ما زالت حشرة "سوسة النخيل" التي تستوطن داخل الجذوع الرئيسية لأشجار النخيل وتتغذى عليها، تشكّل عامل أرق للمزارعين الفلسطينيين في قطاع غزة.
وقبل 10 سنوات، انتشرت هذه الآفة في حقول أشجار النخيل بشكل كبير، إلا أن الظاهرة انحسرت في السنوات الأخيرة بعد حملة مكافحة أطلقتها مؤسسات حكومية وأهلية.
ولم تقضِ هذه الحملة على "سوسة النخيل" نهائيا، حيث يقول خبراء بيئة إنه "من المستحيل حصول ذلك"، ويتخوف المزارعون من عودة جديدة وقوية لهذه الآفة، في ظل استيطانها داخل أشجار النخيل.
وبينما يبحث المزارع عن سوسة النخيل لمكافحتها، تنظر عيناه بترقّب إلى ثمار "البلح" ذات اللون الأخضر، والتي لم تنضج بعد بسبب تأخر فصل الصيف لهذا العام، وتزداد بذلك مخاوف المزارع الذي يواجه هو الآخر تداعيات التغيّرات المناخية الحاصلة حول العالم.
برنامج للمكافحة
على مدى الأعوام الخمسة الماضية، نفذت وزارة الزراعة الفلسطينية بغزة بالتعاون مع مؤسسات معنية بالقطاع، حملة لمكافحة "سوسة النخيل"، التي انتشرت بشكل كبير آنذاك.
ورغم ظهور هذه الآفة مُجددا في بعض الحقول، فإن انتشارها مقارنة بالأعوام السابقة بات أقلّ بكثير، بحسب أدهم البسيوني المتحدث باسم وزارة الزراعة.
وقال البسيوني إن عملية القضاء على هذه الآفة مستحيلة، لكن يمكن الحد من انتشارها بما يضمن سلامة أشجار النخيل، مضيفا أنه "إذا أصيبت الشجرة بهذه الآفة، الضرر أقل لكن تبقى الشجرة بحاجة إلى اهتمام ورعاية باستمرار".
وأوضح أن إهمال رش الأشجار المصابة، ومحاصرة هذه الآفة من شأنه أن يتسبب بانتشارها في الحقل وموت الأشجار، مشيرا إلى تنفيذ وزارته على مدى الأعوام الممتدة بين 2015-2020 برنامجا طويلا لمكافحة "سوسة النخيل".
وتابع أن "هذا البرنامج شمل متابعة ميدانية، ورش أشجار النخيل، وتوعية المزارع بالتكيف مع هذه الحشرة المُستوطِنة داخل الأشجار وتقديم المعلومات الكافية له عن مكافحتها"، مرجعا انتشار هذه الآفة في بعض الحقول إلى وجود حالة من "إهمال العناية بأشجار النخيل المزروعة".
معاناة وتخوفات
المزارع الفلسطيني جمال أبو جميزة، يشكو من ظهور جديد لـ"سوسة النخيل" داخل حقله في مدينة دير البلح، وسط القطاع، معربا عن تخوفاته من "عدم السيطرة على هذه الآفة وانتشارها لتستوطن في المزيد من الأشجار".
وشكا من تحمّله تكاليف وعبء مكافحة هذه الآفة التي بدأت تظهر في أشجاره، مطالبا المؤسسات المعنية بالقطاع الزراعي بالمساهمة في رش هذه الحشرات والحدّ من انتشارها.
ووصف المزارع الفلسطيني انتشار سوسة النخيل في حقله بـ"الكارثة التي قد تلحق به في حال لم يتم التدخل"، مؤكدا أهمية " توفير الإمكانيات للقضاء عليها والحفاظ على النخلة".
من جانب آخر، أشار أبو جميزة بأصبعه صوب ثمار البلح، وقال وهو يهز رأسه بحسرة: "بسبب تغيّر المناخ لهذا العام، هناك أشجار ما زالت ثمارها بنسبة 100 بالمائة خضراء وغير ناضجة"، مؤكدا أن "عدم نضوج الثمار حتى بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، يهدد المزارع ومصدر رزقه".
وفي مبادرة منه، لتقليل الخسائر على المزارعين، بدأ أبو جميزة طحن البلح الأخضر الموجود على الأشجار في حقله "وكبسه وتحويله إلى مادة شبيهة بالأعلاف"، مؤكدا أنها "توفّر على مربي الثروة الحيوانية ما نسبته 30 بالمائة من أعلاف الحيوانات.
وأعرب عن استعداده لتصنيع المادة المذكورة في حال لم تنضج ثمار البلح خلال هذا الموسم، إلا أن وزارة الزراعة دعت المزارعين إلى عدم جني ثمار البلح الخضراء وانتظار نضجها.
محصول استراتيجي
بدوره، يقول محمد أبو عودة، المتحدث الفني باسم وزارة الزراعة، إن "سلوك سوسة النخيل بات كالحشرات العادية، يمكن مكافحتها من خلال المبيدات العادية".
وأضاف أن "المزارع بدأ من خلال العمل الإرشادي الذي تم تقديمه بالتخفيف من ضرر هذه الشجرة التي تتم مكافحتها".
وأوضح أن البلح من "المحاصيل الاستراتيجية بغزة حيث تبلغ مساحات الأراضي المزروعة بأشجار النخيل نحو 11 ألفا و500 دونم"، بينما "تبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة نحو 8 آلاف و500 دونم، فيما تصل مساحة الأراضي التي تضم أشجارا غير مثمرة إلى نحو 3 آلاف دونم".
وذكر أن عدد أشجار النخيل في تلك الأراضي يصل إلى 250 ألف نخلة"، مشيرا إلى أن توقعات الإنتاج لهذا العام تصل إلى طن و600 كيلوغرام للدونم الواحد بكمية إجمالية تبلغ 14 ألف طن.
تأخر الصيف
وفي السياق، يصف أبو عودة تأخر عملية تلقيح الأزهار لأكثر من شهر هذ العام بـ"الحدث الغريب"، وقال إن وزارته "رصدت هذا الظاهرة وقدّمت إرشادات لازمة للمزارعين للحد من تأثيراتها السلبية"، مرجّحا تأخر مرحلة النضوج.
وفي العادة، ينضج البلح نهاية سبتمبر من كل عام، إلا أنه من المتوقع نضوجه بعد أسبوعين أو أكثر على أقل تقدير لهذا العام، بحسب أبو عودة.
وأردف: "نوجّه المزارع للتعامل مع النباتات بالإرشادات السليمة لإيصاله لبر الأمان سواء بتغيير سلوك النمط السابق وممارسات جديدة تساعده في تقليل الضرر".
متطلبات جديدة
من جهته، يقول كمال الشيخ عيد، أستاذ الإنتاج النباتي والوقاية، في جامعة الأزهر بغزة، إنه "في ظل التغيرات المناخية بتنا بحاجة لدراسة سلوك سوسة النخيل إذا ما كانت قد تأثرت بالحرارة، أو تعرّضت لزيادة في عدد أجيالها".
وأضاف: "وارد مع ارتفاع درجات الحرارة أن تظهر أجيال جديدة من هذه الحشرة، بصفات جديدة تتحمل المبيدات على سبيل المثال"، مشيرا إلى أن " التغير المناخي من شأنه أن يؤثر على سلوك الحشرات والآفات الزراعية"، لافتا إلى احتمالية ظهور آفات جديدة تدمّر المحاصيل.
وأوضح أن مواجهة التداعيات الناتجة عن التغير المناخي أمر صعب، خاصة في قطاع غزة الذي يعاني من نقص في المواد الكيماوية والأجهزة والمعدات اللازمة لإجراء الأبحاث العلمية.
وأردف: "أيضا الانقسام الفلسطيني (المستمر منذ 2007) أثر بشكل سلبي على إجراء هذه الدراسات والأبحاث حيث انعكس بدوره على المؤسسات المعنية بهذا المجال".
وذكر أن تداعيات التغيرات المناخية بحاجة إلى دراسة مطوّلة بجهود المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية للكشف عنها.
وخلال هذا العام، تسبب تأخر فصل الصيف لمدة شهر تقريبا في تأخير تلقيح زهور المحاصيل بالتالي تأخر نضج المحصول.
واستكمل قائلا: "هناك محاصيل لم تنضج بعد، ومن الوارد جرّاء التغيرات الحاصلة اختفاء بعض أنواع المحاصيل في حين أنه من الممكن استحداث محاصيل جديدة".
وأشار إلى أن تأخر نضج المحاصيل يتسبب في قلة الإنتاج وبالتالي ارتفاع الأسعار، الأمر الذي يفاقم معاناة المواطن الفلسطيني الذي يعاني من ظروف اقتصادية صعبة.
(الأناضول)