايد الإيداعات من مؤسسات نقدية لدول صديقة لليمن في حسابات الحكومة بالنقد الأجنبي في الخارج، مقابل توفير نقد بالعملة المحلية لمقابلة مدفوعاتهم في اليمن، ما يعزّز من الاحتياطي الخارجي لليمن من النقد الأجنبي، وقدرة الحكومة على تغطية استيراد احتياجاتها الأساسية، في إشارة إلى تأثير ما يتم تنفيذه من إجراءات على المستويات الاقتصادية والمالية والنقدية.
لكن أستاذ الاقتصاد علي حسن يرى ضرورة الوصول إلى حلول سياسية بعد عجز الحل العسكري، لأنه بدون ذلك يصعب على البنك المركزي والحكومة أن يقوما برسم وتنفيذ السياسات المالية والنقدية التي تستخدم للتحكم في المعروض النقدي، وبالتالي علاج حالات التضخم والانكماش.