لم توزع حكومة بشار الأسد مازوت التدفئة على السوريين لهذا العام، ما اضطرهم في ظل انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة إلى اللجوء للتدفئة على الحطب وأحياناً الفحم الحجري ووسائل أخرى خطرة صحياً للهروب من برد الشتاء وتقليل المصاريف، في ظل ارتفاع أسعار المازوت في السوق السوداء نتيجة ندرته. وتعاني سورية من شح شديد في المشتقات النفطية، بعد تراجع الإنتاج المحلي إلى أقل من 25 ألف برميل نفط يومياً، في حين تبلغ احتياجات سورية أكثر من 145 ألف برميل، حصة المازوت منها نحو 6 ملايين ليتر، ما يرفع الفاتورة النفطية لنحو 200 مليون دولار شهرياً، بحسب بيانات رسمية لمؤسسات النظام السوري.
ويقول العامل السابق في محافظة دمشق، خضر محمد: لم تف حكومة الأسد بوعودها بتوزيع مازوت التدفئة بالسعر المدعوم حتى الآن، بل تركت السوريين عرضة لجشع تجار السوق السوداء، إذ وصل سعر ليتر المازوت إلى نحو 700 ليرة (الدولار = نحو 3 آلاف ليرة في السوق السوداء).
ويشير محمد لـ"العربي الجديد" إلى أن رفع سعر المازوت الشهر الماضي لم يؤد إلى توفره كما وعد نظام بشار الأسد، ما أدى إلى انتشار طرق التدفئة على الحطب، كحل وحيد متاح، بواقع انقطاع التيار الكهربائي لست ساعات مقابل وصلها ساعتين على مدار اليوم.
وأدى الإقبال على وسائل التدفئة القديمة إلى ارتفاع أسعار الحطب والمدافئ، بالتوازي مع غلاء جميع مستلزمات الشتاء، بأسعار خيالية، بحسب وصف محمد. وكان نظام الأسد قد رفع الشهر الماضي سعر ليتر المازوت الصناعي بنسبة 120 بالمائة، ليصل سعر الليتر الواحد 650 ليرة، بالتوازي مع رفع سعر البنزين بنسبة 23.55 بالمائة، ليصل سعر الليتر إلى 1050 ليرة سورية.
واستطلعت "العربي الجديد" آراء سوريين من محافظات عدة، حول اللجوء إلى طرق التدفئة على الحطب ومستوى الأسعار بعد إقبال المواطنين على الحل الوحيد المتاح للتحايل على برد الشتاء.
يقول المواطن إبراهيم الدايخ من مدينة حماة وسط سورية: "انتشرت سوق سوداء للحطب بعد إعلان الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب عن عدم قدرتها على تلبية كامل احتياجات السوق بعد زيادة الطلب هذا العام". ويضيف الدايخ لـ"العربي الجديد" إنه نقلاً عن مديرية الحراج بزراعة حماة، فإن الحطب لهذا العام غير متوافر، والموجود منه تم بيعه لأسر الشهداء والجرحى بسعر 12 ألف ليرة للطن وبمعدل 500 كلغ للأسرة الواحدة، مشيراً إلى أن سعر الطن بالسوق يبلغ نحو 80 ألف ليرة ومرشح للارتفاع.
وانسحب حال زيادة الطلب على الحطب إلى جنوبي سورية، إذ يؤكد سامر عز الدين، من محافظة السويداء لـ"العربي الجديد" أن "سعر طن الحطب ارتفع هذا العام بنحو 150 بالمائة، في حين لم يزد سعر الطن العام الماضي عن 65 ألف ليرة، وصل اليوم إلى نحو 175 ألف ليرة". ويشير عز الدين إلى أن شح المازوت رفع سعر الليتر إلى أكثر من 600 ليرة في بعض المناطق، ما دفع معظم أهالي المحافظة للتوجه إلى التدفئة على الحطب في أبرد مدن سورية. وبحسب تصريحات مواطنين لـ"العربي الجديد"، فقد كان ارتفاع سعر الحطب بمحافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة هو الأعلى، إذ يؤكد المواطن محمد العساني أن سعر طن الحطب ارتفع من نحو 70 دولاراً إلى 130 دولاراً هذا العام، ولا قدرة شرائية لدى السوريين في المحافظة، لشراء المازوت.
ويلفت العساني إلى أن "قطع الأشجار والتحطيب الجائر انتشرا بكثرة، خلال الفترة الأخيرة، فإيجاد طرق للتدفئة والهروب من البرد تغلبا على سكان إدلب على حساب ثروات المحافظة التي تؤوي أكثر من 3 ملايين سوري، بعد وصول المبعدين من بقية المحافظات إليها". ويشير العساني إلى انتشار التدفئة على الحطب بمخيمات اللجوء أيضاً، فبعض المنظمات الإنسانية وزعت المدافئ وتركت أمر تأمين الوقود للنازحين.
وتواصل أسعار مستلزمات التدفئة في سورية تسجيل ارتفاعات قياسية مع بداية كل فصل شتاء، إذ ارتفعت إلى أكثر من الضعف خلال أقل من شهر وبنحو 200% مقارنة مع العام الماضي. وتشير مصادر من دمشق إلى ارتفاع أسعار المدافئ بمقدار الضعفين خلال عام واحد، مما دفع بعض المواطنين لوصف شتاء هذا العام بأنه سيكون الأبرد على الإطلاق، لأنهم استغنوا عن الكثير من مصادر الدفء، وما زالوا يعانون للحصول على الغاز والمازوت.
ووصل سعر المدفأة الكبيرة إلى 150 ألف ليرة سورية، بارتفاع 30 ألف ليرة تقريباً عن الشهر الماضي، بينما لم يتجاوز سعرها العام الماضي 50 ألف ليرة، ومع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، ارتفع سعر المدفأة ذات الوشيعتين (قضيبين) من 5000 ليرة إلى 20 ألف ليرة، والمدفأة بـ3 وشائع مع توربين حجم كبير بلغت نحو 150 ألف ليرة.
وحتى المدافئ التي توصف بالخطرة على الصحة، وصل سعرها إلى نحو 40 ألف ليرة، في حين لم يتعدَّ سعر هذه النوعية 6 آلاف ليرة العام الماضي، بحسب مواطنين من دمشق.
وفي هذا السياق، يقول الاقتصادي السوري حسين جميل، لـ"العربي الجديد": "تأتي تكاليف المعيشة بالشتاء مضاعفة على السوريين الذين يعيشون حياة صعبة، لتزيد من فقرهم، ففاتورة المعيشة الشهرية خلال فصل الشتاء، بواقع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والغذاء والألبسة، تزيد عن 600 ألف ليرة للأسرة الواحدة، في حين من له دخل ثابت، لا يزيد عن 60 ألف ليرة.
ويشير جميل إلى أن الحد الأدنى من احتياجات الأسرة هو 300 ليتر مازوت أو 3 أطنان من الحطب، وثمن وقود التدفئة فقط هو أعلى من دخل الأسرة، لذا بدأنا نسمع عن طرائق تدفئة عبر حرق النايلون والفحم الحجري أو قشور الفستق، لتخلف عواقب صحية خطرة تضاف إلى فواتير الفقراء في سورية.
وكانت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة قد حذرت في شهر يونيو/ حزيران الماضي من أن سورية تواجه أزمة فقر غير مسبوقة، إذ يفتقر أكثر من 9.3 ملايين شخص إلى الغذاء الكافي، في وقت قد يتسارع فيه تفشي فيروس كورونا. وقال برنامج الأغذية العالمي بإفادة في جنيف إن عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1.4 مليون في غضون الأشهر الستة الماضية. وذكرت المتحدثة باسم البرنامج، إليزابيث بايرز، أن أسعار السلعة الغذائية ارتفعت بأكثر من 200 بالمائة في أقل من عام بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور، وإجراءات العزل العام التي فرضتها سورية لاحتواء مرض كوفيد-19.