- التحديات الاقتصادية واللوجستية: التغيير في سوريا له تأثير محدود على الاقتصاد العراقي. الاضطرابات الإقليمية تزيد تكاليف النقل والشحن، وتدهور البنية التحتية يضعف التنافسية، مما يدفع التجار للبحث عن طرق بديلة.
- الفرص الاقتصادية المستقبلية: العلاقات المصرفية والاستثمارية بين العراق وسوريا غائبة حاليًا، لكن هناك خطط عراقية طموحة تشمل تصدير الطاقة والمساهمة في إعادة الإعمار، مع توقع تحسن العلاقات الاقتصادية بتحسن الوضع السياسي في سوريا.
ترتبط بغداد بجملة من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع النظام السوري السابق طيلة السنوات التي أعقبت العام 2020 والتي سيطرت فيها قوات النظام على الطريق البري المؤدي للعراق بمساعدة الفصائل الموالية لإيران، وإعادة فتح معبر القائم الحدودي بين البلدين.
ومع سقوط نظام الأسد، أغلق العراق حدوده البرية وجميع منافذ العبور بين البلدين، وهو ما أدى إلى إيقاف حركة الشاحنات والبضائع التي تتخطى يوميا عتبة الـ 60 رتلا من المواد التي يشتريها العراق من مناطق سيطرة النظام، وغالبيتها مواد ومنتجات زراعية، ومنسوجات ومواد مختلفة، والأمر ذاته بالنسبة للمواد التي كان يصدرها العراق إلى سورية وكلها كانت ضمن القطاع الخاص بين تجار وشركات بين البلدين.
وعلى الرغم من فإن حجم التبادل التجاري بين العراق وسورية، محدود مقارنة بدول أخرى مثل تركيا والأردن وإيران، ويقتصر على سلع وبضائع محدودة، إلا أن السوق العراقي عُرف بكونه سريع التأثر بأي تغييرات تطرأ عليه في هذا السياق.
ويقول عضو غرفة تجارة بغداد، محمد السالمي، إنه على الرغم من ضعف التبادل التجاري مع سورية طيلة السنوات الأخيرة، مقارنة بالدول الأخرى، فإن السوق العراقية بالمجمل ارتبكت عدة أيام، وهذا ناتج من حاجة التجار والموردين لبعض الوقت من أجل إيجاد مصدر آخر لنفس البضائع التي كانوا يستوردونها من سورية.
مبينا لـ"العربي الجديد"، أن "التأثير يبقى محدودا جدا، ونتوقع أن يكون هناك انفتاح عراقي تجاري واقتصادي على سورية الجديدة، لكن هذا لن يكون سريعا بطبيعة الحال".
الحكومة تطمئن الأسواق
المستشار المالي للحكومة العراقية، مظهر محمد صالح، أكد أن التغيير الذي حصل في سورية، سيكون محدودا على الاقتصاد العراقي، عازيا ذلك إلى ضعف التبادل التجاري مقارنة بدول أخرى.
وأوضح صالح، أن التأثيرات الاقتصادية للأحداث في سورية من ناحية المصارف والبنوك والشركات الاستثمارية غير موجودة، كون الأوضاع في سورية والعزلة السياسية والاقتصادية التي عاشتها سابقا حالت دون إقامة علاقات مصرفية وتجارية واستثمارية عميقة بين البلدين.
وبين صالح خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الاستقرار الاقتصادي لدى الدول المجاورة يعزز مبدأ الجذب الاقتصادي والذي يعني الاستفادة من الكثافة التجارية بين البلدين الجارين، مؤكداً، أن هذا سيتوقف بالتأكيد على دور المجتمع المالي والمصرفي والتجاري الدولي في إطلاق فرص الاستثمار والتجارة بين البلدين الجارين والعالم.
وعن مصير الاتفاقية التجارية بين العراق ولبنان عبر سورية، أوضح صالح: "ننتظر قادم الأيام فيما يؤديه الاقتصاد السوري من دور في التعاطي مع الفواعل الإقليمية الدولية واستقرار الأوضاع السياسية التي يتطلع إليها الجميع بما يصب في مصلحة الاقتصاد السوري والتجارة الإقليمية.
وأشار صالح، إلى أن الاضطرابات الإقليمية تؤثر على تكاليف النقل والشحن، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، في ظل رفع شركات التأمين التكاليف، بسبب المخاطر المرتبطة بالأوضاع غير المستقرة.
وأضاف، أن تعطل الطرق التجارية نتيجة لهذه الاضطرابات قد يزيد من تكلفة الواردات ويؤخر وصول السلع، مما يؤثر على النشاط التجاري بين العراق ودول الجوار مثل سورية وتركيا وإيران.
التجارة مع لبنان عبر سورية
أعلنت إحصاءات "دليل الصادرات والمؤسسات الصناعية اللبنانية" في آخر إحصائية لها صدرت في شهر يوليو/ تموز 2024، عن أن السنوات العشر الماضية، 2014 - 2023، جاء العراق ثاني أكبر مستورد من لبنان، وجاء في المرتبة الأولى من حيث الفائض الربحي، حيث بلغت قيمة ما استورده العراق من لبنان خلال السنوات العشر الماضية 1.676 مليار دولار، مقابل تصدير بلغ 48.974 مليون دولار، أي بفائض ربحي قدره 1.628 مليار دولار.
ولم تتوفر إحصائية دقيقة مُحدثة لعام 2024 حتى الآن لحجم التبادل التجاري بين العراق ولبنان، إلا أن التقديرات تشير إلى استمرار حالة التبادل التجاري في نطاق مشابه للسنوات الماضية، مع ملاحظة التراجع نتيجة إغلاق الطريق البري عبر سورية.
كما أن العراق ولبنان تربطهما اتفاقية الوقود المعروفة إعلاميًا باسم "النفط مقابل الخدمات" والتي زادت كميتها إلى مليوني طن سنويًا من مادة الفيول أويل (زيت الوقود عالي الكبريت) الممتدة إلى نهاية يناير/كانون الثاني 2025.
وفي السياق ذكر الباحث الاقتصادي، أحمد صباح، أن "التبادل التجاري بين العراق ولبنان سيشهد عددا من المعوقات اللوجستية على اعتبار أن الاتفاق تم بواسطة أو رعاية من قبل حزب الله اللبناني مما قد يشهد تعطيل الطريق البري عبر سورية".
وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن تدهور البنية التحتية للطرق والمعابر الحدودية وضعف الخدمات اللوجستية في نقل البضائع، سيؤدي إلى زيادة التكاليف وتقليل التنافسية لأن التجار قد يبحثون عن طرق بديلة في مقدمها الطريق البحري.
وبين صباح، أن سيطرة الفصائل والأحزاب المتنفذة على مفاصل اقتصادية وتجارية عراقية واسعة ستكون عاملا آخر من العوامل التي تعطل استمرار التبادل التجاري عبر سورية، لكن قد يكون للحكومة العراقية رأي آخر بعد أن تتفق رسمياً مع الحكومة المؤقتة في سورية من أجل تسهيل مرور الشاحنات والبضائع عبر أراضيها.
وأشار، إلى أن الضغوط السياسية الدولية على سورية قد تؤثر على قرارات الشراكات الاقتصادية، خاصة في ظل التنافس الإقليمي الذي تشهده المنطقة على فرص إعادة الإعمار، مما قد يفرض تحديات على العراق، خاصة مع دخول قوى اقتصادية أخرى للسوق السورية.
الفرص الاقتصادية
من جانبها، تحدثت الباحثة في الشأن الاقتصادي، حوراء الياسري، عن أن دور العراق في الاقتصاد السوري في المستقبل القريب سيكون متنوعًا، بسبب العلاقات الجغرافية والسياسية والاقتصادية بين البلدين.
وبينت الياسري، لـ"العربي الجديد"، أن السنوات الأخيرة كان التبادل التجاري بين سورية والعراق فيها محدودا نسبيًا.
وأضافت، أن العلاقات المصرفية والاستثمارية بين البلدين غير موجودة نتيجة العقوبات المفروضة على سورية، مما يعيق الاستثمارات العراقية المباشرة فيها.
وأشارت، إلى أن هناك بعض الخطط الاستثمارية العراقية الطموحة لمستقبل العلاقات، مثل تصدير الطاقة والاستيراد من البحر الأبيض المتوسط عبر سورية، فضلاً عن إمكانية توفر الفرص الاستثمارية والمساهمة في عمليات إعادة الإعمار.
وأكدت الياسري، أن تحسن الوضع السياسي في سورية سيؤدي إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع العراق، خصوصًا في مجالات مثل الزراعة، مبينةً، أن الأوضاع هناك ما زالت غير مستقرة مما قد يؤثر على تكاليف النقل والشحن، والذي ينعكس بدوره على أسعار السلع المستوردة بين البلدين.