باحث إيطالي يرصد تداعيات العدوان على غزة ولبنان على اقتصادات المنطقة وأسواق الطاقة

22 أكتوبر 2024
من آثار العدوان الإسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية، 22 أكتوبر 2024 (حسين بيضون)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التأثير الاقتصادي للصراع: هجوم السابع من أكتوبر أعاد تشكيل التوازنات الإقليمية في الشرق الأوسط، حيث أثر العدوان الإسرائيلي على اقتصادات المنطقة، لكن الاقتصاد العالمي وسوق الطاقة لم يتأثرا بشكل كبير حتى الآن.

- تداعيات العدوان الإسرائيلي: العدوان أدى إلى تدهور اقتصادي في فلسطين ولبنان، مع تراجع الناتج المحلي وارتفاع الفقر، وتأثرت الأردن ومصر بتباطؤ النمو وتراجع دخل قناة السويس.

- مستقبل التعاون الاقتصادي: التقارب الدبلوماسي السابق قد يتأثر بالتصعيد المحتمل بين إسرائيل وإيران، مما يهدد التعاون الاقتصادي ويزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.

تعرضت الأوضاع الجيوسياسية في الشرق الأوسط بالكامل على مدار العام الماضي لهزات عنيفة عقب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ومن ثم انطلقت عملية إعادة تعريف للتوازنات الجيوسياسية الإقليمية، ولم تتضح بعد الإحداثيات التي سوف تستقر عليها. وقد رصد الباحث الإيطالي ألدو ليغا تداعيات العدوان الإسرائيلي ضد غزة ولبنان على الاقتصاد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. فماذا في أبرز نتائج بحثه؟

أمّا على المستوى الاقتصادي، فقد بدت الصورة تدريجياً، كما ذكر الباحث الإيطالي ألدو ليغا، أقل إثارة للقلق مما كان متوقعاً في البداية: على الرغم من التأثير القوي للغاية للعدوان الإسرائيلي في اقتصادات البلدان المعنية، فإن الاقتصاد العالمي، وعلى وجه الخصوص سوق الطاقة، لم يتأثر بشكل خاص بالصراع الدائر.

واستدرك ليغا، في تحليل نشره معهد دراسات السياسة الدولية بميلانو (ISPI) تحت عنوان "الشرق الأوسط: انهيار اليقينيات"، بقوله إن هذه الفرضية قد تتغير بسرعة في أعقاب الهجوم الإيراني على إسرائيل في الأول من الشهر الجاري: كيف ستكون ردة فعل المنطقة على "حرب شاملة" محتملة بين إسرائيل وإيران؟ وكيف ستكون ردة فعل أسواق الطاقة على العدوان الإسرائيلي المرتقب على البنى التحتية النفطية الإيرانية أو على هجوم طهران على حقول الغاز الطبيعي الإسرائيلية؟ وأخيراً، كيف تؤثر هذه الأزمة الأخيرة في ديناميات التعاون الاقتصادي الإقليمي المُعدّة قبل بدء الصراع؟

تأثير العدوان على غزة ولبنان في أسواق النفط والغاز

وأوضح أن أسعار النفط والغاز الطبيعي لم تسجل، على وجه العموم، زيادة خلال السنة الأولى من الحرب، تلك الزيادة التي كانت تدور حولها المخاوف في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر والعدوان الإسرائيلي المستمر الذي أعقبه، باستثناء المراحل الأكثر حدة من الصراع، كما حدث بالتزامن مع الهجوم الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة في الليلة الواقعة بين 13 و14 إبريل/نيسان.

وأضاف أن أسعار النفط ظلت، حتى بعد مصرع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وبدء العملية البرية في لبنان في نهاية سبتمبر/أيلول، عند متوسط 70 دولاراً للبرميل. والحقيقة أن نية السعودية، التي أعادت الصحف صياغتها، لزيادة حصتها الإنتاجية، كان يبدو أنها نبوءة بمزيد من استقرار الأسعار في الربع الأخير من العام.

وتابع الباحث الإيطالي أن هذه الصورة "المتفائلة" تغيرت جزئياً في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على إسرائيل: حيث ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة 8% في أسبوع لتتجاوز 78 دولاراً للبرميل، وهي أعلى زيادة أسبوعية منذ يناير/كانون الثاني 2023. وأوضح أن التأثير المحتمل في أسواق الطاقة الإقليمية والعالمية سوف تتحدد معالمه من خلال مدى الانتقام الإسرائيلي وأهداف الهجوم.

وتساءل: "هل ستُستَهدَف محطة جزيرة خرج في الخليج، التي يمر عبرها 90% من صادرات النفط الخام الإيراني؟ أم قدرات تكرير النفط في البلاد، وهي من أكبر القدرات في المنطقة؟ هل ستقصف البنى التحتية المخصصة لتلبية الطلب الداخلي، مثل مصفاة نجم الخليج، التي تضمن وحدها 40% من احتياجات البلاد من البنزين؟ هل ستكون ردة فعل طهران هي "إغلاق" مضيق هرمز الذي تمر عبره 35% من الصادرات العالمية من النفط الخام عن طريق البحر و21% من صادرات الغاز الطبيعي المسال؟ وكيف ستكون ردة فعل الدول الأخرى المصدرة للطاقة في الخليج؟".

ونقل ليغا عن محللي مؤسسة كليرفيو إنيرجي بارتنرز الأميركية لأبحاث الطاقة قولهم إنه "من المفترض أن يرتفع سعر برميل النفط بنحو سبعة دولارات إذا فُرضت عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية، وبمقدار 13 دولاراً إذا استهدف العدوان الإسرائيلي البنى التحتية للطاقة الإيرانية، وبما يصل إلى 28 دولاراً إذا تعطل تدفق الإمدادات عبر مضيق هرمز"، مضيفاً أن "إغلاق هذا الأخير سوف يؤدي، وفقاً لتحليل آخر، إلى ارتفاع الأسعار إلى نحو 150 دولاراً للبرميل". 

وفي ما يتعلق بسوق الغاز، فإنه يتعرض أيضاً، وفقاً للباحث الإيطالي، لتقلبات هذه الأيام، حيث توقف الإنتاج من حقل الغاز الرئيسي في إسرائيل ليفياثان لفترة وجيزة خلال الهجوم الإيراني، بينما هددت طهران بضرب حقول النفط الإسرائيلية إذا هاجمت تل أبيب إيران. وأشار إلى أن إسرائيل تنتج حوالي 22 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، كما يبلغ نصيبها حوالي 3.9% من الإمدادات العالمية من الغاز الطبيعي المسال. وعلاوة على الاقتصاد الإسرائيلي، فإن الهجوم الإيراني المحتمل سيكون له أيضاً عواقب كارثية على اقتصاد عملاء تل أبيب الرئيسيين، الأردن ومصر.

ولفت إلى أن الوضع في مصر، على وجه الخصوص، حرج، نظراً لأزمة الطاقة الخطيرة التي تمر بها البلاد التي تشهد انقطاعاً متكرراً للتيار الكهربائي وتراجعاً مستمراً في الإنتاج الوطني في سياق من الاستهلاك المتنامي، في حين أن الاعتماد على الغاز الإسرائيلي من المتوقع أن يزداد بنسبة 20% في أكتوبر. 

تداعيات العدوان الإسرائيلي على اقتصادات المنطقة

ورأى أن "احتمالية وقع تصعيد أكثر خطورة بين إسرائيل وإيران من شأنه أن يزيد بشكل كبير من الكلفة الاقتصادية التي دفعتها دول المنطقة في العام الماضي. وإذا كان الأداء الاقتصادي الحالي قد استوعب جزئياً تأثير الحرب في المستوى العالمي، فإن التصعيد المحتمل على المستوى الإقليمي بين تل أبيب وطهران قد يفاقم بشكل أكبر إطاراً بات بالفعل على المحك، خاصة في البلدان الأكثر تورطاً بشكل مباشر في الصراع، مثل إيران وإسرائيل وفلسطين ولبنان والأردن ومصر"، مضيفاً أنه "إذا كان الاقتصاد الإيراني قد أصابه الوهن بفعل عقد من العقوبات، وسياسات اقتصادية غير مستدامة ومعدل نمو منخفض جداً ومعدل تضخم مرتفع للغاية (37,5%)، فإن اقتصاد إسرائيل يواجه الحرب الأطول والأغلى كلفة منذ تأسيسها".

ولفت إلى أن حجم الكارثة الاقتصادية الهائل الذي يسببه العدوان الإسرائيلي تمدد ليضرب في المقام الثاني فلسطين، التي فقدت في الربع الأول من عام 2024 حوالي 35% من ناتجها المحلي الإجمالي، وتشير التقديرات إلى أن معدل الفقر قد وصل بالفعل إلى 61% (كان 38% قبل الحرب). وتعرضت بنى تحتية ومرافق إنتاج ومحطات طاقة ومدارس ووحدات سكنية لدمار شامل أدى إلى شل النشاط الاقتصادي، وتسبب في انهيار معدلات الاستهلاك.

وفي جنوب لبنان، تفاقم العمليات العسكرية الإسرائيلية الأزمة في بلد يرزح تحت أزمة اقتصادية ومالية عميقة منذ أكثر من خمس سنوات. ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد في العام الحالي بنسبة 5%. أما جنوب البلاد، حيث تجري حالياً العمليات البرية الإسرائيلية، فهو منطقة زراعية حيوية بالنسبة للاقتصاد اللبناني: 80% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة يأتي من القطاع الزراعي.

ويقترن شلل الاقتصاد الإقليمي بنزوح قرابة المليون شخص وانهيار قطاع السياحة (الذي كان يساهم بنسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023). والحقيقة أن قرار 100 ألف مواطن لبناني الفرار من البلاد واللجوء إلى سوريا المجاورة، التي يهيمن عليها صراع مستمر منذ أكثر من 13 عاماً، هذا القرار يمثل نموذجاً لمأساوية الأزمة الراهنة، وفقاً لليغا.

وتابع أنه بالنسبة للأردن، فمن المتوقع أن يتباطأ معدل النمو فيها في عام 2024 بنسبة 2,4% متأثراً بشكل رئيسي بتضرر أنشطة الاستيراد والتصدير من ميناء العقبة الذي ضربته أزمة البحر الأحمر وتراجع التدفقات السياحية المحلية والدولية بنسبة 7,2%. وكان التراجع الأكبر في المواقع السياحية مثل البتراء، حيث ظل حوالي نصف فنادقها مغلقاً الصيف الماضي، وصحراء وادي رم التي شهدت انخفاضاً في أعداد الزوار بنسبة 70%.

وأشار إلى أن مصر التي تعاني من تدهور حركة المرور في قناة السويس بنسبة 50% بسبب هجمات الحوثيين على حركة المرور في البحر الأحمر، هي من أكثر الدول التي تئن تحت وطأة عدم الاستقرار الإقليمي. وقد انهار دخل القناة بنسبة 23,4%، فبعد 9.4 مليارات دولار حققتها في العام المالي 2022/2023، تراجع الرقم إلى 7.2 مليارات دولار في العام المالي 2023/2024"، مستدركاً بقوله إنه "على الرغم من ذلك، تمكّنت القاهرة خلال الأشهر الأخيرة من جذب استثمارات دولية ضخمة، قادمة بشكل رئيسي من الإمارات والسعودية. وفي هذا السياق، فإن تصعيداً إقليمياً محتملاً قد يلقي بظلاله أيضاً على دول الخليج العربي، وربما يؤدي إلى خفض هذه الاستثمارات بشكل ملحوظ". 

أي مستقبل للتعاون الاقتصادي في المنطقة؟

ولفت إلى أن الشرق الأوسط، قبل السابع من أكتوبر، كان قد استفاد من عملية التقارب الدبلوماسي بين العديد من الجهات الفاعلة في المنطقة، مع التئام العديد من "الجروح" والكسور التي تراكمت على مر السنين، مثل تلك التي تستغرق دول مجلس التعاون الخليجي، والخصومة بين السعودية وإيران، والتوترات بين تركيا ومصر. ليس هذا فحسب، بل في العلاقات مع إسرائيل، التي شهدت إطلاق عملية تطبيع شملت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

وأوضح أن هدف إقامة تعاون اقتصادي أكبر كسلاح ضد التقلبات الجيوسياسية التاريخية في المنطقة كان من بين الدوافع الرئيسية لهذه الموجة من التقارب. وعلى الرغم من أن هذه العملية لم تترجم بعد إلى مزيد من التكامل الاقتصادي الإقليمي، فإن المسار الذي كانت ملامحه قد تحددت يشهد الآن توقفاً مؤقتاً.

وقال إن ثمة أسئلة تطرح نفسها في هذا المقام: هل سيؤدي التصعيد المحتمل بين إسرائيل وإيران إلى الابتعاد أكثر عن هذا الهدف؟ أو هل من شأن النظام الجديد الذي تحاول إسرائيل فرضه، على الجانب المقابل، فتح آفاق تنموية جديدة؟ وختم الباحث الإيطالي بقوله "بينما يترقب العالم بقلق الانتقام الإسرائيلي والرد الإيراني المحتمل، هناك المزيد والمزيد من الأمور المجهولة والتداعيات طويلة المدى التي سوف تتراكم على المستقبل الاقتصادي للمنطقة".

المساهمون