بينما يحتدم الصراع بين وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس ووزير الخزانة المستقيل ريشي سوناك على منصب رئاسة الوزراء بعد استقالة بوريس جونسون، وتبدو حظوظ تروس أكبر في الفوز بالمعركة الانتخابية التي ستجري داخل حزب المحافظين. لكن وفق دراسات، فإن من يفوز بالمعركة سيواجه تحديات صعبة على صعد الاقتصاد وإدارة العلاقات الخارجية وبناء الفضاء التجاري الجديد.
في هذا الشأن، يرى خبراء أن هناك 4 تحديات رئيسية أمام القادم الجديد إلى مقر رئاسة الوزراء "10 داوننغ ستريت"، أكبرها معالجة ملف خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي "بريكست" وما تلاه من الخلافات التي نشبت حول الحدود الأيرلندية، والخلافات التجارية مع دول الاتحاد الأوروبي.
وكان رئيس الوزراء البريطاني المستقيل بوريس جونسون، قد هدد مرات بإعادة كتابة بعض بنود اتفاق "بريكست" مع دول الاتحاد الأوروبي، كما أثار عدة معارك مع فرنسا حول قضايا صيد الأسماك.
لكن المهم في اتفاق الحدود الجمركية بين أيرلندا الشمالية وأيرلندا الجنوبية أن الولايات المتحدة تربط ضرورة معالجته بطريقة مرضية لأيرلندا، بموافقتها على اتفاق التجارة الحرة الذي تعول عليه بريطانيا في إنعاش الاستثمارات ومصارف حي المال البريطاني وبورصة لندن.
في هذا الصدد تقول الباحثة في جامعة "كينغ كوليدج" اللندنية، صوفي ستيوارس، إن كلا المرشحين لرئاسة الوزراء من أنصار بريكست، وبالتالي ليس من المتوقع أن تغير الحكومة المقبلة موقفها من "بريكست"، ولكن ربما تكون هناك مرونة في معالجة الملف، مقارنة بالأسلوب الخشن الذي كانت عليه معالجة جونسون.
أما التحدي الثاني، فهو ملف الاقتصاد الذي يعيش أسوا أوضاعه بسبب خروج بريطانيا من سوق الاتحاد الأوروبي، البالغ قوامه 445 مليون مستهلك، وتذهب إليه نحو 50% من الصادرات.
وكان جونسون يعتقد أن اتفاقات التجارة الحرة التي كان ينوي توقيعها مع الولايات المتحدة وأستراليا والهند وشرعت بريطانيا في التفاوض حولها ستعوض الأعمال التجارية البريطانية الفرص الضائعة في أوروبا، ولكن أي من هذه الاتفاقات لم يكتمل، كما أن بعضها يواجه عقبات رئيسية، خاصة اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا.
أما التحدي الثالث والمهم، فهو معالجة أزمات الاقتصاد الحالية، حيث ارتفع معدل التضخم إلى أعلى مستوياته.
على صعيد بناء الفضاء التجاري الجديد، وقّعت بريطانيا منذ خروجها من عضوية الاتحاد الأوروبي 4 اتفاقات رئيسية، وفقاً لموقع "البرلمان البريطاني".
وهذه الاتفاقات هي شراكة تجارية مع كل من اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة، كما وقّعت اتفاقات تشبه بنودها اتفاقات سابقة كانت تتعامل بها قبل خروجها من عضوية الكتلة الأوروبية مع كل من المكسيك وتركيا.
ووقّعت حكومة جونسون كذلك على عضوية التجارة الحرة مع 11 دولة، ضمن اتفاق الشراكة التجارية لدول المحيط الباسيفيكي. وبالتالي، ترى دراسة "البرلمان البريطاني" أن على الحكومة التي ستخلف جونسون أن تواصل المفاوضات التي بدأت في يونيو/حزيران حول التجارة الحرة مع دول الخليج، والشراكة التجارية مع الهند التي بدأت في 17 يناير/كانون الماضي.
وتعد الهند من الأسواق الاستهلاكية الكبيرة التي تعول عليها بريطانيا في زيادة الصادرات، ولكن هناك مخاوف حول بنود الهجرة وحقوق الملكية، حيث يرى خبراء أن الشركات الهندية ربما تستغل الاتفاقية لأخذ بريطانيا كمنصة للتسويق في أوروبا وأميركا.
أما التحدي الثالث والخطير، فهو زيادة الإنفاق الحكومي، وسط ارتفاع الدين السيادي البريطاني.
وحسب المعهد القومي للدراسات الاقتصادية والاجتماعية البريطاني في لندن، فإن الحكومة الجديدة ستحتاج إلى خفض الإنفاق في الميزانية بنسبة 1.5% سنوياً خلال العقد الجاري، أو نحو 37 مليار جنيه إسترليني.
كما ستحتاج إلى خفض ضرائب الدخل على المواطن، حتى يتمكن المستهلك من تعويض ما يخسره من الدخل بسبب معدل التضخم المرتفع وغلاء أسعار الوقود والكهرباء والغاز الطبيعي والسلع الغذائية.
وبلغ معدل التضخم في بريطانيا أعلى مستوياته في 40 عاماً إذ وصل إلى 9.1%، ويتجه إلى الارتفاع أكثر، حسب معهد الإحصاء البريطاني.
لكن المعهد يشير إلى أن رئاسة الحكومة البريطانية الجديدة ستواجه معضلة ارتفاع خدمة الدين السيادي، بسبب الفائدة المرتفعة التي ينوي بنك إنكلترا تنفيذها خلال العام الجاري.
وتقدر مؤسسة "تريدنغ إيكونومكس" للإحصائيات حجم الدين السيادي البريطاني بنحو 4.8 تريليونات جنيه إسترليني، كما تقدّر حجم الاقتصاد بنحو 3.2 تريليونات دولار خلال العام الجاري.
ويرى المعهد القومي للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أن الحكومة الجديدة إذا كانت ترغب في خفض الدين الحكومي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي إلى 75% خلال السنوات المقبلة كما سبق وأعلنت ذلك، فإن ذلك سيضغط على الإنفاق الحكومي، وستكون له تداعيات سالبة على الاستثمار في قطاعات اجتماعية مهمة، مثل الخدمات الصحية والتعليم.
أما التحدي الرابع والأخير، فهو كيفية معالجة أزمات الرواتب التي كانت مثار احتجاجات ضخمة في قطاع المواصلات، أدت إلى تعطيل خطوط السكك الحديدة وقطارات الأنفاق، وكلفت الأعمال التجارية مليارات الدولارات خلال يونيو/حزيران الماضي. ويتوقع خبراء أن تجري نقابات العمال والموظفين في القطاع العام البريطاني مفاوضات شاقة خلال الشهور المقبلة.