تلاحقت اللقاءات بين تركيا والإمارات خلال الفترة الماضية. إذ أجرى وفد من جمعية الناشرين الإماراتيين خلال زيارته إلى غرفة تجارة إسطنبول، الأسبوع الماضي، مباحثات مع رئيس الغرفة شكيب أوفداغيتش، لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. بعدها، أعلنت أنقرة أن وفداً اقتصادياً تركياً، برئاسة رئيس الجانب التركي لمجلس الأعمال المشترك مع الإمارات توفيق أوز، بحث في أبوظبي سبل تعزيز العلاقات التجارية وزيادة تبادل السلع خلال الفترة المقبلة.
وبحسب مصادر إعلامية، بحث الوفد التركي مع ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، "خطط تنويع الفرص الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك. وتم الاتفاق على خطوات عملية لتنمية التبادل التجاري والاستثماري والتعاون على الصعيد الاقتصادي بين البلدين".
وأشارت المصادر إلى أن الجانبين التركي والإماراتي بحثا بشأن التحديات الاقتصادية وسبل معالجتها، وناقشا إمكانية الوصول إلى مستويات جديدة للتعاون من الجانبين الاقتصادي والاستثماري، بعدما أطلع ثاني الزيودي الوفد التركي على التطورات التي شهدتها البيئة الاقتصادية في الإمارات، أبرزها تحرير الاستثمار من خلال السماح بالتملك الأجنبي الكامل للشركات بنسبة 100 بالمئة، باستثناء أنشطة محدودة ذات أثر استراتيجي بالنسبة للدولة.
وتطورت العلاقات التركية الإماراتية بعد اتصال وزيري خارجية البلدين خلال شهر رمضان الماضي، قبل أن تؤكد ذلك زيارة طحنون بن زايد، مستشار ولي عهد أبوظبي، إلى تركيا، والتي تلاها بعد ثمانية أيام، في 30 آب/ أغسطس الماضي، اتصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
هذه التطورات رأى محللون أنها بداية لطي صفحة الخلافات التي عصفت بالعلاقات منذ سنوات، خاصة أن التقارب تلته خطوات عملية مع تزايد الوفود الاقتصادية بين البلدين، فأعلنت الشركة العالمية القابضة في أبوظبي عن الدخول بالاستثمار في السوق التركي. وأكد ذلك الرئيس التنفيذي للشركة سيد بصر شعيب، بعد زيارة وفد إماراتي لتركيا والبحث عن فرص في قطاعات الرعاية الصحية والصناعة وتصنيع الأغذية في تركيا.
لكن المحلل التركي برهان كور أوغلو لا يتوقع عودة العلاقات الاقتصادية بشكلها المأمول، بالنظر لواقع استمرار الخلافات السياسية العالقة "رغم أن العلاقات التجارية لم تتوقف في عز التأزم السياسي". ويضيف، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن من مصلحة البلدين زيادة حجم التبادل التجاري الذي نما خلال العام الماضي بنحو 21% عمّا كان عليه عام 2019، ليقترب من 9 مليارات دولار.
ويشير كور أوغلو إلى أن بلاده، ومنذ انفراج الأزمة الخليجية وفك الحصار عن قطر، تحاول تحسين العلاقات مع السعودية ومصر والإمارات، ولكن تعميق العلاقات، وخاصة التجارية والاستثمارات، مرتبط بمواقف الإمارات السياسية وعدم "خدمة مصالح أخرى بالضغط على تركيا واستهداف اقتصادها وعملتها".
وبدأ التقارب التركي الإماراتي بعد المصالحة الخليجية في مطلع العام، وإعلان الإمارات رغبتها في تطبيع العلاقات مع تركيا، وفق أول تصريح بهذا الشأن لوزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الذي قال في إبريل/نيسان الماضي، بعد اتصال وزير الخارجية التركي مولود جاووش يوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد بمناسبة حلول شهر رمضان إن بلاده "ترغب في تطبيع العلاقات مع تركيا، ولا يوجد لدينا أي سبب لكي نختلف مع تركيا، فلا توجد مشكلة، ونرى اليوم أن المؤشرات التركية الأخيرة مثل الانفتاح مع أوروبا مشجعة".
وتطبيع العلاقات، برأي محللين، يخدم تركيا واقتصادها الذي يعاني من التضخم وعجز الميزان التجاري وارتفاع المديونية الخارجية، بحسب المحلل التركي إسلام أوزجان، الذي يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن حكومة بلاده تسعى لتحسين العلاقات مع دول الخليج العربي ومصر، لإخراج "حزب العدالة والتنمية" الحاكم من المأزق الاقتصادي الذي سيؤثر على شعبيته خلال الانتخابات المقبلة عام 2023.
ويضيف أوزجان أن الاستثمارات الخليجية، ومنها الإماراتية، يمكن أن "تخرج تركيا من المشاكل الاقتصادية" وإلا فالوضع الاقتصادي مرشح للتأزم، في ظل تصاعد الأزمات السياسية التركية مع بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.
وعولت تركيا على الإمارات بعد زيارة طحنون بن زايد لأنقرة في آب/أغسطس الماضي، إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد زيارة طحنون، أن "الإمارات ستقوم قريبا باستثمارات كبيرة في تركيا"، مشيراً خلال لقاء متلفز وقتذاك، إلى أنه بحث وبن زايد بموضوع الاستثمارات الإماراتية وأنواعها في تركيا، كاشفاً عن حضور نائب رئيس صندوق الثروة السيادية ورئيس مكتب الاستثمار التركيين الاجتماع، وقال "حددنا كيف ومن سيتخذ الخطوات على خريطة الطريق. لديهم في الإمارات أهداف وخطط استثمارية جادة للغاية".
وعلل الرئيس التركي عودة العلاقات، بعد الذي شهدته من توتر وتصريحات عدائية متبادلة، بأن "مثل هذه التقلبات يمكن أن تحصل وحصلت بين الدول، وهنا أيضا حدثت بعض المواقف المماثلة"، كاشفاً عن لقاء مرتقب مع محمد بن زايد في الفترة المقبلة.