أدى توقف الملاحة في قناة السويس، في شهر مارس/آذار الماضي، إلى لفت الانتباه مجددا إلى الأهمية الاستراتيجية التي يحظى بها الممر المائي المصري على صعيد التجارة العالمية، كما أثار المخاوف من تجدد مثل هذه الحوادث في المستقبل، وأعاد طرح فكرة إيجاد مسارات وطرق بديلة للقناة تزامناً مع بروز اتجاهات عالمية جديدة في مجال التجارة البحرية.
ما سبق كان محور دراسة حديثة نشرها مركز أبحاث صندوق الودائع والقروض الإيطالي تحت عنوان "قناة السويس والمسارات البديلة: مستقبل إيطاليا في التجارة البحرية"، والتي أكدت أن النقل البحري هو القاطرة الرئيسية للتجارة الدولية، حيث يمر 90% من المبادلات التجارية حول العالم عبر البحار.
وتمثل قناة السويس أحد المحاور الرئيسية للتجارة البحرية الدولية، حيث تحتل المركز الخامس عالمياً من حيث حجم البضائع.
وبالنسبة لإيطاليا، تشكل محوراً أساسياً، حيث إنها مسؤولة عن مرور 40% من المبادلات التجارية للبلاد مع آسيا، بقيمة 83 مليار يورو تقريباً.
مسارات بديلة
وتابعت الدراسة أن توقف الملاحة في قناة السويس، في شهر مارس/آذار الماضي، لفت انتباه المجتمع الدولي إلى إمكانيات وفرص إيجاد مسارات جديدة للتجارة العالمية، التي يمكن حصرها في الآتي:
النقل البحري هو القاطرة الرئيسية للتجارة الدولية، حيث يمر 90% من المبادلات التجارية حول العالم عبر البحار.
• المسار البديل التقليدي المتمثل في طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا، والذي يستدعي وقتاً وتكلفة أكبر بكثير من قناة السويس.
• المسار القطبي، وهو الفرضية التي نوقشت على نطاق واسع، وذلك لأن ارتفاع درجة الحرارة على المستوى العالمي وما يتبعه من ذوبان الجليد، يمكن أن يؤدي لفتح مسارات جديدة في القطب الشمالي من شانها تعديل توازنات التجارة الدولية.
ومن الصعب مقارنة قناة السويس بمسار متاح للملاحة مدة 3 أشهر فقط في العام، وعلى الرغم من ذلك، فإن تصاعد التوجه الحالي لتقليل الجليد من الممكن أن يؤدي إلى زيادة فترة إمكانية الملاحة هناك في السنوات المقبلة، وصولاً إلى الملاحة طوال العام خلال عام 2040.
وأوضحت الدراسة أن المزايا التي يقدمها المسار القطبي تعتمد على تغير رسوم المرور المطبقة في قناة السويس، وكذا الاستثمارات اللازمة لتأهيل المسار بشكل كامل، والموانئ المتوسطة الأساسية.
ومن المزايا التي يقدمها المسار القطبي، وفقا للدراسة، تقليل المسافة التي تقطعها السفن نحو شمال أوروبا، وكذا خفض تكلفة الوقود .
كما يمكن للمسار القطبي أن يكتسب تنافسية عبر تقديم تكامل مع الطرق البحرية الكبرى الأخرى، مثل مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي تهدف إلى تحسين الروابط التجارية للبلاد مع باقي دول العالم، والتي تتضمن أيضا، فضلا عن الطريق البري التقليدي وقناة السويس، المسار القطبي على وجه التحديد، الذي أعادت تسميته ليكون "طريق الحرير القطبي".
وشددت الدراسة على الدور المحوري الذي من الممكن أن تلعبه أوروبا، وبصفة خاصة إيطاليا، في هذا السياق، لجعل المسارات أكثر قرباً وتكاملاً فيما بينها، مثل خطوط السكك الحديدية في شبكة النقل عبر أوروبا (TEN-T) وزيادة كفاءة موانئ البحر المتوسط وبحر الشمال.
المزايا التي يقدمها المسار القطبي تعتمد على تغير رسوم المرور المطبقة في قناة السويس، وكذا الاستثمارات اللازمة لتأهيل المسار بشكل كامل، والموانئ المتوسطة الأساسية.
وفي ما يتعلق بمشروع طريق الحرير الجديد، فإن تطوير خط السكك الحديدية ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار، بالنظر إلى الأهمية التي اكتسبها في الأعوام الأخيرة بالنسبة للقطارات والبضائع.
وشجعت أزمة جائحة كورونا هذا التوجه، بسبب زيادة ظاهرة الإبحار الفارغ (blank sailing) وما ترتب عنها من تداعيات على النقل البحري والرسوم على الحاويات.
كما أن الشحن الجوي صار أعلى تكلفة، نتيجة لإلغاء العديد من الرحلات، ليفسح المجال للنقل عبر السكك الحديدية، الذي أثبت أنه بديل مهم لضمان التدفقات التجارية الدولية في فترة هي الأصعب بالنسبة للتبادل التجاري على مستوى العالم.
توجهات جديدة
ولفتت الدراسة إلى أنه إذا كان الحديث قد انفتح على الطرق والمسارات التي من الممكن أن تلعب دوراً تكميلياً مقارنة بتلك القائمة بالفعل، فإن محورية البحر المتوسط في حركة التجارة البحرية لم تتطرق إليها المناقشات بعد.
وتكفي الإشارة في هذا المقام إلى أن قرابة ثلث خدمات تجارة الحاويات العالمية تتركز في حوض المتوسط، الذي يتميز أيضاً بالمنافسة القوية بين موانئه والاستثمارات الهائلة التي تنفذها الشركات الخاصة أو العامة.
اتجاهات أخرى للتنمية
وأوضحت الدراسة أنه على الرغم من أن موضوع المسارات الجديدة سيكون مادة محورية للنقاش على المدى الطويل، فإن الاتجاهات التي تسهم اليوم في إعادة توصيف ديناميات وخصائص المبادلات التجارية العالمية عن طريق البحر تتركز على الأقل في 3 عناصر هي:
العملقة البحرية: حيث عمدت شركات النقل البحري في الأعوام الأخيرة إلى دعم أساطيلها بإضافة سفن نقل حاويات بأبعاد عملاقة.
لنقل عبر السكك الحديدية الذي أثبت أنه بديل مهم لضمان التدفقات التجارية الدولية في فترة هي الأصعب بالنسبة للتبادل التجاري على مستوى العالم
أنشطة التعزيز: حيث شهد العقد الأخير عدداً متنامياً، سواء من عمليات الاندماج والاستحواذ التي خفضت من عدد الشركات الكبرى في السوق، أو من اتفاقيات التعاون بين الشركات من جنسيات مختلفة والعاملة في مسارات مختلفة.
الاندماج الرأسي: حيث أعربت شركات الشحن البحري عن رغبتها القوية في توسيع نطاق أنشطتها، لتشمل أيضاً حلقات أخرى للسلسلة اللوجستية، وقد نجم عن هذا التوجه أن أهم شركات الشحن البحري اليوم تنشط في مجالات قريبة من القطاع، عبر الإدارة المباشرة لمحطات وخدمات لوجستية والنقل عن طريق السكك الحديدية والطرق البرية.
مستقبل إيطاليا مع المسارات الجديدة
هذه الاتجاهات، التي تعد نتيجة لتوجه قوي من قبل الشركات نحو الوصول إلى أفضل مستوى للتكاليف وإلى زيادة كفاءة العمليات والخدمات اللوجستية، تضع بعض القيود الواضحة على منظومة الموانئ واللوجستيات، مستدعية تدخلات بعينها.
ومن التدخلات الضرورية، وفقا للدراسة، تطوير البنى التحتية، سواء في ما يتعلق بالأصول أو بالخدمات، والتعجيل بإعادة النظر في استراتيجيات وفكر سوق شركات النقل البري.
ورأت الدراسة أنه إذا كانت المسارات الجديدة والاتجاهات القائمة تمثل من ناحية فرصة لنمو التجارة البحرية، فإنها تعتبر من ناحية أخرى تحديا لإيطاليا لاستعادة دورها المحوري في إطار ديناميات وتطورات التجارة العالمية.
وأضافت أن استفادة إيطاليا من هذه الفرص تتطلب منها تطوير الموانئ القائمة لمواكبة متطلبات تطورات السفن وأحجامها.
لوجستيا، على إيطاليا تطوير كفاءة الموانئ القائمة للحصول على ثقة شركات النقل البحري ورجال الأعمال في ما يتعلق بتوقيت وجودة الخدمة، وهما عاملا الحسم في اختيار الموانئ.
واعتبرت الدراسة أن عملية دعم الشركات الوطنية من الممكن أن تلعب دوراً أساسياً في اتجاه زيادة كفاءة وتنافسية العرض اللوجستي.
ورأت الدراسة أن الدفع نحو احتلال إيطاليا مركزاً أفضل داخل قطاع التجارة البحرية أمر مهم لسببين، أولهما داخلي يتعلق بأن أكثر من ثلث حجم التبادل التجاري لإيطاليا يأتي عبر البحر.
أما العامل الثاني، فهو خارجي يتعلق بضرورة استفادة إيطاليا من موقعها الجغرافي في التجارة الدولية بين الشرق والغرب، كما أن تفعيل المناطق الاقتصادية الخاصة وجعلها أكثر جاذبية يدفعان باستعادة الدور المحوري لإيطاليا في البحر المتوسط.