بريطانيا ترفع الضرائب لدعم الرعاية الصحية والاجتماعية وسط مخاوف من موجة تسريح للموظفين
فيما يخشى الاقتصاديون حدوث موجات تسريح لموظفين على نطاق واسع، أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وضع خطط اليوم الثلاثاء لرفع الضرائب على العاملين وأرباب العمل وبعض المستثمرين في مسعى لإصلاح نظام الرعاية الصحية والاجتماعية، الأمر الذي أثار غضب بعض أعضاء حزبه لمخالفته وعدا انتخابيا.
فبعد إنفاق أموال طائلة على مكافحة جائحة كوفيد-19، يعود جونسون إلى تعهد مبكر بالتعامل مع نظام الرعاية الاجتماعية المتعثر في بريطانيا والذي من المتوقع أن تتضاعف تكلفته مع زيادة أعمار السكان في العقدين المقبلين، وفقا لوكالة "رويترز".
كما تحرك لمحاولة معالجة التأخير في الخدمات الصحية في بريطانيا والتي تشهد انتظار الملايين على مدى أشهر لتلقي العلاج من الخدمة الصحية الوطنية بعد إعادة تركيز الموارد للتعامل مع الذين يعانون من فيروس كورونا المستجد.
وعلى مدى سنوات كان السياسيون البريطانيون يحاولون إيجاد طريقة لدفع تكاليف الرعاية الاجتماعية، مع أن رؤساء الوزراء المتعاقبين من حزبي العمال والمحافظين تجنبوا هذه القضية لأنهم كانوا يخشون أن تثير غضب الناخبين وحزبيهما.
وتجاهل جونسون القلق الصاخب في حزبه، وحدد ما وصفه بضريبة رعاية صحية واجتماعية جديدة ستشهد ارتفاعا في معدل ضرائب رواتب التأمين الوطني التي يدفعها كل من العمال وأرباب العمل بمقدار 1.25 نقطة مئوية لكل منهما، ونفس الزيادة للضريبة على أرباح حملة الأسهم.
وقال جونسون أمام البرلمان "سيكون من الخطأ بالنسبة لي أن أقول إن بوسعنا أن ندفع مقابل هذا التعافي دون اتخاذ قرارات صعبة لكنها تتسم بالمسؤولية حول كيفية تمويله. تغطية التكاليف بزيادة الاقتراض والدَين ستكون مسألة غير مسؤولة".
مخاوف من موجة تسريح للموظفين
ومع الإعلان عن انتهاء برنامج البطالة الجزئية الضخم الذي دعم التوظيف في المملكة المتحدة منذ بداية الوباء، يخشى الاقتصاديون حدوث موجات تسريح ولكن ليس بالضرورة نهاية الافتقار إلى عمال الذي تعاني منه بعض القطاعات، بحسب وكالة "فرانس برس".
وذكرت وزارة الخزانة البريطانية للوكالة أن "برنامج البطالة الجزئية لعب دورا رئيسيا في الحفاظ على ما يقرب من 12 مليون وظيفة خلال الـ 18 شهرا الماضية" مضيفة أن الإجراء الذي من المقرر أن ينتهي في 30 سبتمبر/أيلول ينتهي بشكل طبيعي مع انتعاش الاقتصاد".
واستفادت العمالة في بريطانيا من الانتعاش الاقتصادي للبلاد، حيث واصل معدل البطالة انخفاضه في أغسطس/ آب ليصل إلى 4.7%، بعد أن بلغ ذروته عند 5.2% في نهاية عام 2020، مع وجود أكثر من مليون وظيفة شاغرة.
يبدو أن الظروف مؤاتية لوقف البرنامج الذي كلف دافعي الضرائب البريطانيين نحو 70 مليار جنيه إسترليني. لكن لا يزال هناك نحو مليوني شخص يعانون من البطالة الجزئية هذا الصيف، حيث "من الممكن، إن لم يكن من المحتمل" أن يتم تسريح البعض و حدوث "ارتفاع مؤقت في معدل البطالة في أكتوبر/تشرين الأول"، حسب تقديرات المحلل بول ديلز، من مجموعة "كابيتال إيكونوميكس".
وتأمل الحكومة في أن يجد الباحثون عن عمل وظيفة جديدة ما يساعد في التخفيف عن بعض القطاعات التي تفتقر بشدة إلى اليد العاملة، مثل الصناعات الغذائية والبناء وتجارة التجزئة والنقل البري.
وعلى سبيل المثال، يوجد نقص في عدد سائقي الشاحنات الثقيلة - 100 ألف في البلاد - الأمر الذي يضع الحكومة تحت الضغط: بعد النقص في اليد العاملة لدى مطاعم ماكدونالدز وحانات ويثرسبون وشركة كوكا كولا ومحلات إيكيا، تخشى الشركات الآن معاناة مشاكل الإمداد خلال فترة عيد الميلاد.
وأثر نقص العمالة كذلك على الولايات المتحدة والدول الأوروبية منذ بداية الوباء، لكنه تفاقم في المملكة المتحدة بسبب بريكست، مما يجعل من الصعب على العمال الأوروبيين دخول البلاد، ولا سيما في صناعة الفنادق والمطاعم والخدمات اللوجستية والمواد الغذائية.
عمل مؤقت
إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي أن توقف برنامج البطالة الجزئية قد "ينعكس إيجابياً بالنسبة للاقتصاد إذا سمح بتخفيف نقص العمالة". لكن التسريح سيؤثر في المقام الأول على العمال المؤقتين، خاصة في "الفنادق أو المطاعم أو قطاع الخدمات، حيث لم يعد الطلب بعد إلى مستواه الطبيعي"، وفق ما أورد معهد بحوث السياسات العامة في تقرير.
واعتبر كارستن جونغ، كبير الخبراء الاقتصاديين في المعهد، أنه سيكون من الضروري "الإبقاء على برنامج البطالة الجزئية، من خلال ضبطه، إلى أن يتعافى سوق العمل فعلاً، بدلاً من تعريض أصحاب الدخل المتدني لمخاطر لا فائدة منها".
ونبهت منظمة أصحاب العمل البريطانية، من جهتها، إلى أن توقيف برنامج البطالة الجزئية لن يحل مشكلة نقص العمالة، حيث سيستغرق تدريب العاملين على مهنة جديدة بعض الوقت.
ففي النقل البري، على سبيل المثال، "سيستغرق الأمر 18 شهراً على أقل تقدير لتدريب عدد كاف من سائقي الشاحنات"، بحسب اتحاد الصناعة البريطاني الذي يدعو، في هذه المناسبة، الحكومة إلى اعتماد المرونة بشكل أكبر في سياستها المتعلقة بالهجرة لتخفيف الضغط عن القطاعات.
وحذر توني دانكر، المدير العام لاتحاد الصناعة البريطاني من أن "نهاية البطالة الجزئية ليست الحل الناجع الذي يعتقده البعض، فهي لن تحل مشكلة نقص العمالة بطريقة سحرية"، مشيراً إلى أن حل المشكلة "قد يستغرق عامين، وليس بضعة أشهر".