فرضت الأسواق والمحالّ التجارية في ليبيا بيعاً مشروطاً للسلع الغذائية الأساسية، خاصة زيت الطعام والدقيق، وسط ارتفاع الأسعار بشكل جنوني خلال الفترة الأخيرة، بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على إمدادات السلع وأسعارها في الأسواق العالمية، فيما تستورد ليبيا 85% من احتياجاتها من الخارج.
ولم يعد بإمكان المواطنين شراء سوى كميات محددة من السلع من المتاجر والأسواق، وفق تعليمات حكومية، وإلا تعرض التجار لإجراءات عقابية منها منع توريد السلع إلى منفذ البيع المخالف.
ورغم تحديد كميات البيع إلا أن أسعار السلع تشهد تباينا من متجر إلى آخر رغم أنها تعود إلى نفس الشركة المنتجة، بحسب جولة لـ"العربي الجديد" في العديد من أسواق العاصمة طرابلس.
وقال رئيس اتحاد جمعيات حماية المستهلك أحمد الكردي لـ"العربي الجديد" إن "الأسواق تعاني من فوضى الأسعار... هناك تعدد في أسعار السلعة الواحدة ولا بد من تدخل وزارة الاقتصاد ووضع تسعيرة جبرية لضبط الأسعار".
ويأتي التباين في أسعار السلعة الواحدة رغم البيع المشروط الذي تفرضه المتاجر، وفق مواطنين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، بينما يرجع تجار الوضع الحالي إلى نقص المعروض من السلع في الأسواق.
لكن مصرف ليبيا المركزي أشار في بيان له أخيرا إلى عدم وجود عراقيل للاستيراد مشيرا إلى أنه جرى خلال الفترة من 28 إبريل/نيسان إلى 25 مايو/أيار الماضي، فتح اعتمادات مستندية (إجراءات مصرفية للاستيراد) لأكثر من 502 شركة، من بينها شركات متخصصة في استيراد المواد الغذائية والأدوية والمستحضرات الطبية.
وإلى جانب نقص المعروض من السلع وتباين الأسعار، تشهد البلاد تصاعدا في الغلاء. إذ قال الباحت الاقتصادي صلاح التومي إن معدل التضخم سجل قفزات حادة خلال العقد الأخير.
وقال المحلل الاقتصادي أحمد المبروك لـ"العربي الجديد" إنه يصعب علي المصرف المركزي السيطرة على التضخم لعدم قدرته على رفع قيمة الدينار الليبي حاليا في ظل الوضع الاقتصادي السياسي المأزوم، معربا عن اعتقاده بأن الكثير من الاعتمادات المستندية التي يجري فتحها هي لعمليات استيراد وهمية، حيث يجري الحصول على النقد الأجنبي ومن ثم بيعه في السوق الموازي لاحقاً.
وازدهرت السوق الموازية في ليبيا، منذ عام 2015 وذلك بعد تراجع الإيرادات النفطية مع زيادة الطلب على الدولار بسبب عدم الاستقرار السياسي والحروب المتواصلة بين فرقاء السياسة مع زيادة عمليات سحب النقود من المصارف التجارية.
وأشار المبروك إلى عدم وجود تدابير حكومية حقيقية لمواجهة أزمة الغذاء، سواء عبر توفير مخزون غدائي يكفي ستة أشهر على سبيل المثال، لافتا إلى أن أسعار بعض السلع ارتفعت بنسبة تفوق 100% مثل زيت الطعام.
وتابع أن الحكومة لا تمتلك الحلول وسط التجاذبات السياسية وحالة الانقسام التي تشهدها البلاد وضعف الجهات المعنية بحماية المستهلك. وأدى الصراع الذي احتدم أكثر من عقد بين الحكومات المتنافسة في ليبيا إلى وجود مؤسسات موازية تتنافس على السيطرة.
بدوره، رأى صقر الجيباني، أستاذ الاقتصاد في جامعة عمر المختار، ضرورة رفع قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية بما يُحسّن من القوة الشرائية للمواطنين ويحد من تهريب السلع.
لكن البيانات الصادرة عن المصرف المركزي، تشير إلى صعوبة ذلك، وفق محللين، إذ إن احتياطيات ليبيا تغطي وارداتها لمدة 28 شهراً، بينما كان يغطي ضعفي هذه الفترة قبل عام 2013.
ووفق المصرف المركزي، انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي إلى 45.9 مليار دولار، مشيرا إلى تآكل الاحتياطيات خلال الفترة 2013 حتى نهاية 2020 بنسبة 49.7%.
ولفت المصرف في تقرير له نهاية مايو/ أيار الماضي، إلى ضرورة دعم الاحتياطيات من العملات في المدى القصير والمتوسط ومضاعفتها ومنع تآكلها، مطالبا بفك التجميد عن أصول الصندوق السيادي في الخارج.
لكن الأوضاع السياسية في ليبيا تنذر بتعقد المشهد المالي وبالتالي تفاقم الأوضاع المعيشية للكثيرين. إذ أعلنت السفارة الأميركية في طرابلس في منتصف مايو/ أيار الماضي، أنها تدعم "التجميد المؤقت" لعائدات النفط الليبي في حساب المؤسسة الوطنية للنفط لدى البنك الليبي الخارجي، إلى حين التوصل إلى اتفاق بشأن آلية لإدارة الإيرادات في الدولة.
وكان مجلس النواب قد طالب مؤسسة النفط باحتجاز إيرادات النفط في حساب المؤسسة بالمصرف الليبي الخارجي وعدم إحالتها لمصرف ليبيا المركزي.
واشترط اقتصار الإنفاق الحكومي على المرتبات ودعم المحروقات لحين تسليم السلطة من جانب حكومة عبد الحميد الدبيبة إلى الحكومة الجديدة المكلفة من جانبه برئاسة فتحي باشاغا.
وتتفاقم الأعباء المعيشية للكثيرين في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر في البلد الذي يحظى بثروات نفطية كبيرة. وتظهر بيانات وزارة العمل أن هناك نحو 350 ألف باحث عن العمل خلال العام الماضي. وحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن نحو 1.3 مليون شخص (23% من السكان)، بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.